الصين المعاصرة خلف تحقيق بوليسي

تم نشره الخميس 06 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 06:09 مساءً
الصين المعاصرة خلف تحقيق بوليسي
المخرج الصيني دياو ينان - أرشيفية

المدينة نيوز - تجري حوادث "فحم أسود، ثلج رقيق" للمخرج الصيني دياو ينان (1968) الحاصل على "دبّ" برلين هذه السنة (عُرض في مهرجان أبو ظبي ايضاً)، في شمال الصين. تتمحور الحكاية على شرطي (لياو فان) يُصرَف من عمله بعد مقتل زميلين له خلال عملية غير ناجحة للقبض على مطلوب، فيضطر الى العمل كحارس في مصنع. بعد خمس سنوات، تقع سلسلة من الجرائم، ما يدفع ببطلنا زانغ الى العودة لمهامه السابقة، ويتولى التحقيق على عاتقه الخاص هذه المرة، قبل أن يكتشف أن كل الجرائم تصب عند فتاة تعمل في مغسلة. طبعاً، سيُغرَم بها فوراً. هذا الفيلم الثالث للمخرج ينان الذي لفت مع "قطار الليل" (مهرجان كانّ - 2007)، وهو غوص في عالم الجريمة والسواد والليل مع شخصيات تزجّ بنا في كلاسيكيات السينما البوليسية أو "الفيلم النوار".

الشريط ممعن في العنف النفسي والتجسيدي على طريقة السينما الآسيوية. يعرف ينان كيف ينقل حال المجتمع الصيني، وفي سعيه لاظهار المدينة ولبسها، يقترب الى ذكاء زميله جيا زانغي الذي قال بعض الأشياء القريبة مما يقوله هنا ينان في فيلمه الأخير، "لمسة خطيئة" (2013). نحن هنا في صين باردة، شتوية، شهوانية، منزوعة الألوان، يسيطر عليها نوع من الغشاء يمنع الرؤية الجيدة ويدفع المحبط الى الانتحار. هذه صينٌ حطمتها الشيوعية وسحقتها الليبيرالية. إنه غوصٌ بديع في هذا القعر، يزيده جمالاً الاخراج الواضح والمتزن الذي يضعه ينان، بحيث لا يهبط إيقاع الفيلم ولو للحظة طوال الدقائق الـ106.
يبلغ ينان الخامسة والأربعين من العمر. حتى في الصين هو شخصية غير معروفة جداً. شهرته أكبر في مجال كتابة السيناريو. مقارنةً بما أنجزه سابقاً، يُعتبر "فحم أسود، ثلج رقيق" فيلم "تجاري" النزعة، أكثر قرباً الى الجمهور من أعماله السابقة. لياو فان، الذي يضطلع بالشخصية الرئيسية في الفيلم، نال عن دوره هذا جائزة التمثيل في برلين. فان جزء لا يتجزأ من العمل بأكمله، هناك حوار بينه وبين الشخصية التي يجسدها. قتامة الفيلم تليق به وبحضوره المقلق وبعبء الرجل المعذب الذي يحمله على ظهره. يأخذنا الفيلم الى جحيم العلاقات البشرية، حيث العنف يطل برأسه مراراً ثم يتراجع. لكن طلته التي تدوم لحظات قليلة كافية لإثارة الشغب وإحداث الفتنة. هكذا يسير الفيلم من أوله الى آخره، بخطوات واثقة وأكيدة.
خلف الجمال الخفي للفيلم، هناك عالم نجهله. عالم ليس دائماً بالجمال الذي نعتقده. هنا، نحن أمام صين لا نعرف عنها الكثير. فلا يمكن مثلاً تجاهل البيئة المدينية التي تجري فيها الحوادث، تلك التي ظهرت معالمها في تسعينات القرن الماضي. هذه البيئة تحتضن طاقات بشرية تعيش في الظل، تتحرك وتعمل خارج الضوء. على غرار "الفيلم النوار"، هناك العديد من المَشاهد تدور فصولها في الليل الحالك، ما يتيح للمخرج أن يوظف الإنارات الليلية (الأحمر والأصفر)، لرسم أشكال جمالية تتخطى خدمة القصة. إنها لحظات سينمائية قائمة في ذاتها، تجعلنا نعيش كابوساً. هذه اللحظات هدفها تشكيل واقع قريب وبعيد في الحين نفسه. وليس غريباً عن منطق الفيلم أن نرى في الخاتمة، تلك السماء الزرقاء التي تعيد الراحة والطمأنينة الى نفوس المشاهدين، مع أن المخرج يعترف بأن الألعاب النارية التي صوَّرها في نهاية العمل تخفي الواقع وتحمينا من قسوة هذا العالم.
يقول دياو ينان إنه لطالما أحب القصص البوليسية، وخصوصاً تلك التي تجري فصولها في يوميات الأشخاص العاديين. ويتابع: "منذ زمن طويل وأنا أرغب في إنجاز فيلم مماثل. الصين اليوم لا تتوقف عن التحول. تحدث فيها أشياء رهيبة. بعض الجرائم قد تبدو عبثية، بيد أنها ليست سوى انعكاس للواقع. أشياء قد تبدو ظاهرياً بلا معنى، قد تكون لها انعكاسات سلبية على المجتمع. كنت أريد أن أنجز "بولاراً" يكون في الحين نفسه بورتريهاً للصين المعاصرة. لم يكن هدفي أن أكتفي بحبكة بوليسية، وأن أجد الأجوبة المناسبة، بل أن أقترب أكثر فأكثر من واقعنا. إنها حكاية شخص يعيش صراعاً مع ذاته ونرى من خلال هذا الصراع الدرب الذي سيمشي عليه للوصول الى التوبة. الخيانة، الجبن، الانصياع للقيود الاجتماعية، هذه كلها أشياء تقود المرء الى الهلاك



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات