طارق الهاشمي : حل أزمة الإرهاب بإنصاف العرب السنة

المدينة نيوز - اعتبر الدكتور طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق، أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة في البلاد برئاسة حيدر العبادي، بمثابة “سلق بيضة”، في إشارة إلى السرعة التي تشكلت فيها.
جاء ذلك في حوار أجراه الهاشمي مع مراسل الأناضول في إسطنبول الأربعاء، أكّد خلاله وجود “ملاحظات كبيرة على البيان الحكومي الذي قدّم، ولا يتضمن أي ضمانات دولية، تلزم العبادي بما جاء فيه”.
من جانب آخر؛ شدد الهاشمي على أن “هناك فرصة لحل أزمة الإرهاب والتشدد في البلاد من دون عمل عسكري دولي، من خلال إقامة العدل في بغداد، وإنصاف العرب السنة، وإذا لم ينصفوا فإن كل العرب السنة سوف يتحولون إلى داعش”، على حد تعبيره.
وأضاف أيضا أن “الظلم الذي وقع على العرب السنة والتركمان، لم يدع لهم مجالا سوى أن يخرجوا من الوسطية والاعتدال والتسامح، وينتقلوا إلى التشدد، ويرحبوا بتنظيم الدولة الإسلامية من الرقة بسوريا”، وإليكم نص الحوار:
لنتحدث بداية عن التشكيلة الحكومية الجديدة في العراق، وخاصة أن هناك إشارات استفهام كبيرة عليها؟
حقيقة الأمر يتوقف على الزاوية التي ينظر إليها من تشكيل الحكومة، إذا كان المطلوب منها فتح صفحة جديدة، ويجد العراق بذلك حقبة جديدة، بعد 8 سنوات من التخلف والظلم والفساد، وعلى ضوء طريقة تشكيل الحكومة والبيان الحكومي الذي صدر، لا أعتقد أن الحكومة مرشحة للتغير، ولكن مجرد تغيير ورفض ولاية ثالثة لنوري المالكي، وإحلال بديل عنه، يعتبر تطورا جيدا لا بد أن نثني عليه، لأنه يعني عودة العراق أو تخلصه من حقبة استبداية عمرها 8 سنوات إلى الديمقراطية، ولذلك هذا التبادل السلمي يمارس بعد قرارات استبدادية من المالكي، وهذا الجانب جيد، وهذه الخطوة جيدة في الاتجاه الصحيح نحو البناء وعودة العراق إلى السكة الديمقراطية.
ولكن هذه الخطوة لا تكفي، كان من الضروري أن تقدّم الحكومة الجديدة من المؤشرات والبراهين ما يدلّ أنها فعلاً حكومة التغيير المنتظر في العراق، وحتى هذه اللحظة لا توجد مؤشرات بأن الحكومة عازمة على التغيير الفعلي في واقع العراق.
هل لمستم وجود توزيع عادل بين الأطراف من السنة والشيعة والأكراد في هذه الحكومة؟
لا، هذا كان من المواضيع الخلافية، وهو إنصاف العرب السنة، وإنصاف التركمان أيضا، وإنصاف باقي الأقليات، فالحكومة شُكلت على عجل، صحيح أنها أُعلنت، ولكن في اللحظات الأخيرة من انتهاء الفترة الدستورية، وأنا أصف طريقة تشكيل الحكومة بهذه العجالة، بمثابة سلق بيضة، بشكل يرضي المجتمع الدولي، وبشكل خاص الولايات المتحدة، التي همها الرئيس هو إنضاج تحالف دولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، هذا مفهوم، ولكن هناك انتقادان موجهان للحكومة: الأول شكلي؛ حيث لم يكن هناك توزيع عادل في المقاعد، بل هناك توسّعٌ في مناصب سياسية لا حاجة لها، فالكل يقول بأن منصب نائب رئيس الجمهورية منصب سياسي، ولكن الآن أصبح لنا بدل نائب واحد 3 نواب، فهذه النفقات الإضافية في الميزانية، تضع أعباء جديدة، وتؤثر على الفقر في العراق، فلدينا نحو 30 % من الشعب العراقي تحت خط الفقر، وبالتالي هذا التوسع لم يكن في صالح الأمل في تغير واقع الحال.
الجانب الثاني المهم هو احتفاظ رئيس الوزراء بمنصبين سياديَين حساسين في هذه المرحلة الحرجة، وهما منصب وزير الدفاع والداخلية، وكأنما حيدر العبادي يريد ان يستنسخ النهج الدكتاتوري الاستبدادي الذي كان عليه نوري المالكي منذ 8 سنوات، وهذا لوحده مؤشر خطير، ناهيك عن الحصص التي أعطيت للعرب السنة، فلم تكن بالمستوى الذي طالبوه، المتمثّل بحصة تبلغ 40 %، كما أن التركمان لم يمنحوا الفرصة لترشيح ممثل عنهم في هذه الوزارة، وربما لا ننظر لهذا الموضوع كما ننظر إلى مشكلة البيان الحكومي، وهنا تسكب العبرات على هذا البرنامج.
ماهي ملاحظاتكم على البرنامج الحكومي؟
كل الآمال كان معقودة خلال الأسابيع الماضية، وكل الكتل تتفاوض، وأنا أتلكم عن كتلة تحالف القوى العراقية، التي تمثل العرب السنة والتركمان وبعض الكيانات الوطنية، والمحادثات كانت تجري، وكانت هناك مطالب وحقوق إذا لم يستجب لها العبادي، فلن نذهب للمشاركة، وهذه كانت الرسالة، وانا قدمت كامل دعمي في الانتخابات وأثناء التفاوض، حول تشكيل الحكومة الجديدة، على أمل أن يوفّي النواب الفائزون في الانتخابات بما تعهدوا به لجمهورهم، ولكن الذي حصل أن البرنامج الحكومي صدر، ولم يصدر البرنامج السياسي، وحتى هذه اللحظة لا نعلم ما تمّ الاتفاق عليه، وبعد ذلك أين هي الضمانات؟، حتى لو وقعت على البيان الحكومي والبيان السياسي، فتجربتنا في عامي 2006 و2010 في البال، فإن لم تكن هناك ضمانات دولية، أو شاهد دولي، فلا أمل في استجابة الطرف المقابل المكلف بتشكيل الحكومة لتنفيذ تعهداته.
عام 2010 كانت اتفاقية أربيل أمام العالم أجمع، ماذا حدث بعد ذلك، في اليوم التالي تنصل نوري المالكي من كل تعهداته، ولم يعترف بهذه الاتفاقية وما انطوت عليه من التزامات، فعشنا 4 سنوات من القلق والتهميش والإقصاء، اليوم أنا حزين جدا وغير متفائل، لأن رئيس الوزراء، لم يتقيد بالتزامات واضحة قاطعة، ولم يشهد أي طرف دولي على الاتفاق، ليضمن تنفيذه، وكان الكلام أن البرنامج السياسي والبيان الحكومي، يقدمان للأمم المتحدة، ويوثق كوثيقة رسمية من وثائقها، وهذا لم يحصل، وضاعت كل الآمال، بأن الحقبة القادمة ستكون حقبة تغيير، ناهيك عن أن البيان الحكومي لم يتضمن حلولا واضحة وحاسمة للتحديات الخمسة التي يواجهها العراق، وهي؛ هناك ثورة العرب السنة في 6 محافظات، وهناك تدخل ونفوذ غير مسبوق جرح السياسة العراقية من قبل إيران، وهناك اليوم عدم استقلالية للقضاء، وخروق هائلة في ملف حقوق الإنسان، ولدينا اليوم فساد مالي وفشل إداري لم يسبق له مثيل، ولدينا اليوم ظاهرة العنف والإرهاب لا نعلم كيف سيواجهها رئيس الوزراء، اليوم لدينا انشقاق في المجتمع العراقي، وانقسام حاد بين الشيعة والسنة والكرد، ما هي الوصفة التي قدمها العبادي لإعادة ترميم النسيج العراقي، لا شيء، وبالتالي البيان الحكومي قاصر عن تلبية متطلبات المرحلة القادمة.
