اكاديمي: المسيح تعمد في منطقة وادي الخرار بالأردن

المدينة نيوز:- "ناسك لباسه من وبر الإبل، طعامه الجراد وعسل البر، هو النبي يحيى (يوحنا المعمدان) الذي كان اثناء تجواله بين المدن والقرى، يمهد لقدوم السيد المسيح بعد ولادته في بيت لحم، يدعو اليه ويبشر به على الضفاف الشرقية لنهر الاردن".
من هنا ينطلق الاستاذ في علم الآثار بالجامعة الهاشمية محمد وهيب، لبيان ان نتائج التنقيبات الأثرية جاءت لتدعم مقولة "أن يوحنا كان مقيما في منطقة بيت عينا الواقعة إلى الشرق من نهر الأردن ضمن أراضي قرية الكفرين، وتشتمل هذه المنطقة على أحد الأودية الصغيرة المسمى بوادي الخرار الذي يبعد إلى الشرق من نهر الأردن مسافة أقل من كيلو مترين".
وحسب الاعتقاد السائد لدى الاوائل، يقول وهيب، المدير السابق لمشروع اكتشاف المغطس في حديث مع (بترا)، "فقد دأب الحجاج المسيحيون على زيارة موقع التعميد التقليدي، إلا أن الرحالة والحجاج الذين اعتمدوا المنهج العلمي في دراساتهم قدموا شروحات تفصيلية عن الأماكن الدينية المرتبطة بالتعميد، والتي توافق في مضمونها نتائج التنقيبات الأثرية وبعض الآيات الواردة في الكتب المقدّسة".
وأكد وهيب "أنه تم حديثا اكتشاف عدد من محطات الحج المسيحي الجديدة التي تقع على مقربة من المغطس ومنها محطة وادي الغربة وهو مكان لإقامة الحجاج، وبرك كبرى للمياه تقع على بعد 800 متر من حدود المغطس، كما تم اكتشاف موقع جديد سيتم الاعلان عنه قريبا هو عماد النبي يوحنا المعمدان، ويسمى موقع عين نون قرب ساليم".
واشار الى "انه يتم الآن العمل على مشروع رحلة السيد المسيح وتتبع المحطات التي تم التوقف فيها بالأردن عبر رحلته من طبريا الى أم قيس ثم الى بيت إيدس في لواء الكورة، ثم بيرين بلدة مقام (عيسى) والى كهف المسيح في عراق الامير نزولا الى المغطس على نهر الاردن".
ولفت الى ان الدراسات الخاصة باكتشاف المكان الحقيقي لمعمدانية السيد المسيح تثير العديد من التساؤلات، "ذلك أن هناك تصورا عاما بأن تعميد السيد المسيح تمّ في نهر الأردن، بينما الاكتشافات الأثرية تشير إلى أن مكان التعميد يقع إلى الشرق من نهر الأردن بدليل الآيات الواردة في الكتاب المقدس (الإنجيل) التي تشير الى أن السيد المسيح قد تعمّد في الأردن "حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه" (متّى 3:13) وفي آية أخرى، "وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل وتعمد من يوحنا في الأردن" (مرقس 1:9)، والآية الثالثة جاءت من إنجيل لوقا "ولما تعمد جميع الشعب تعمد يسوع أيضا" (لوقا 2:3)، وفي آية أخرى "هذا كان في عين عنيا عبر الأردن حيث كان يوحنا يعمد" (يوحنا 1:28).
وبين ان قوافل الحجاج المسيحيين الأوائل كانت تأتي لزيارة بيت عنيا والذي يمثّل وادي الخرار مركزه، حيث كان النبي يحيى يبشر بقدوم السيد المسيح "أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" (سورة آل عمران:39)، لافتا الى ان رحالة فرنسيا زار المنطقة عام 333 يقول "ان مكان تعميد السيد المسيح مرتبط بهذا المكان وقريب من تل الياس (تل الخرار) إلى الشرق من نهر الأردن.
أما الرحالة ثيودوسيوس الذي وفد للموقع عام 530 فيؤكد أن السيد المسيح تعمّد في الجانب الشرقي من نهر الأردن، وأن الإمبراطور البيزنطي "أنستازيوس" بنى في هذا المكان كنيسة يوحنا المعمدان، والتي كانت ترتكز على مجموعة من العقود والأقواس حتى لا تتأثر بفيضان نهر الأردن خلال فصل الشتاء.
ويذهب آركولف (670 ميلادية) إلى القول بأن السيد المسيح تعمّد في الجانب الشرقي، حيث بنيت كنيسة بالقرب من حافة النهر على أربعة عقود وأقواس ترتفع عاليا لتلافي مخاطر فيضان النهر وذلك تخليدا لذكرى تعميد السيد المسيح في وادي الخرار.
