"العائدون من فلسطين"

تم نشره الخميس 29 كانون الثّاني / يناير 2015 01:33 صباحاً
"العائدون من فلسطين"
د.أحمد جميل عزم

كانت الاعترافات المتتالية من قبل برلمانات أوروبية بالدولة الفلسطينية مؤخراً، ورغم عدم وجود معنى فوري عملي لهذه الاعترافات، كونها في أغلب الحالات مجرد توصية للحكومة، مفاجأة أثارت تساؤلات حتى للمتابعين؛ كيف ولماذا حدثت هذه الاعترافات؟
بطبيعة الحال، لم تكن نصوص القرارات الأوروبية دائماً بذات القوة والوضوح المطلوبين. فمثلا، في قرار البرلمان الأوروبي الشهر الماضي، كان هناك التفاف على الاعتراف، أو حتى التوصية المباشرة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن ذلك القول إنّ البرلمان "يؤيد من حيث المبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين، ويؤمن أنّ هذا يجب أن يترافق مع تطور محادثات السلام"؛ فلم يكن اعترافا بالدولة، وكانت هناك إشارة لعملية السلام كنوع من الشرط الذي ينسجم مع التوجه الإسرائيلي-الأميركي.
رغم هذا، فإنّ هذه القرارات نقلة نوعية. فحتى أشهر قليلة ماضية، كان هناك حديث متكرر مبرر، بأنّ حركات التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني رغم اتساعها، إلا أنّ أثرها في سياسات بلدانها محدود. بل إنّ كثيرا من أفراد هذه الحركات يفضل القدوم لفلسطين والعمل مع الفلسطينيين، ومواجهة الاحتلال ضمن نشاطات المقاومة الشعبية، أكثر من العمل على التأثير في حكوماتهم وصناعة القرار في بلدانهم، مع أنّ المطلوب هو العمل في هذا المضمار، بل إنّ الحضور المكثف للناشطين الدوليين قاد إلى خلافات أحيانا بينهم وناشطين فلسطينيين، شعروا في بعض الحالات بأنّ "الدوليين" يحاولون فرض وصاية عليهم.
وفي محاولتي معرفة ملابسات القرارات البرلمانية الأوروبية، أشار أكثر من مطلع إلى أهميّة الزيارات الأوروبية لنشطاء وبرلمانيين أوروبيين لفلسطين، ودور العائدين من النشطاء الدوليين من فلسطين إلى بلدانهم، وأنّ الزيارات، كما في حالة السويد، باتت تأخذ شكلا مؤسسيا للأحزاب والناشطين، ما أدى إلى إيجاد حراك في دوائر صنع القرار.
فضلا عن هذا، هناك جهود دبلوماسية رسمية وشعبية فلسطينية، توازت مع عملية "تدويل" القضية الفلسطينية، وساهمت في نزع الذرائع أمام رفض الخطوات الإضافية لتأييد فكرة الاعتراف بدولة فلسطين.
من ناحية ثانية، فإنّ الاهتمام والتركيز الآن يتعلقان بكيف تتحول التوصية البرلمانية إلى قرار حكومي بالاعتراف؛ وكيف يتحول الاعتراف بالفكرة إلى الاعتراف بالدولة. وربما في واقع الأمر، يمكن التفكير في أشياء أخرى تقع في الوسط بين القرارين، وربما تكون هذه الأمور أهم عمليّاً حتى من الاعتراف، وتحديداً التفكير في تشريعات أوروبية تخص القضية الفلسطينية، سواء لخدمة الصمود الفلسطيني واللاجئين، أو لمواجهة الصلف الإسرائيلي، وجعل إسرائيل دولة كغيرها، مثل روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية مثلا، يمكن رفض انتهاكاتها للقانون الدولي وفرض حصار أو عقوبات عليها. ويمكن أن تكون الخطوات الأولى وقف وتقليص التعاون مع الإسرائيليين، وتطوير لجان برلمانية وشعبية متخصصة (وتطوير الأطر الموجودة فعلا) في متابعة العلاقات الإسرائيلية-الأوروبية، وسن تشريعات تجعل التعاون الحكومي الأوروبي مع إسرائيل ليس قرارا أوتوماتيكياً يمكن اتخاذه من دون تمريره في أطر برلمانية ورقابية محددة سلفا، ومتفق عليها.
يحتاج تطوير مواقف البرلمانات الأوروبية إلى دراسة وفهم كيف حدثت الخطوات الأخيرة من الناحيتين السياسية والشعبية، وبالتالي كيف يمكن تطويرها وتوسعتها. فإذا كانت الزيارات واللقاءات ونشاطات الجاليات لها دور، فإنه يمكن العمل عليها لأجل المزيد من المأسسة والتطوير. ثم يحتاج الأمر إلى لجان قانونيين أجانب وعرب لرؤية المجالات التي يمكن البناء عليها، ودعوة البرلمانيين الذين ساندوا القرارات السابقة لتبنيها باعتبارها الترجمة العملية لتوجهاتهم وقراراتهم السابقة.
رغم ترهل الأداء الفلسطيني في مجالات عديدة، إلا أنه لا يمكن تجاهل أنّ هناك حراكاً وطنيا شعبيا فلسطينيا موجودا وحيويا، حتى وإن كان في حالة تشظي. فالجمعيات والروابط الفلسطينية، بمؤيديها من العرب والغربيين، موجودة وتتكاثر رغم عدم وجود أطر فصائلية أو رسمية فاعلة تجمع هذه الجهود، لدرجة أنّه بات مقبولا القول إنّ الحراك الوطني الفلسطيني (أي الشعور والنشاط الشعبيين) على ما يرام، بينما الحركة السياسية (منظمة التحرير والفصائل) ليست كذلك، هذا رغم حالات مشرقة حتى من داخل الفصائل. وبالتالي، يجدر البحث عن نقاط القوة وتعظيمها.

(الغد 2015-01-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات