مغزى لعبة إسرائيل الإيرانية الذرية

تم نشره الإثنين 09 آذار / مارس 2015 01:38 صباحاً
مغزى لعبة إسرائيل الإيرانية الذرية
حسني عايش

بمجرد أن بدا لإسرائيل أن إيران تعد العدة لصنع قنبلة ذرية، قامت قيامتها لأن نجاح إيران في ذلك يعني تهديد الوجود الإسرائيلي برمته كما تدعي، ومن ثم يجب منعها بالتي هي أحسن، أو بالتي هي أسوأ.
ومن أجل ذلك فزعت إسرائيل - بقيادة بنيامين نتنياهو- العالم عليها، وجعلته موضوعاً أو أزمة دولية لدرجة ساقت الدول العظمى (زائداً ألمانيا) للانغماس فيها، وفرض عقوبات مالية واقتصادية شديدة على إيران لمنعها من ذلك. ومع هذا، وعلى الرغم منه، ظل نتنياهو يتظاهر وكأنه على وشك القيام بضربة للمنشآت النووية الإيرانية إن لم تقم أميركا، معه أو نيابة عنه، بها. ترى، هل نتنياهو صادق في قلقه الوجودي الإسرائيلي من قنبلة إيران الذرية الفارسية، أم أنه يمارس لعبة سياسية لغاية في نفسه؟
نعم، إن الإستراتيجية الإسرائيلية الذرية تقوم على الانفراد بامتلاك السلاح الذري أو سلاح الدمار الشامل. وهي لذلك دمرت المنشآت الذرية العراقية والسورية، ولكنها تتردد في ضرب المنشآت الذرية الإيرانية. لماذا؟ لأن إسرائيل تخشى الفشل في الهجوم بسبب حصانة المنشآت الذرية الإيرانية من جهة، ولخشيتها من رد إيراني عنيف من جهة أخرى، بالأصالة أو بالوكالة، ولأن أميركا لا تؤيد القيام بذلك من جهة ثالثة، إذ ترى أنه يمكن منع إيران من صنع القنبلة بالمفاوضات والمواثيق والشروط القاطعة المانعة.
غير أن نتنياهو يعرف أن امتلاك إيران للسلاح الذري لا يهدد وجود إسرائيل؛ بل بالعكس. إنه يضمن وجودها بالتوازن أو الردع المتبادل، وإذا كان لا بد من حرب بينهما فلتكن بالوكالة.
إن امتلاك إيران للسلاح الذري يهدد احتكار إسرائيل له، وقد يدفع بعض دول المنطقة، مثل تركيا والسعودية ومصر، إلى امتلاكه. وعندئذ ستصبح الدعوة إلى نزعه من المنطقة معقولة ومقبولة وممكنة. وكما قال المفكر الأميركي الشهير سام كين، في كتابه العظيم "وجوه العدو: 1991-1998" (Faces of the Enemy:1991-1998): إن أفضل طريقة لنزع أسلحة الدمار الشامل، هو امتلاك الجميع لها". فبذلك تفقد إسرائيل ميزتها الاستراتيجية، وهو (فقدان هذه الميزة) التهديد الأكبر لوجودها.
لكن، لماذا لا يكل نتنياهو ولا يمل من العزف على القنبلة الإيرانية، ويملأ العالم ضجيجاً وصراخاً حولها؟ إنه يفعل ذلك لصرف نظر العالم تماماً عن قضية فلسطين، وتنحيتها؛ ليس من بؤرة الشعور الذي ظلت تحتله، بل إلى اللاشعور والنسيان، بإحلال القنبلة الإيرانية مكانها (لم يذكر الصراع مع الشعب الفلسطيني في خطابه الأخير في الكونغرس)، وبحيث تستمر إسرائيل في الوقت نفسه بالتهويد التام للقدس، ومواصلة الاستيطان في طول الضفة الغربية وعرضها من دون أن يراها أو يحتج عليها أحد، كما محاصرة غزة حتى الموت، بحيث تجبر وتذل حركة حماس -وبخاصة بعد اعتبار مصر رسميا لها جماعة إرهابية- على الاعتراف ليس بوجود اسرائيل، بل وحقها في الوجود.
وباللعبة يبتز نتنياهو أيضا أميركا مالياً وعسكرياً لدعم هذه السياسة، ويجبرها على الكف عن المطالبة بحل الدولتين الهزيل. كما يهدف (بالنق) إلى تحويل القنبلة إلى خطر إيراني مشترك على إسرائيل والدول العربية، بخاصة دول الخليج، بحيث ينشأ حلف اسرائيلي-عربي ضمني أو صريح لمواجهته. وبذلك، تقدم إيران لإسرائيل بالقنبلة أعظم خدمة في تاريخ الصراع، وهو هذا الحلف الذي أراهن على قيامه إذا استمرت ايران في سياسة الهيمنة على البلدان العربية. تتظاهر إسرائيل بهذه اللعبة والعزف عليها؛ بأن إيران هي العدو اللدود الأول لها وللعرب، متناسية "إيران غيت" والعلاقات المالية والاقتصادية القائمة بينهما، واشتراكها (مع إيران وتركيا) في الأطماع والتوسع في الوطن العربي. وتتظاهر الدولتان بالعداء الشديد لها والعرب غائبون أو نائمون.
عندما سئل شمعون بيرس مرة: ألن تنسوا الهلوكوست؟ أجاب: لم ننس السبي البابلي، فكيف ننسى الهولوكوست؟ وإذا كان الأمر كذلك -وهو كذلك- فهل تنسى إسرائيل أن الفرس هم الذين أعادوا اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين؟ إنهم يحتفلون به في كل عام (سفر إشتير).

(الغد 2015-03-09)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات