العرب وإيران.. ومستقبل المنطقة

تم نشره الإثنين 30 آذار / مارس 2015 01:47 صباحاً
العرب وإيران.. ومستقبل المنطقة
ماجد توبة

هدير الطائرات وصوت القنابل، اختلطا بصليل السيوف وقرقعة التروس القادمة من أعماق التاريخ. وحيثما وليت وجهك في بلاد "العرب أوطاني"، بت تسمع صوت هذا الخليط؛ من الشام إلى يمن.. ومن نجد إلى تطوان!
في أكثر من بقعة على الخريطة العربية، الممزقة كما لم تكن من قبل، تسطر اليوم صفحة جديدة من الصراع العربي-الإيراني، ليكتمل سوار النار حول هذه الأمة، وتنزلق سريعا نحو تكريسه صراعا طائفيا لا يبقي ولا يذر؛ يغيب فيه صوت العقل، ورابط الدين والجوار والمصالح المشتركة، وتُستحضر ثارات تاريخية أهدرت في حروبها وفتنها أنهرا من دم!
نعم، لم يبدأ الفرز الطائفي والمذهبي في العلاقة مع إيران اليوم، وطالما غُلف الصراع السياسي والجيوسياسي وخلاف المصالح، بالأغلفة الطائفية والمذهبية. وقد تكون إيران من يتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الحرف للصراع، والمآل الذي وصلته المنطقة اليوم، خاصة لموقفها الانتهازي والتدميري الذي مارسته هي مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، عبر جماعات وتنظيمات طائفية عراقية مرتبطة بها، بعد احتلال العراق العام 2003.
الطرف العربي على الجانب الآخر، يتحمل أيضا مسؤولية أساسية عن الوصول إلى هذا المنحدر. ففي خضم الصراع مع النفوذ الإيراني في لبنان وسورية واليمن وغيرها، لم تتردد أطراف عربية في اللجوء إلى التحشيد المذهبي والطائفي بأبشع صوره، ما أنتج أو عزز من قوة تنظيمات "سُنّية" متطرفة وإرهابية، كالقاعدة و"داعش" و"النصرة"، وبعض التنظيمات المتطرفة "المحلية" في لبنان.
الراهن اليوم، أن هذا الانفجار العسكري والاشتباك المباشر على الأرض اليمنية والعراقية والسورية، مع النفوذ الإيراني، تتجلى خطورته الاستراتيجية في انحراف الخلافات والصراعات السياسية وحروب المصالح إلى مربع المذهبية والأيديولوجيا. وهي حروب، كما علمنا التاريخ، تكون طاحنة وبشعة، وتولد أحقادا يصعب إطفاؤها عبر السنين، وهي قابلة بقوة للانتشار كالنار في الهشيم في الإقليم كله، وبما لا يصب في مصلحة إيران ولا في مصلحة التحالف العربي "السُنّي" الذي يواجهها اليوم.
لا يمكن إنكار، أو استغراب وجود مصالح متضاربة ومختلفة بين إيران وجوارها العربي، وثمة عشرات الملفات مثار نزاع وصراع بين الطرفين. لكن مقابل ذلك، ثمة روابط وعوامل التقاء، ومصالح مشتركة أيضا، عديدة وجوهرية، تربط الطرفين، ويمكن البناء عليها لخلق معادلة صراع واشتباك جديدة، بعيدا عن الصدام والحروب المباشرة أو "حروب الوكالة"، وبعيدا عن جر المنطقة والأمة إلى حرب دينية ومذهبية طاحنة.
قد يكون نموذج العلاقة الأميركية الغربية مع إيران، مقاربة أنسب للعلاقة المنشودة بين الدول العربية وإيران. فرغم الخلاف والصراع بين إيران و"الشيطان الأكبر" الأميركي والغرب، والذي يفوق بحجمه ونوعه الصراع مع الدول العربية "السُّنّية"، فإن الطرفين (إيران والغرب) ذهبا إلى مقاربة سياسية عقلانية مهمة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ينتظر العالم تحقيق إختراق مهم فيه قريبا. فلماذا لا تكون هناك مقاربة عربية إيرانية جديدة لحل الصراعات وخلاف المصالح بين الطرفين؟!
أوجه الاختلاف والصراع، وبؤر ومساحات الاشتباك بين الجانبين، واضحة اليوم. وفيما جرب الطرفان مقاربة الصدام والحروب المباشرة وغير المباشرة في غير ساحة عربية، وتحديدا في العراق وسورية ولبنان واليمن، فإن من مصلحة الطرفين وشعوب المنطقة اللجوء إلى مقاربة الحوار واللقاء، وجدولة خلافات المصالح بين الجانبين وتفكيكها، وصولا إلى إيجاد حلول لها.
قد تبدو الدعوة إلى الحوار والمقاربة الجديدة للصراع مع إيران نوعا من التمني والحلم في ظل هدير الطائرات، وارتفاع منسوب الشحن الطائفي. لكن، لا مناص اليوم -خاصة وأن هدير الطائرات سيتوقف بلا شك بعد حين- من العودة إلى البحث عن علاقة وئام واتفاق وحوار استراتيجي مع جار، لا هروب من جيرته ومجاورته!

(الغد 2015-03-30)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات