التعدي والتجاوز على حقوق العمال يؤثر على الاقتصاد الوطني

المدينة نيوز:- يؤثر التعدي والتجاوز على حقوق العمال سلبا على الاقتصاد الوطني وفق ما أكده اختصاصيون , مشيرين الى ان أغلب التجاوزات التي تتم بحق العاملين في بعض شركات القطاع الخاص تكون في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة .
ويبينون لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) ان هذه التجاوزات تتمحور حول العمل لساعات إضافية دون مقابل إضافة الى عدم شمول البعض منهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ، والفصل التعسفي ، وتفاوت الاجور بين الذكور والاناث .
يقول أحمد الذي يعمل فني كمبيوتر في احدى شركات القطاع الخاص ، انه يتقاضى راتبا يقدر ب 300 دينار، ومعدل ساعات دوامه اليومي يتراوح بين 13 و 17 ساعة , في حين لا يتجاوز معدل عدد ساعات الدوام المنصوص عليها في قانون العمل الأردني الثماني ساعات بما فيها ساعة الاستراحة , مؤكدا أنه لا يتقاضى مبلغا ماليا اضافيا "بشكل منصف" مقابل بدل ساعات دوامه الاضافي ، عدا عن ان هذه الساعات يتم اجباره على العمل فيها، ما يولد ضغطا واجهادا نفسيا وشعورا بالظلم لديه .
ويضيف ان المشكلات التي يعاني منها لا تتوقف عند ذلك , اذ تتاخر الشركة في تسليمه الراتب لمدة تصل الى ثلاثة الشهر ، كما أن استحقاقه للاجازة لا يأخذه بناء على ظروفه الخاصة أو درجة أهمية حاجته اليها، انما وفقا لمزاج مديره في تحديد وقتها ومدتها.
اما ثائر الذي يعمل فني كهرباء في احدى الشركات الخاصة ومعدل دخله الشهري 500 دينار، فيقول ان معدل عدد ساعات دوامه يتراوح بين 10 و13 ساعة يوميا، وأن عمله لساعات اضافية يخضع لمبلغ "محدد" شهريا بصرف النظر عن عدد الساعات مشيرا الى انه سبق وأن عمل في شركة خاصة لمدة تتجاوز العام ، وفي تلك المدة كان يدفع بدل اشتراكه لمؤسسة الضمان الاجتماعي , وعند انتقاله لعمل آخر راجع المؤسسة التي افادته بانه لا يوجد لديه اسم ورقم فيها .
ويشير عادل الذي يعمل في مجال صيانة الاجهزة الكهربائية المحوسبة في احدى الشركات الخاصة , أن الشركة تتأخر في تسليمه استحقاقاته المالية بدل العمل الاضافي لما بعد ستة أشهر، وهو ما يدفع ادارتها الى مساومته على قيمة أقل من القيمة الفعلية .
وتروي ام محمد معاناتها عندما كانت تعمل معلمة في احدى المدارس الخاصة ، حيث كانت تتقاضى راتبا شهريا لا يتجاوز ال70 دينارا، وكانت توقع على راتب أعلى مما تتقاضاه فعليا، نظرا لظروفها المادية الصعبة , وفقا لقولها , حيث تقدمت هي وزميلاتها في المدرسة بشكوى لدى مديرية عمل محافظة اربد لكن دون جدوى .
وتشير الى أنه تم فصلها تعسفيا من العمل بعد ثماني سنوات مع 35 معلمة من زميلاتها ، ما دفعهن الى التظلم أمام القضاء في العام 2013 لإنصافهن، وما زالت القضية قائمة لغاية هذه اللحظة، وفي هذا الصدد قالت مديرة المدرسة ان القضية الآن ماثلة أمام القضاء وهو الفيصل بها ، وامتنعت عن ابداء عن أي ملاحظات أو معلومات أخرى.
وتوضح وزارة العمل من خلال احصائية للانتهاكات الواقعة على العاملين في القطاع الخاص لعام 2014 انه تم تحرير 254 مخالفة فيما يتعلق بالاجور (حد ادنى - تأخير اجور) , و38 مخالفة اخلال بالعقود ، والاجبار على العمل الاضافي 26 مخالفة، وخصومات غير قانونية/ انتهاكات الاجازات السنوية والمرضية21 مخالفة والسلامة والصحة المهنية 20 مخالفة.
يقول وزير العمل وزير السياحة والآثار الدكتور نضال القطامين ان الوزارة تعمل حاليا من خلال مديرية التفتيش على إدخال أسماء المؤسسات التي تتكرر مخالفاتها ، على نظام التفتيش الإلكتروني - ولاسيما التي تشغل عمالة وافدة غير مرخصة - بحيث يجري لاحقا تشديد الاجراءات العقابية بحقها، كمنعها من الحصول على أي عمالة وافدة، إضافة إلى إجراءات أخرى ( لم يسمها ) .
وزاد ان الوزارة تدرس حاليا اتخاذ المزيد من الخطوات والقرارات الهادفة إلى ضبط السوق ، بالتزامن مع تكثيف حملاتها التفتيشية ليلا، في ضوء ملاحظات وردت من مواطنين تشير إلى ظهور محال ومنشآت تجارية تتقصد تشغيل عمالة وافدة غير مرخصة في ساعات الليل، ظنا منها أن يد القانون لن تطالها في هذا الوقت المتأخر .
وفيما يتعلق بمخالفة عدم التزام أرباب العمل بالحد الأدنى للأجور، قال القطامين " لوحظ مؤخرا انخفاض عدد المؤسسات التي تدفع لموظفيها رواتب دون الحد الأدنى للأجور، حيث انحصرت المشكلة حاليا في بعض المدارس الخاصة الواقعة خارج حدود العاصمة عمان ، إضافة إلى بعض المحال الصغيرة في بعض المحافظات، عازيا سبب تناقص معدلات هذه المخالفة إلى كثافة الزيارات التفتيشية التي تجريها مديرية التفتيش في الوزارة.
أمين عام وزارة العمل حمادة أبو نجمة يوضح ان الوزارة ترصد وتتعامل مع تجاوزات أخرى، كعدم الالتزام بتعويض بدل الفصل التعسفي في عقود العمل غير محددة المدة، وتعويض الفترة المتبقية في عقود العمل محددة المدة، واحتساب العمل الإضافي في الأيام الطبيعية من العمل ، وفي أيام العطل الرسمية والدينية وأيام العطل الأسبوعية، إضافة إلى آلية بعض المؤسسات في احتساب أيام الإجازات السنوية وكيفية التعويض عنها، والإجازات المرضية، وإجازة الأمومة، وساعة الرضاعة، والتأخر في دفع الأجور، ومدى قانونية الجزاءات المتخذة بحق العاملين .
ويشير الى ان الوزارة تراجع التشريعات العمالية بهدف تطويرها، حيث تمت مناقشة قانون العمل المؤقت رقم 26 لسنة 2010 من قبل لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والاسكان في مجلس النواب وفي انتظار اقراره من قبل المجلس .
وتقول منسقة مشروع حماية حقوق العمل في منظمة العمل الدولية غادة سالم ان الاردن دولة سباقة في تحسين العمل وظروفه في السوق المحلية من خلال توفير اطر بيئية للعمل وتحسين الحماية الاجتماعية.
وتشير الى ان مكتب المنظمة في الاردن يتابع منذ العام 2006 قضايا العمل والعمال من خلال مراحل زمنية للبرنامج الوطني للعمل اللائق ، ووفقا للمرحلة الحالية فان المنظمة تسعى لمزيد من الانجازات بالتعاون مع الجهات المعنية.
وتقول انه لا توجد بيانات واحصاءات موحدة في مجال انتهاكات حقوق العاملين كون ان كل مؤسسة تعد بياناتها بطرق وأساليب مختلفة عن الاخرى ، مؤكدة أهمية توحيد البيانات لاتخاذ القرار المناسب عند وضع الخطط والاستراتيجيات، ومشيرة الى ان المنظمة تسعى لحوسبة النزاعات الحقوقية .
وتضيف ان انتهاكات حقوق العمال تؤثر على الاقتصاد الوطني، مشيرة الى اضراب العاملين في "حاويات العقبة" وما يؤثر ذلك على الاقتصاد الوطني وثقة المصدرين والموردين على حد سواء.
فيما تؤكد مسؤولة ملف المرصد العمالي الأردني شيرين مازن أن أغلب التجاوزات التي تتم بحق العاملين في بعض شركات القطاع الخاص تكون في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتتمحور هذه التجاوزات في العمل لساعات إضافية دون مقابل، والدوام لمدة اسبوع دون عطلة أو يوم استراحة، بالإضافة الى عدم الحصول على أي إجازات مرضية أو سنوية، أو أخذ العامل الاجازة على حسابه (الخصم)، وذلك وفق الشكاوى التي يتلقاها المرصد .
وتقول ان عدم شمول العديد من العاملين في مظلة الضمان الإجتماعي وفصل العمال بحجة بند إعادة الهيكلة الموجود في قانون العمل الأردني ، وتأخير تسليم الرواتب لمدة تتجاوز ستة اشهر في بعض المؤسسات، إضافة الى موضوعات السلامة المهنية وإصابات العمل من أكثر الشكاوى التي يتلقاها المرصد العمالي ، مضيفة ان قطاعات الإنشاءات والتعليم الخاص وأعمال السكرتاريا وبعض الأعمال الحرة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي من أكثر القطاعات التي تحدث فيها تجاوزات وانتهاكات بحق العمال.
وتضيف ان مطالبات المرصد تتركز على توسيع منظومة الحماية الاجتماعية لتشمل جميع العاملين في المملكة، وتفعيل فرق تفتيش وزارة العمل وزيادة عددها لتتناسب وحجم العاملين في مختلف القطاعات، واعادة النظر ببعض بنود قانون العمل الأردني مثل بند اعادة الهيكلة الذي يسهم بدوره في فصل العمال من قبل بعض أصحاب العمل بطريقة غير مباشرة، وأهمية الرقابة على موضوعات السلامة المهنية والصحة العامة للعاملين، اضافة الى إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور وربطه بمتغيرات المعيشة والتضخم الإقتصادي.
المحامي عاصم ملكاوي يؤكد أن العامل "غير مجبر" بأي حال من الأحوال على العمل لساعات إضافية بموجب قانون العمل، إنما يتم ذلك بشكل إختياري وتوافقي، ويقول ان العديد من الأعمال والمهن في بعض الشركات تقتضي العمل لساعات اضافية، مضيفا أن القانون حدد قيمة ساعات العمل الإضافية وكيفية احتساب أجرتها، عبر احتساب ساعة العمل الإضافية بساعة وربع الساعة في أيام الدوام الفعلي، وساعة العمل الإضافية بساعة ونصف الساعة في أيام العطل الرسمية.
ويوضح أنه فيما يتعلق بمشكلات تأخير الرواتب والأجور، يتم التقدم بشكوى لدى سلطة الأجور التي تشكل بناء على تنسيب من وزير العمل للنظر في الدعاوى المتعلقة بالأجور المنقوصة والمتأخرة والحسميات، واجراء الوساطة لحل النزاعات الواقعة بين العامل وصاحب العمل بناء على طلب العامل لذلك، حيث اعطى القانون "صفة الإستعجال" للقضايا العمالية بصفة عامة.
ويطالب ملكاوي برفع الحد الأدنى للأجور بشكل يتناسب مع غلاء المعيشة والتضخم الإقتصادي الذي تشهده المنطقة، ويدعو الى وجود محاكم متخصصة في القضايا العمالية في مراكز المدن الرئيسة في المملكة . ويقول رئيس الإتحاد العام للنقابات العمالية في الأردن مازن المعايطة ان أبرز المشكلات التي تواجهها النقابات العمالية الأمن والإستقرار الوظيفي ، وظروف العمل غير اللائقة، ومستوى الأجور، وحقوق العامل الأساسية (التأمين الصحي والضمان الإجتماعي)، مضيفا أن أهم المهن التي تتلقى النقابات العمالية شكاوى بشأنها التعليم الخاص والمصانع المتوسطة والصغيرة، وتتحدد الشكاوى بالقطاع النسائي.
وينوه بأن النقابات العمالية وقعت 372 اتفاقية مع أصحاب العمل خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحقق بموجبها 600 مليون دينار مكتسبات جديدة، استفاد منها ما يقارب 400 ألف عامل في الأردن.
ويطالب المعايطة بالحفاظ على الأمن والإستقرار الوظيفي للعاملين بصفة عامة، عبر تشريعات وقوانين تحقق ذلك، وتوسيع مظلة التأمين الصحي والضمان الإجتماعي لجميع العمال على مستوى المملكة، ورفع الحد الأدنى للأجور.
وتقول المحامية كرستين فضول من المركز الوطني لحقوق الانسان ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 نص في المادة الثانية منه على ان " لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان ، دون اي تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين، او الجنس، وأكدت نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي صادق عليها الأردن ، مبدأ عدم التمييز .
وتشير الى انه على الرغم من ذلك , الا انه لا يوجد في قانون العمل الاردني ما ينص صراحة ًعلى وجوب المساواة في الاجور للذكور والاناث واثبتت الدراسات ان هناك تفاوتا في الاجور لصالح الذكور، لافتة الى عدم وجود الخدمات المساندة لعدد من المؤسسات والشركات التي تعمل فيها المرأة كالحضانات ورياض الاطفال المناسبة والقريبة من العمل. الخبير الإقتصادي زيان زوانة يؤكد أن الإنتهاكات والتجاوزات التي تتم بحق العمال تشكل ضررا مباشرا على الإقتصاد بصورة عامة، موضحا أن المجتمع هو حلقات مرتبطة ببعضها البعض وأنه في حال تضررت شريحة مهمة من المجتمع مثل العمال فإن ذلك ينعكس بالضرورة على الإقتصاد المحلي، الأمر الذي يؤدي إلى بطء دوران العجلة الإقتصادية.
ويقول ان الثقافة العمالية تختلف تبعا لإختلاف الدول والشعوب، فالثقافة العمالية في الإقتصاد الياباني تؤكد أهمية العمل لساعات إضافية وأثر ذلك على الإنتاج ، في حين أن بعض الثقافات العمالية الأخرى ترى ذلك عبئا على الموظف وتؤثر على الإنتاجية بصفة عامة.
ويشير زوانة إلى أن التجاوزات التي تتم بحق العامل من شأنها أن تحد من ولائه تجاه مؤسسته التي يعمل بها، الأمر الذي يؤدي لنتائج سلبية على العمل.