ماذا عن نوري المالكي، رأى بعض المتابعين أنّ إيران تخلّت عنه بداية، وتفاجأنا بأنه منح منصب نائب رئيس الجمهورية، ما تقييمكم لذلك؟ هل لإعادة التوازنات عند الشيعة؟ أو بسبب التدخل في سوريا؟
قلت من قبل أن نوري المالكي مصرّ على عدم ترك السلطة، إلا بناء على صفقة، واليوم بدأت ملامح هذه الصفقة تتضح، وأحد ملامحها أن يكرم نوري المالكي على جرائمه وإرهابه وفساده وسوء إدارته، وعلى تفريطه بسيادة العراق، ويكرم بمنصب نائب رئيس الجمهورية العراقية، وهذا مؤشر خطر ومحبط للغاية، ولكن مع ذلك، لن يسكت المهمّشون والمضطهدون والمظلومون في الدفاع عن هذه الأرض، وسوف نذهب إلى كل أرجاء الدنيا، نكشف سوءات وجرائم هذا الرجل، وسوف لن نسمح له بتمثيل العراق كنائبٍ لرئيس جمهوريته.
هل تخشى إيران أن يفقد المالكي حصانته ويلاحق فيما بعد؟
بالتأكيد هذه واحدة من الأسباب، وانا قلت هناك صفقة، وهذا الرجل يعرف عندما يخرج من السلطة بأي شكل من الأشكال سوف يفقد هذه الحصانة، التي تمتع بها خلال الحقبة السابقة، وانا لدي خبرة وتجارب واتصالات مع كثير من المحاكم الأوروبية، التي كانت تأخذ قرارات باستدعاء نوري المالكي، ومقاضاته بناء على جرائم ارتكبها، وأذكر منها جريمة مداهمة معسكر أشرف لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، والقتل والجرح والضحايا الذين سقطوا، إضافة إلى الجريمة التي ارتكبها نوري المالكي في الحويجة في 20 نيسان/أبريل عام 2013، والقصف والتدمير بالبراميل، على مدارسنا والعوائل الآمنة والمستشفيات والجسور، هناك دعاوى لا حصر لها أمام المحاكم الدولية، المشكلة في الحصانة التي يوفرها المنصب في الدولة، ولتوفير هذه الحصانة مُنح هذا المنصب، لكن أنا على يقين أن نوري المالكي سوف يقضي بقية حياته في السجن، طال الزمان أو قصر.
تركيا باركت الحكومة الجديدة، وحذرتها من مغبة ارتكاب أخطاء نوري المالكي؟ فهل ستفهم الحكومة الجديدة محاذير تركيا، وتتجنب ارتكاب أخطاء جديدة؟
هناك ضياء باهت في نهاية النفق، والكرة في ملعب رئيس الوزراء الجديد، إنه أمام طريقين، إما ان ينجح أو يفشل، وإذا استنسخ هذا الرجل تجربة وممارسات وسياسيات سلفه نوري المالكي، يكون قد حكم على نفسه بالفشل، واذا كان قد استوعب أخطاء سلفه في إدارة الدولة، وممارسة صلاحياته، وتحسين علاقاته مع دول الجوار وخاصة تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، يكون قد خرج من عباءة نوري المالكي، إلى فضاء العراق والمشروع الوطني الجامع، رسالة تركيا واضحة، وأملي أن ينظر إلى هذه الإشارات بعناية، وأن يعمل على الأخذ بها، لأنه تصب في صالح النجاح، وإن تجاهلَها كما فعل المالكي، فهذا يدل على أنه حكم على نفسه مسبقا بالفشل.
ننتقل الآن إلى محور قتال تنظيم الدولة الإسلامية، الولايات المتحدة من ضمن استراتيجيتها لقتال التنظيم تشكيل حكومة عراقية، ومن ثم العمل على تحالف دولي للقضاء عليه، هل من الممكن لهذه الحكومة بما ذكرتم من سلبيات، أن تكون قادرة على مواجهة هذا التحدي؟
أولا أنا انتقد المقاربة الدولية بقيادة أمريكا للتصدي للعنف في العراق، اعتقد أنه لا حاجة لتحالف دولي، هذا التنظيم نما في محضن العرب السني، وانتشر في محافظات عربية سنية، ابتداء من نينوى والفلوجة وصلاح الدين، وبعض مناطق ديالى، كل المطلوب هو ليس تجييش دول العالم، والقيام بهجمات جوية، واستنفار الدول القريبة المجاورة للعراق، واستخدام القوة العسكرية العراقية للقيام بهجمات لا أعلم طبيعتها ومداها، لكنها مؤشر واضح على توجه امريكا والاتحاد الاوربي لاستخدام القوة، انا اقول ان هذه التنظيمات وهذا الخطر لا يمكن مواجهته باستخدام القوة فحسب، هذا الخطر ذو بعد ايديولوجي وفكري وديني واجتماعي وسياسي، لم تتنامَ وتظهر على السطح تنظيمات داعش او الدولة الإسلامية، إلا بعد أن استهدف الصفويون في بغداد العربَ السنة، وقلبوا لهم ظهر المجن، بعد تجربتهم في عام 2008، عندما اكتسحوا تنظيمات القاعدة من مناطقهم، وطبّعوا الأوضاع في هذه المحافظات، وانتهى خطر التطرف والتشدد والإرهاب، فلماذا نمت القاعدة بشكل داعش وتنظيمات إسلامية، وظهرت على السطح على أنها قوة مؤثرة مرة ثانية، السبب هو استهداف هذا المحضن الذي عاش على الوسطية وعلى الاعتدال.
نحن بحاجة إلى مقاربة جديدة غير استخدام القوة العسكرية، التي صحيح أنه يقال ستستهدف تنظيمات الدولة، ولكن أسال هل يمكن لعاقل مهما بلغ تطور الرقابة الجوية والطائرات، أن يفرّق بين سيارة تعود لداعش، أو تعود لمواطن عادي، هذا أمر صعب، وبشكل خاص أن مراكز دراسات أمريكية، أكدت على أن 45% من هجمات الطائرات بدون طيار على أفغانستان وباكستان واليمن، استهدفت مدنيين لا علاقة لهم بالإرهاب والعنف، سوف تتكرر نفس المأساة في العراق، انا لست بحاجة إلى مزيد من الدمار والقتل في بلدي، أريد السلام وانتظر اللحظة التي يعيش فيها العراقي بسلام، هذه الطريقة بالتجييش العالمي والتعويل على القوة العسكرية، تعني مزيدا من التدمير في بلدي، وهناك فرصة لحل هذه الإشكالية بإقامة العدل في بغداد اليوم، وإنصاف العرب السنة هو حجر الزاوية، وإذا لم ينصفوا فإن كل العرب السنة سوف يتحولون إلى داعش، هذا الذي حصل في الماضي، فالظلم الذي وقع على العرب السنة والتركمان، لم يدع لهم مجالا سوى أن يخرجوا من الوسطية والاعتدال والتسامح، وينتقلوا إلى التشدد، ويرحبوا بتنظيم الدولة الإسلامية من الرقة بسوريا، فعبر الحدود إلى الموصل، بينما هو نفس المكون الذي قاتل هذه الجماعات في 2008، إذا لا يمكن أن نعالج الظاهرة فلنعمل على اجتثاث السبب، ومبرر نمو وقوة هذه التنظيمات هو اضعاف واستهداف العرب السنة، وانصافهم سوف يلغي هذه الظاهرة في العراق.
