المعابر "مصيدة الاحتلال المستمرة" لمساومة المرضى وابتزاز آلامهم مقابل "معلومات"

المدينة نيوز :- لم تنتهي فصول ملاحقة مرضى قطاع غزة على معابر الاحتلال من أجل ابتزازهم، بل انها تتطور وتتغير باستمرار وفقاً للحاجة، فالنشاط الاستخباراتي للاحتلال سياسة قديمة جديدة وخاصة على المعابر بسبب أهميتها كعامل أساسي وفخ للإسقاط في سبيل صيد المعلومات من خلال الاستجواب والتحقيق مع العابرين، لتجنيد عملاء لمصلحة المخابرات.
لكن الجديد في الأمر أنه وبعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة وفي ظل الحصار المفروض على غزة لأكثر من سبعة أعوام تطور النشاط الاستخباري على المعابر، وبالأخص معبر بيت حانون "إيرز"، فقد أصبحت عملية الاستجواب وجمع المعلومات ومحاولات التجنيد صفة لازمة في حياة المعبر، وضرورة أمنية بالنسبة للعدو، يتعرض لها كل مضطر أو صاحب حاجة إنسانية ملحة.
مكالمة الموت
هذا، فادي القطشان (28عاماً) غادر قطاع غزة ليجري عملية حرجة بقلبه في إحدى مستشفيات الاحتلال، تم خلالها وضع جهاز لضخ الدم، نجحت العملية وعاد فادي للقطاع على أن يعود للمراجعة الطبية، وحاول الحصول على تصريح لذلك، لكن دون فائدة، إلى أن شعر بألم قوي في قلبه وتوفي.
الناظر لموت فادي يعتقد أن قصته تبدو كغيرها من قصص المرضى الذين يموتون بفعل الحصار على المعابر، ولكن عندما تتبعنا حكايته تبين لنا أن ضابطاً يعمل في مخابرات الاحتلال كان قد اتصل على فادي بعدما رفض إعطائه تصريح المراجعة ليبتزه للعمل لصالحهم.
وعن حيثيات المكالمة التي جرت بين فادي وضابط المخابرات، يقول والد فادي (57 عاماً)، ونبرة الحزن تعلو محياة، إن الضابط قال لابني "نعرف أن هناك جهاز في قلبك قد ينفجر في أي لحظة لذلك لن نعطيك تصريح إلا اذا تعاونت معنا".
وتقطن عائلة الحاج على القطشان (اسم والد فادي) بمخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة.
وأضاف الحاج علي: "ابني أصيب بمرض خطير في شريان القلب اسمه (تاكاياسو Takayasu)، مبيناً أنه تم تحويله إلى عدة مستشفيات في القدس ومدن الضفة المحتلة حتى تم اجراء العملية له بمشفى يسمى (تل هاشومير)".
وتابع والد فادي من على كرسيه المتحرك، "أُجريت له عملية ناجحة وبقي في الضفة لمدة خمسة أشهر، ليعود إلى غزة بصحة أفضل وفي قلبه جهاز لضخ الدم، على أن يعود للمراجعة الطبية بعد شهرين، ولكن حال بينه وبينها رفض الاحتلال إعطاءه تصريحًا للدخول للسبب السابق".
وأثناء حديثنا مع الحاج علي دخلت شقيقة فادي الصغرى "حنين" فتقول: "ضابط المخابرات خير فادي بين التعاون معه وتقديم معلومات لإسرائيل عن المقاومة الفلسطينية مقابل تسهيل سفره وتقديم العلاج له، وبين الموت في غزة، فاختار فادي الخيار الثاني دون تردد.
رقمه على الشاشة
والغريب في الموضوع، كما تقول حنين ابنة الاثنان والعشرون ربيعاً، "ضابط المخابرات كان يعرف وضعنا الاقتصادي السيئ جيداً ويعرف حالة فادي الصحية ويتحدث العربية بشكل جيد جداً".
وتابعت بأن ضابط المخابرات أخبر شقيقها بأن رقمه يظهر على الشاشة ويستطيع الاتصال به في أي وقت، وإلا لن يحصل على التصريح، إلا أن فادي أغلق هاتفه على الفور، ومسح الرقم الضابط تماماً.
يموت أمامها ببطء
وبروح الامومة قالت زانة (والدة فادي) إنها كانت تشاهد ابنها يموت أمامها ببطء على أن يتعاون مع المخابرات الاسرائيلية، خاصة وأنه تقدم للحصول على تصريح دخول لإسرائيل ثلاث مرات أخرى لكن دون جدوى.
وتضيف زانة (55 عاماً) "عرفنا أن الضابط المخابرات نفذ تهديده، وأيقن ابني أنه لن يسافر أبداً ليراجع عمليته وكان من الصعب على أي مستشفى محلية أن تتابع حالته بسبب خطورتها".
وكانت عائلة الحاج على القطشان تأمل بأن يخرجها فادي من فقرها المدقع خاصة وأنه الوحيد بين أبنائها الذي أنهى تعليمه الجامعي، كما تقول والدته.
