ابني يرغب في مدحه طوال الوقت

المدينه نيوز - تشكو نهى أن ابنها رامي (9 سنوات) يعاتبها إذا لم تمدحه على أمر أنجزه، سواء كان مهمًا أو لا. يريدها أن تمدحه على كل صغيرة وكبيرة، أن تمدحه إذا ما أنهى طعامه، أو ارتدى ملابسه، أو أنجز فروضه... يريدها أن تمدحه على كل ما يفعله، ويتّهمها بأنها إذا لم تفعل فهي لا تحبّه.
يتّفق اختصاصيو علم نفس الطفل على أن تشجيع الطفل ومدحه، أمران أساسيان في تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتقويمه الإيجابي لنفسه، وهما جزءان أساسيان في تواصل الأهل اليومي مع أبنائهم. إذًا يتطوّر شعور الأطفال بذاتهم من خلال التواصل مع الآخرين خصوصًا أهلهم. ولكن لماذا يرغب بعض الأطفال في المديح طوال الوقت؟ هل هو شعور بعدم الثقة؟ هل هم أطفال يشعرون بالغيرة؟
عن هذه الأسئلة تجيب الاختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم.
لماذا على الأهل أن يمدحوا أبناءهم؟
للحوار الإيجابي وتوجيه عبارات المديح تأثير قوي في الأبناء، فهما من الأسس التربوية التي على الأهل التزامها، إذ أثبتت الدراسات التربوية أن المكافأة والمديح هما أكثر فعالية من العقاب عند تعليم الطفل السلوك الإيجابي.
فالأطفال يتعلمون بسرعة عندما يتلقوّن التقدير، على عمل جيد قاموا به. كما أظهرت دراسة تربوية أن المديح، وليس الموهبة، يؤدي إلى مزيد من التحفيز والتصرفات الإيجابية تجاه التحديات والدافعية عند الأطفال للقيام بأمور جيدة. ولكن شرط أن يكون المديح في مكانه وصادقًا، ويكون مفيدًا، بشكل خاص للتحفيز.
عندما يشجّع صفات الأداء الجيد، أي تحمّل الطفل مسؤولية ذاته وتدبّر أموره، ويعزز الكفاءة، والتنافس من دون الإفراط بالمقارنات الاجتماعية، وينقل معايير، وتوقّعات قابلة للتحقق. إذًا، من الضروري أن يعمل الأهل على تعزيز الثقة بالنفس عند أطفالهم، والمديح والتشجيع والتقدير، كلها وسائل تساهم في تعزيز ثقة الطفل بنفسه.
متى يفرغ المديح من معناه؟
عندما تصبح كلمة بسيطة مثل «برافو» لا معنى لها، لأن الأهل يقولونها لطفلهم طوال الوقت، مما يجعله يريد سماعها طوال الوقت، فهو لم يعد يفهم المعنى وراءها، وبالتالي لم تعد للمديح قيمة معنوية. مثلاً كلما يقوم بعمل وإن كان بسيطًا يسمع كلمة «برافو».
في الوقت الذي عليه أن يتلقى مديحًا عن عمل يستحق المديح. مثلاً تعلّم الطفل ركوب الدراجة وحده، أو رسم لوحة، أو ساعد أخاه، أما إذا حرّك كرسيًا من مكانه واستمر الأهل في الحديث عن الأمر، فهذا أمر مبالغ فيه، وبالتالي أفقدوا المعنى الحقيقي للمديح.
إذًا المديح يكون بحسب أهمية العمل الذي قام به الطفل، وبحسب سن الطفل، فعندما تقول الأم لطفلها الذي يمشي للمرة الأولى أو يرتدي ثيابه وحده للمرة الأولى «برافو» فهذا ضروري لأنه يقوم به للمرة الأولى... أي تشجيع الطفل الصغير عندما يبدأ العمل باستقلالية، في البداية نشجعه ونمدحه في لحظتها لا أن نتحدث عنها طوال الوقت. أما في السنوات اللاحقة فالمديح على مسائل يجدر به القيام بها آليًا يصبح بلا معنى.
لماذا يطلب بعض الأطفال المديح المستمر؟
يحتاج الطفل عمومًا إلى التشجيع والمديح على العمل الذي ينجزه. ولكن المشكلة تقع عندما يبالغ الأهل في مديحهم لطفلهم كما أشرت سابقًا، مما يلحق الضرر بشخصيته. صحيح أن المديح ضروري، ولكن شرط أن يكون حقيقيًا ومحدّدًا ويستحقه الطفل. أي عندما يقال للطفل «برافو» يكون فعلاً يستحقها.
أما إذا وصل الأمر إلى مرحلة يطلب فيها الطفل أن تمدحه والدته طيلة الوقت، فهذا مؤشر الى احتمالات عدة:
يريد لفت الأنظار إليه. مثلاً الأم التي لا تجلس مع طفلها وقتًا كافيًا، أو أن والديه منشغلان عنه، فيريد أن يقول لهما أنا هنا.
يشعر بالخوف وفقدان الثقة بنفسه، مثلاً يخاف على مركزه في العائلة إذا أصبح لديه أخ صغير، أو يتعرّض لنقد قاس في المدرسة أو في النادي الرياضي الذي يذهب إليه، مما يفقده الثقة بنفسه، وبالتالي يرغب في أن يسمع المديح من أحد والديه، كي يشعر بالثقة.
أصبح الطفل متطلبًا، أي المدح صار عادة، وبالتالي الدلع المبالغ فيه يفضي إلى جعل الطفل متطلبًا. تمامًا مثل الأهل الذين يقدّمون هدايا يومية إلى طفلهم، مما يُفقد الهدية معناها الأصلي، ولا يعود لها معنى، فما يهمه هو الفعل، أي جلب الهدية، تصل رسالة مفادها أنا أطلب وأهلي ينفذون من دون مساءلة. وكذلك المبالغة في المدح يشكل مشكلة كبيرة عند الأطفال. إذ قد يصل الطفل إلى مرحلة لا يعرف نفسه، ولا يعرف حدوده، فهو لم يعد يهمه، لا الهدايا ولا الألعاب ويعارض طوال الوقت. أحيانًا أجد أطفالاً كثرًا عندهم القدرات ولكن بسبب الإفراط بالدلع، يصبح سلوك الطفل وتصرّفاته مستفزة ووقحة في كثير من الأحيان. اعتاد هذا الطفل أن تنفذ طلباته من دون مماطلة، واعتاد المديح المستمر وعدم تعرضه للنقد، مما يجعله يستغرب إذا نسيت والدته مدحه على أمر تظن هي أنه عادي وهو بالفعل يكون كذلك.
وجود مشكلة في العائلة، أو وجود مشكلات بين الزوجين يظن الطفل أنه سبب المشكلة ويحاول من خلال طلب المديح المستمر التأكد من أن والدته أو والده يحبه، وأحيانًا كثيرة في حالة الطلاق، يظن الطفل أنه سبب طلاق والديه، فيرغب في المديح المستمر ليتخلص من شعوره بالذنب «لو أني أنا المذنب لما كانا يمدحاني». أو إذا كان يشعر بالغيرة من أخيه الأكبر، ويحاول أن يلفت النظر إليه أنه هو أيضًا موجود. وفي هذه الحالة على الأم التنبه إلى أنها عندما تمدح الأخ الأكبر تذكّر الصغير بعمل جيد قام به هو أيضًا.
فقدان الثقة بالنفس أو المعلمة تفضل تلميذاً على آخر، رغم أنهما في المستوى نفسه، مما يجعل التلميذ الآخر ينقل شعوره إلى والدته، في هذه الحالة على الأم التحقّق من الموضوع، وقد تفاجأ بعبارة «المدرّسة تفضل صديقه عليه». من هنا أهمية التواصل بين الأهل وأبنائهم خصوصًا التلامذة. المهم أن تعرف الأم أين ومتى ولماذا تمدح.
ما الحلول الممكنة لمشكلة الرغبة في المديح المستمر؟
بناء على المؤشرات التي تخفي وراءها أسباب رغبة الطفل في المديح المستمر، فإنّ الحل الأول والأمثل هو الحوار العميق مع الطفل، للتحقّق من السبب الحقيقي وراء هذا الطلب.
فإذا كان السبب شعور بالإهمال، أو غيرة من أحد أشقائه، أو مشكلة انفصال الوالدين، أو غيرها من المشكلات العائلية، على الأهل طمأنته وإعادة النظر في تعاملهم معه.
وإذا كان سببه تفضيل مدرّسة الصف تلميذًا آخر رغم أنه من المستوى نفسه على الأم التحدّث مع المعلمة وتنبيهها إلى الأمر، إذ علينا أن نفهم أن المدرسة والتعليم يشكلان مكان عمل بالنسبة إلى التلميذ، مثلما الراشد، إذا لم يسمع إطراءً من قبل رئيسه على الإنجاز الذي يقوم به، فإنه سوف يشعر بالغبن والظلم، وكذلك التلميذ، المعلمة هي رئيسة عمله. وإذا كان السبب المديح المفرط، على الوالدين أن يعيدا النظر في اطلاق عبارات المديح، ويجعلانه ذا قيمة وقوله في عمل ينجزه الطفل ويستحق بالفعل المديح. أما إذا كان السبب عدم ثقة بالنفس فعليهم العمل على تعزيزها.
ما هي سبل تعزيز ثقة الطفل بنفسه؟
من الضروري أن يدرك الأهل، أن الأمور التي يقولونها لأبنائهم تصبح جزءًا من تكوينهم النفسي وهوّيتهم الشخصية. وبالتالي، فإنّ إنشاء طفل على الثقة بنفسه، وتقويمه الذاتي يكون عاليًا عبر الحوار. لذا على الأهل:
التعبير عن حبهم غير المشروط لأبنائهم: ويكون ذلك من خلال العبارات والإيماءات العاطفية الفطرية التي تُشعر الأبناء بأن أهلهم يقدّرونهم ويحبّونهم على ما هم عليه ، من دون قيود وتوقّعات غير قابلة للتحقّق.
المديح: يعتبر المديح وسيلة تعلّمية رائعة عندما يكون محدّدًا ووصفيًا وحقيقيًا، ويكون أكثر تأثيرًا عندما يرتبط بجهد بذله الطفل، وليس النتيجة فقط. مثلاً عندما ينال علامة مرتفعة يمكن الأم أن تثني على نجاحه، ولكن في الوقت نفسه تثني على الجهد الذي بذله. كأن تقول له والدته: «بذلت جهدًا كبيرًا لتنجح في الامتحان». فهذه العبارة البسيطة كفيلة بمساعدة الطفل على تطوير عاداته في إنجاز فروضه المدرسية.
التشجيع: يعتبر التشجيع مرادفًا للمديح وتعزيز حس الطفل بالتنافس الجيد. إذ قد تُظهر عبارات التشجيع كيف يمكن الطفل أن يتعامل مع التحدّيات.
إظهار التقدير: يجدر بالأهل الإصرار على قول عبارات التقدير بشكل مستمر مثل «شكرًا لك، كنت خير معين». فعبارات التقدير تعزّز ثقة الطفل بنفسه، وبالتالي تشجّعه على السلوك اللائق.