ويشير الرحالة ثيودوريك (1172) إلى هذه الكنيسة على أنـها قرب موقع تعميد السيد المسيح، وهو بذلك يشير إلى وادي الخرار، أما الرحالة الروسي دانيال (1106) فقد أشار إلى كنيسة صغيرة ذات مذبح تقع على إحدى الروابي في الجانب الشرقي من نهر الأردن على أنها المكان الذي عمد فيه يوحنا السيد المسيح.
ويقول الدكتور وهيب في حديثه لـ (بترا)، ان الاكتشافات الأثرية في موقع تعميد السيد المسيح جاءت لتؤكد أقوال الرحالة والمؤرخين، فها هي قواعد الكنيسة تظهر، حيث كانت مجموعة من العقود والأقواس ترتكز عليها ليتم بناء الكنيسة فوقها وذلك لتجنب فيضان النهر الذي يبعد عنها مسافة نصف كيلو متر تقريبا، بل كان الكثير من رجال الدين يتسابقون لإقامة كنائس في هذا الموقع تخليدا لذكرى تعميد السيد المسيح، مشيرا الى إقامة كنائس في نقطة قد تواجهها مخاطر (الفيضان والدمار) في أية لحظة استمر دون توقف، ذلك أن الحدث الذي تم هنا انفرد به بيت عنيا، وأن القداسة والطهارة التي يحظى بها هذا المكان هي التي جعلت الأباطرة والرهبان يتسابقون لإقامة الأبنية الدينية على هذا الموقع تبركا به وتقربا من الله.
وقد ورد اسم الراهب (روتوريوس) رئيس دير تل الخرار على أحد النقوش المكتشفة على التل، كما يقول الدكتور وهيب، وفي أسفل أطراف التل الشمالية الشرقية والغربية ما تزال هناك اشجار باسقة تستقي من نبع الخرار.
ويشير الدكتور وهيب الى ان عددا من الحجاج والرحالة المؤرخين سبقونا إلى وصف نبع وادي الخرار، منهم الرحالة أنتونيوس (560م) الذي أشار إلى وجود نبع مياه إلى الشرق من نهر الأردن، وبيزنزا الذي ذكر هذا النبع وأشار إلى أن يوحنا المعمدان كان يعمد قربه، كما ذكر اركلوف عام 670م مشاهدته لهذا النبع الذي كان متعارفا عليه لدى عامة الناس بأن يوحنا المعمدان كان يشرب منه.
أما الراهب أيباس (675م)، فقد أشار، بحسب وهيب، إلى نبع يوحنا المعمدان الذي يتدفق من كهف على مسافة اقل من ميل إلى الشرق من نهر الأردن، ولكن الرحالة الحاج الروسي دانيال "اكد عام 1107م أن هذا النبع ذا الماء العذب يمثل المنطقة التي عاش فيها يوحنا المعمدان، وانه يقع إلى الشرق من نهر الأردن على مسافة رميتي سهم على حد قوله"، اما الرحالة جون فوكاس فقد اطلق عام 1185م اسم نبع يوحنا المعمدان على هذا النبع الذي يقع خلف نهر الاردن، ويقصد بذلك الجانب الشرقي.
وعلى بعد مسافة كيلو مترين من الوادي المقدس "الخرار" يصل الحجاج إلى وادي غرابة، وهنا أقيمت أيضا برك ضخمة للمياه، ومبان للاستراحة والإقامة ثم يتابعون مسيرهم إلى الرامة حيث يوجد التل المشهور بآثاره وعمائره، كإحدى محطات طريق الحج، حيث تم التنقيب في بعضها واكتشاف أجزاء هامة منها.
ويؤكد وهيب ان الحجاج يتابعون طريقهم نحو مادبا وجبل نبو خاصة صاعدين السفوح الجبلية والمسالك الوعرة التي تفرضها جغرافية المنطقة على الحجاج وصولا إلى قمة جبل نبو، نهاية رحلة الحج، فيقفون هناك يتأملون تلك الوديان والجبال التي قطعوها في سبيل الوصول إلى هذا المكان الزاخر بالأحداث التاريخية.
ومن هناك تتجه أبصارهم نحو الجنوب من مأدبا لعلهم يشاهدون منطقة مكاور أو ما يسمى بالمشنقة، حيث قضى يوحنا المعمدان حياة قاسية في هذا المكان، ذلك النبي الذي وصفه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بأنه "الشهيد ابن الشهيد"، وسلّم عليه الله سبحانه وتعالى بقوله "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" (سورة مريم: 15).
(بترا)