وهنا درفت دموع والدته وقالت وبحشرجة في صوتها "يوم وفاة فادي كان عائد من مدينة غزة في رحلة بحثه عن فرصة عمل، وشعر بوخز شديد في القلب وقال لنا يبدو أن الجهاز يضعف ومن ثم تقيأ وارجع رأسه قليلاً للخلف وتوفي لحظتها في 16/11/2013".
ولم تكن عائلة الحاج علي قطيشان، تعلم أن رحلة علاج ابنها الأكبر فادي، في المستشفيات الإسرائيلية، ستكون سبباً في فقدانه.
الطفلة خلود ووالدها
في حادثة مشابه، اضطر أطباء غزة إلى نقل طفلة صغيرة مع أمها إلى مستشفيات الاحتلال الإسرائيلي بعد سوء حالتها وعدم وجود الإمكانات لمعالجتها في القطاع المحاصر، وبالفعل سافرت الوالدة وطفلتها "خلود" إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية.
تلقّت خلود، كما قالت والدتها، علاجاً كيماوياً في عدة جلسات متتابعة، وقبل أن تتماثل للشفاء من السرطان الذي أصابها، طلب ضابط من الاستخبارات الإسرائيلية في معبر بيت حانون/إيرز، حضور والدها للمقابلة.
تخوف والدا خلود من الأمر، فالأب له نشاط سياسي، ويعرف أنه إذا وصل إلى المعبر فسيعتقل ويُقتاد إلى السجن، وأصر الوالد على عدم الذهاب إلى المقابلة، وأصرت الاستخبارات الإسرائيلية على حرمان الطفلة من استكمال علاجها.
ولكن خلود تمتلك حظاً أفضل من فادي حيث تمكن والدها من استخراج تحويلة طبية إلى جمهورية مصر العربية، التي استقبلت الحالة الحرجة لخلود، حتى تغلبت على مرضها.
السجن بدل المشفى
وهناك مرضى نقلتهم المخابرات من معبر "ايرز" إلى السجن مباشرة، كما حدث مع حالة المريض إياد دواس (42عاماً).
ويقول شقيقه أشرف (36عاماً) "أصيب شقيقي بسرطان في عظم قدمه، وخرج من غزة ليتلقى العلاج في مستشفى "المقاصد" بالقدس بتاريخ 24/11/2011، ودخل عند المخابرات الاسرائيلية التحقيق معه في معبر ايرز، ومنذ تلك اللحظة وهو خلف القضبان في سجن ريمون العسكري".
ولفت إلى أنهم يتحدثون مع إياد كل شهر تقريباً، وقد أخبرهم أن الاحتلال لم يعرضه على أي طبيب، وأنه صحته تسوء يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أن شقيقه الأسير لديه تسعة أبناء وقد استطاع محاميه تخفيض حكمه من 15 عاماً إلى ثلاث سنين ونصف.
وعن هذا، قالت المتحدثة باسم جمعية أطباء لحقوق الإنسان الإسرائيلية "مكسيت بندل"، إن "جهاز الشباك" الإسرائيلي زاد من عمليات استجواب المرضى على الحواجز وخاصة على حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة.
وأضافت "بندل"، أن محققي الشباك رفضوا السماح لطفل فلسطيني يبلغ من العمر 15 عاماً بالسفر للعلاج في إسرائيل لإجراء عملية جراحية مستعجلة في بطنه، بعد أن رفض الأخير الإدلاء بمعلومات تتعلق بعدد من أقاربه وجيرانه أثناء استجوابه من قبل المحققين في حاجز بيت حانون شمال غزة.
انتهاكات مستمرة
من ناحيته، قال وزير الصحة الفلسطيني د. جواد عواد إن المرضى الفلسطينيين يتعرضون لانتهاكات على كافة المعابر، موضحاً أن إجراءات قوات الاحتلال وممارساتها على المعابر تعرقل وتمنع وصول الحالات المرضية الحرجة إلى المستشفيات الإسرائيلية.
وأشار إلى أن الاحتلال يخضع المرضى الفلسطينيين للاستجواب في المعابر ويؤخر وصولهم إلى المستشفيات ويمنع عدداً منهم من السفر لتلقي العلاج رغم حصولهم على تصريحات خاصة من الجانب الإسرائيلي تسمح لهم بالمرور للعلاج في إسرائيل.
كما نبه د.عواد من خطورة استجواب وإعاقة المرضى على المعابر الحدودية، مشيراً إلى أن وزارته تضطر في كثير من الأحيان إلى نقل بعض الحالات المرضية المعقدة ومرضى السرطان التي لا تتوفر الإمكانيات العلاجية لها في المستشفيات الفلسطينية إلى إسرائيل.
ونوه وزير الصحة إلى أن أسلوب استجواب المرضي ليس أسلوباً جديداً، بل هو أسلوب قديم استخدمه الاحتلال طوال السنوات الفائتة.
