الاستراتيجيات الأمريكية لهذا العقد
ما من دولة تتمتع بالمرونة السياسية في رسم الاستراتيجيات المتوسطة المدى مثل الولايات المتحدة الامريكية، وذلك بالنظر الى تسيدها للنظام الرأسمالي العالمي، وللفلسفة الذرائعية التي رافقت تأسيسها.
ويمكن متابعة هذه الاستراتيجيات تحت العناوين التالية:
1. الانتقال من ملء الفراغ "الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وتراجع الدور الفرنسي، البريطاني" الى استراتيجية صناعة الفراغ، وهو ما عرف ولايزال بالفوضى الهدامة وتداعياتها من الحروب الاقليمية في الخليج الى ما يسمى بربيع الغاز او الربيع الاسلامي، واستبدال دولة سايكس – بيكو الكيانية بالامارات الاسلاموية، وكذلك استبدال الحرس البيروقراطي القديم بجماعات الاسلام الامريكي.
ولذلك كله علاقة بإشغال المنطقة واستنزافها.. أو مقدمة للانتقال الى الدائرة الاقليمية – الدولية الجديدة للصراع.
2. الانتقال من التركيز على الشرق الأوسط، الى التركيز على دوائر أخرى مثل المحيط الهادئ وامريكا اللاتينية واوراسيا، فهناك حسب نظريات ماكندر – سبيكمان وبريجنسكي، يتحدد شكل العالم الجديد، ومصير صراع الامبراطورية البحرية "امريكا" مع الامبراطورية البرية "روسيا".
3. وبالإضافة لدور الجيوبولتيك، وتحالف البريكس الذي شيدته روسيا مع الصين والهند، والبرازيل وجنوب افريقيا، تلعب حقبة الغاز دورا مهما في هذا الانتقال، مما يفسر ايضا اهمية وتداعيات الازمة الاوكرانية وعلاقتها بالصراع على أنابيب الغاز وخطوطه.
4. الاحتواء المزدوج وانعكاساته الاقليمية.
يذهب العقل العربي الى رؤية ما يجري حوله، وخاصة لجهة التفاهمات المنتظرة بين الامريكان والايرانيين، كما لو أنه مقدمة لتحالف سري امريكي – ايراني ضد العرب والاسرائيليين "الذين انتهت مدة صلاحيتهم حسب العقل المذكور".
ولا يلاحظ هذا العقل ان الامريكان تحديدا، هم اساتذة اللعب على الحبلين، والاحتواءات المزدوجة وفق مصالحهم اولا وما أنتجوه من ثقافة براغماتية "عالية الجودة في السوق السياسي" .
ولعل مصدر القلق العربي هو انتهاء "احتكار" الغرام المتبادل مع واشنطن التي سبق وأشاحت بوجهها عن حالات مثل نورييغا، واصدقاء كير مقابل جغرافيا أو صفقات مجزية أكثر..
إن ما يفسر التفاهمات الوشيكة بين طهران وواشنطن هو الاهتمام الامريكي بمناطق أخرى، مثل اوراسيا والمحيط الهادئ وامريكا اللاتينية، مقابل استراتيجية الاحتواء المزدوج في الشرق الأوسط التي لمسنا شيئا منها خلال الحرب العراقية – الايرانية بين وزير دفاع مع العراق "رامسفيلد" ووزير خارجية يحاور الايرانيين تحت الطاولة، كما لمسناها في كوبا.
وهو لا يعني أبدا ان امريكا ستقيم تحالفا سريا مع كوبا ضد كولومبيا مثلا، فـ كولومبيا كما عواصم عربية وغير عربية، وكما تل ابيب تبقى عزيزة للغاية على قلب البنتاغون..
اما الانعكاسات الاقليمية على سياسات الاحتواء المزدوج فقد تؤدي الى خلط اوراق غير متوقع، وغير مسبوق في الاصطفافات والتخندقات السياسية على مستوى الاقليم كله.
ومن الواضح ان المصالحة السعودية – التركية في قلب هذه التحولات؛ حيث تشكل ايران الهاجس الأكبر للرياض، فيما تولي الامارات مثلا، اهمية أكبر للقاهرة، ومعها العاصمة الأردنية أيضًا.
هكذا وفي الخلاف على الاولويات التي فجرتها التفاهمات الامريكية – الايرانية الوشيكة، بين اولوية الهاجس الارهابي الاجرامي، ، تذهب المنطقة إلى تجاذبات "غرائبية" برسم التحولات في العراق قبل غيرها وخاصة المشروع العراقي وانابيب النفط العراقية والغاز الايرانية عبر الاراضي الأردنية الى مصر فأوروبا.
(العرب اليوم 2015-04-22)