تركيا الدراويش والوثنية

إذا كانت إيران دولة شيعية، فإن تركيا ليست دولة سنية بأي معنى من المعاني أو دلالة من الدلالات، وكل ما تطرحه أنقرة أو بالأحرى، اسطنبول، حول مكانتها ورعايتها لأهل السنة، هو من باب التوظيف السياسي:-
1. إذا كانت الدعائم أو الأسانيد الأساسية للتصنيف المذهبي "السني" تستند سياسيا إلى الحالة التاريخية التي تلازمت مع الصراع بين الأمويين وخصومهم وفقهيا إلى المحصلة العامة للمذاهب الأربعة ولاسيما ابن حنبل، وتستند "معرفيا" إلى الميل العام لأهل الحديث والنقل مقابل أهل الكلام والعقل، فإن تركيا ليست دولة سنية.
2. إن الأتراك العثمانيين غير الأتراك السلاجقة، وقد كانا على خلاف وتنافس مرير انتهى بتصفية العثمانيين للسلاجقة "السنة" تصفية دموية، وفي وقت متزامن تقريبا مع تصفية العثمانيين للأتراك الصفويين "نسبة إلى صفي الدين الطوسي المولود من أبوين تركيين في أذربيجان"، وقد تحولت ذريته إلى التشيع زمن السلطان اسماعيل الصفوي بتأثير الشيخ "علي الكركي" من جبل عامل اللبناني المتحدر من كرك الأردن..
3. إن الاسلام التركي العثماني مزيج من الطرق الصوفية، ومن أفكار الاسلام أبو حنيفة، وهو من اصل فارسي، وكان يعتبر نفسه تلميذا للإمام جعفر الصادق المؤسس الفقهي والمعرفي للشيعة الإمامية.
ومقارنة بالطرق الصوفية المقبولة عند أهل السنة أو بعضهم مثل الجيلانية والنقشبندية والشاذلية.. الخ فإن أبرز الطرق الصوفية التي شكلت قوام الاسلام التركي العثماني، هي بالإضافة للبكتاشية "أيديولوجيا الجيش العثماني وفرق النخبة فيه المعروفة بالانكشارية"، هي طريقة الدراويش التي أسسها ابن الرومي وكفرها أتباع ابن تيمية.
ولعل أبرز تعبير عن هذه الطريقة ما جاء في زاوية "قواعد العشق الأربعون"، للروائية التركية اليف شافاق، التي تدور أحداثها بين عوالم جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي وعائلة يهودية تركية.
4. ومما له دلالة أيضًا، أن السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق 1516 ضد المماليك "السنة" ووضعه سورية تحت الاستعمار العثماني قام بهدم كل أضرحة الامام أحمد بن حنبل واستبدالها بأضرحة للمتصوفة الكبار أمثال ابن عربي.
5. هذا عن الاسلام التركي وطرقه الصوفية السائدة التي يكفّرها تلاميذ ابن تيمية، أما عن الرمز التركي الأساسي ممثلا بالراية أو العلم التركي "الهلال وفي منتصفه النجمة على لون أحمر" فهو رمز وثني صريح إذا أخذناه بمجمله "الهلال والنجمة واللون"، فالنجمة والهلال، معا يشكلان ما يعرف بالأساطير والانثروبولوجيا المستمدة من علم الفلك والنجوم والكواكب، بظاهرة قران أو زواج النجم.
ففي الانثروبولوجيا والأساطير، يرمز الهلال إلى قرن الثور أو الكبش وترميزاته الذكورية، فيما ترمز النجمة الى الربة الوثنية "عشتار".
ويشار هنا، الى أن بعض الجماعات القديمة كانت تعتبر الولادات المصاحبة لهذه الظاهرة "قران النجم" ولادات مقدسة.
بل ان أوساطا من ديانات "العذراء" المختلفة التي لا تقتصر على المسيحية، كانت شديدة الاهتمام بالظاهرة المذكورة ومواليدها للتأكيد على الطابع المركب المتداخل للأرباب الوثنية، وذلك بخلاف غيرها ممن يفصلون بين الطبيعتين، الذكورية والانثوية.
ايضا، ليس مصادفة ان بعض السلالات التركية عرفت قبل اسلامها ثقافة تهتم بالولادات المقدسة المصاحبة لـ "قران النجم"، ولعلها قامت بدمجها في الدين الجديد، كما انتهى إليه البيرق او العلم العثماني "الهلال والنجمة".
ومن المعروف ايضا، أن اللون الأحمر، بتلازمه مع "اقتران النجم" يحمل دلالات وثنية عديدة، لبعضهما علاقة مع "الكوكب الأحمر" ، ومع نوع من الأحجار الكريمة وما ينسب لها من قوى سحرية، كما يمثل اللون الأحمر في حالة "الاقتران المذكور" إيقاعا طقسيا ماسونيا معروفا إلى جانب اللونين، الأزرق والأسود.

(العرب اليوم 2015-04-28)