وبحسب مركز المعلومات التابع لوزارة الصحة الفلسطينية، استشهد خلال السنوات الماضية أكثر من 129 من المرضى الفلسطينيين نتيجة إعاقة الاحتلال وصولهم إلى المستشفيات الإسرائيلية أو الفلسطينية لدى مرورهم عبر الحواجز والمعابر الإسرائيلية.
جريمة حرب
من جانبه، أكد مدير وحدة البحث الميداني بمركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة سمير زقوت، أن عمليات الابتزاز للمرضى ومن له حاجة إنسانية على معبر "ايرز"، تعدّ انتهاكاً جسيماً ومخالفة واضحة لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة التي ألزمت دولة الاحتلال بتقديم خدمات الرعاية الصحية لسكان الأراضي المحتلة كما تقدمها لمواطنيها.
وأوضح زقوت أن الأصل ألا تقوم دولة الاحتلال بمنع الفلسطينيين من السفر، ويجب عليها تطوير القطاع الصحي في قطاع غزة، لكنها هي ترتكب انتهاكاً واضحاً، وعندما ترتكب هذا الانتهاك عن سبق إصرار، فإن ذلك يعد جريمة حرب، كونها تكرر ارتكاب الانتهاكات الجسيمة للاتفاقية.
ولفت زقوت إلى أن الكثير من الذين يتعرضون للابتزاز لا يصرحون بما حصل معهم من قبل الجانب الإسرائيلي، خوفاً من أن تمنعهم سلطات الاحتلال من العلاج مرة أخرى، أو خشية الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تستدعي كل من يخضع لمقابلة أمنية على معبر"ايرز".
وأوضح المسؤول الحقوقي الفلسطيني، أن إسرائيل تشعر بأنها دولة فوق القانون وفوق المحاسبة والمساءلة، وتشعر بأنها دولة محصّنة من الملاحقة على انتهاك حقوق الإنسان، وكل ما قامت به إسرائيل من انتهاكات في الحروب وفي عمليات الاستيطان وغيرها، تشكل جرائم حرب، ولم نشهد أي إجراء دولي من شأنه ملاحقة إسرائيل على هذه الجرائم.
ابتزاز ومقاومة
واستنكر المحامي في وحدة المساعدات القانونية بمركز الميزان لحقوق الإنسان رامي شقورة تواصل سياسة ابتزاز المرضى على معابر الاحتلال خاصة معبر "بيت حانون"، حين يعتقل الاحتلال المرضى وذويهم ويحاول مساومتهم وابتزازهم.
ويضيف "يضطر مرضى غزة نظراً لقلة الإمكانات أن يسافروا للضفة أو "إسرائيل" مستخدمين معبر بيت حانون، فهو الطريق الوحيد وهناك يحاول الاحتلال ابتزازهم والمساومة على حياتهم فيخيرهم بين التخابر معه والموافقة على تصريح العلاج ويطلب معلومات عن رجال المقاومة".
ويستهدف الاحتلال على معبر "بيت حانون" بعض نشطاء المقاومة أو من يشك بمشاركتهم في أعمال سياسية ووطنية، فيمنحهم تصريح دخول وعندما يصلوه يحاول ابتزازهم بعد اتهامهم بالمشاركة في أعمال مقاومة.
ويتواصل مركز الميزان لحقوق الإنسان مع مؤسسات إنسانية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لتسهيل مرور المرضى وذويهم للداخل المحتل ومحاولة إنقاذ المعتقلين من الاحتلال.
ظاهرة آخذة بالزيادة
من ناحيته، يعلّق عميد أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية كمال تربان، بأن ظاهرة اعتقال وابتزاز المرضى على المعابر الاحتلال آخذة في الزيادة في الأسابيع القليلة الماضية، يستغل فيها الاحتلال حاجة المريض لاجتياز المعبر فيساومه ويبتزه.
ويضيف "ما يقع مع المرضى يأتي في جو يكون فيه كل أهل المريض يعيشون حالة ضغط نفسي, وهنا تبدأ مخابرات الاحتلال في تحديد وحصر كل الدوائر المتضررة ويمارسون ضغطاً على أحد الأهداف من أقارب الدرجة الأولى أو المريض نفسه".
ويشير إلى أن "الاحتلال يساوم المريض على الارتباط، وإذا رفض يحوله للتحقيق ويلفق له تهمة ويحاكمه وأحيانا إذا قبل المريض يحوله لمحكمة ويدخله السجن ليخفي القضية ويبدأ بالعمل معه فيسقط ضحية".
بدوره، أكد الناطق بلسان وزارة الداخلية في حكومة التوافق الفلسطينية، إياد البزم، أن معبر بيت حانون "بوابة لإذلال" المواطن الفلسطيني الذي يُجبر على المرور به للعلاج، خصوصاً في ظل عدم وجود بدائل.
وبيّن البزم، أن وزارة الداخلية في غزة تقوم بعملية متابعة للمواطنين قبل التوجه لمعبر "ايرز"، وتقدم لهم النصح، لتفادي الوقوع في مصيدة الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أنهم يأخذون إفادات من المرضى الذين يشكون تعرضهم للابتزاز.
(المصدر: جي بي سي نيوز – غزة)