الولايات المتحدة متجهة إلى الخيار العسكري، وهناك مؤتمر دولي يعقد قريبا يضم تركيا ودول الخليج العربي ودول أخرى بتحالف يضمّ نحو 40 دولة، فأي شرق أوسط جديد بانتظار المنطقة؟
اعتقد أن الأيام القادمة ستكون سوداء في العراق، وأنا قلق على مستقبل بلادي، وسوف أوجه رسالة إلى كل الدول التي تجتمع في السعودية الخميس، وأحذرهم من الحل العسكري، وأطالبهم باستراتيجية عقلانية لحل هذه المشكلة، فالهجوم على التنظيمات ربما تخفيها من الساحة، لكنها ستتوزع على شكل خلايا نائمة في مختلف مناطق العراق وسوريا وغيرها، وسوف تبرز على السطح في الوقت الحرج، وستعاد الكرة مرة ثانية، وسوف ندخل بصراع جديد وبتحشيد جديد، هذا الحل العسكري هو حل قاصر، وتجربتنا معه على مدى سنوات تؤكد أنه قضية شائكة معقدة، كحالة العراق اليوم، التي لا تطلب حلا عسكريا، وإنما رزمة من الإجراءات، في صلب هذه الرزمة معالجة وضع العرب السنة، وتوفير الحياة الكريمة لهم أسوة بالكرد والشيعة.
ما رأيكم بتنظيم الدولة في سوريا؟ هل يحتاج هناك إلى حل مشابه للحل في العراق؟ أو ربما تكون الظروف مختلفة؟
هذه هي المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي، يعني هو نفس التنظيم، ،ولكن الموجود على الأرض العراقية توجه له ضربات جوية، ونفس التنظيم عبر الحدود يتعامل معه بسلام، ربما تخشى الإدارة الأمريكية من إضعاف هذه التنظيمات، واذا استهدفت ربما يقوى نظام بشار الأسد، لكن ماذا عن التنظيمات المسلحة الأخرى التي قاتلها تنظيم الدولة الإسلامية، هناك تنظيمات وسطية معتدلة غير متعصبة، وغير متشددة، استهدفها نظام الأسد، واستهدفها هذا التنظيم، هذا التنظيم في سوريا تجربة بائسة للغاية، استهدف التنظيمات المقاتلة لنظام الأسد، ولم يستهدف قوات النظام، فهناك إشارات استفهام كبيرة عليه حول حقيقة توجهاته، ونحن قلقون من وجود هذا التنظيم على الأرض العراقية، حيث هناك شبهات كبيرة يجري الحديث حولها في الوقت الحاضر، إذن المعايير المزدوجة في الوقت الحاضر، جزء من المعضلة في الرؤية، أو في الحل المطلوب لمعالجة هذه الظاهرة، وهذا الخلاف بيننا وبين الغرب في هذا الموضوع.
نعود إلى شخصية العبادي، الذي يقول مراقبون أن إيران كان لها دور في ترشيحه، وعليه التوافق مع الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، فهل ستتوقع نجاحه في الأمر، وبشكل خاص ما يعرف بأن الدولتين عدوتان، كيف سيوفّق بين الطرفين؟
لا أتفق مع هذا الطرح، إيران لم تبارك ترشيح العبادي لهذا المنصب، بل على العكس وقفت ضده، حتى اللحظة الأخيرة كانت تدعم المالكي لولاية ثالثة، لكن أمريكا رحبت بالعبادي،كونه يحمل الدكتواره في الهندسة، وعاش في الغرب ومارس الديمقراطية، حتى أنه يحمل الجنسية البريطانية، وبالتالي هذا لا يريح دولة ولاية الفقيه، فهي تريد شخصية منغلقة يكون ولاؤها لها مئة بالمئة، وبالتالي إيران غير مرتاحة لهذا الترشيح، ربما تعمل جاهدة من أجل إفشاله، وأنا أعلم أن نوري المالكي وإيران، ينتظرون اللحظة المناسبة لإسقاطه، وترشيح شخصية أخرى ولاؤها مطلق إلى قم وطهران.
عندما كنتم على رأس عملكم في العراق كانت هناك بعض المشاكل، ولكن حاليا هناك مشاكل أخرى، ماهي آفاق هذه المشاكل؟
المشاكل أسبابها مركبة، منها ما هو تدخل فاضح من إيران، وهناك مؤشرات كثيرة أنها تقف وراء عدم الاستقرار، أضف إلى ذلك السياسات الكارثية لنوري المالكي، والأخطاء التي وقعت بها الولايات المتحدة، خلال حقبة احتلال العراق، فضلا عن الغفلة وعدم الاكتراث من جانب العرب لقضية العراق، الآن العراق يعاني من الجانب السياسي والأمني والاقتصادي والحقوقي والاجتماعي، وضع العراق مأساوي، هو باختصار على حافة الانقسام، أو التقسيم، والحرب الأهلية، اليوم عندما تصدر فتاوى من النجف، بتحشيد شباب الشيعة من أجل قتال إخوانهم السنة، فهذه حرب أهلية، وبالتالي هذا النسيج الذي بقي متماسكا على مدى قرون من الزمن، اليوم تمزق بسبب السياسات الطائفية الإقصائية، التي أخذت منحى التطهير المذهبي، وتهجير الناس، خصوصا في ديالى، وفي حزام بغداد وغيرها، حقيقة نحن في وضع كارثي، وعلى هذا الأساس كانت كل الآمال معقودة، أن هذا الوضع الكارثي لا يخدم أحدا، الكل متضرر من هذا الوضع، وإن بدرجات متفاوتة، والكل كان ينتظر أن تكون الحكومة الجديدة، هي حكومة إنقاذ وتغيير، لكن كما ذكرت لا تشكيلة الحكومة، ولا بيانها، يتناسب مع عظم التحدي الذي يواجهنا، هذا هو التشخيص الأخير للحكومة، يبقى هامش بسيط للتفاؤل، وهو يكبر عندما يأخذ العبادي بزمام المبادرة، ويعمل على إصلاح ما خربه المالكي، وينطلق من إنصاف العرب السنة، وايقاف العدوان العسكري على مناطقهم وعلى محافظاتهم، ويدعو عاجلا إلى مؤتمر وطني لبحث القضية العراقية، والتحديات والمشاكل، بهدف الخروج بوصفة يمكن أن يسميها مشروعا وطنيا جامعا لكل العراقيين.
في كلمة أخيرة ماذا تقول للشعب العراقي والسياسيين العراقيين؟
الشعب العراقي مظلوم، وأنا حزين أن أجد أبناء شعبي بين مقتول، وبين مهجر ومهدد، وبين عاطل عن العمل، وبين فقير بائس، ولدينا كل هذه الثروات، والتاريخ العريض من التقدم والنجاحات والمبشرات، أنا حزين، ومع ذلك؛ الله حرّم اليأس والقنوط، يبقى هامش من التفاؤل في المستقبل، رغم كل ملاحظاتي على حكومة العبادي، أتمنى له التوفيق وأن يكون رجل التغيير لإخراج العراق من أزماته الحالية، إلى فضاء الاستقرار والرفاهية والوحدة الوطنية، وأن يعود العراق يلعب دوره في المحيط العربي والدولي، المهمة ليست سهلة، ولكن بحاجة إلى تظافر الجهود، لكن من هو في مقعد القيادة، هو رئيس الوزراء الذي يتحمل كامل المسؤولية، وآمل أن تكون له الرغبة والنية الصادقة والإرادة الحديدية، وألا يخضع للابتزاز او الضغط، سواء كان داخليا أو خارجيا، وأن يعمل جاهدا وبسرعة، لإحداث نقلة نوعية في وضع العراق العام، لما يستحقه شعبه.