توجان : هناك رأي ان رفع الاذان ليس ضرورة في عهد الساعات المنبهة ولا يجوز ان تتقدم على الاقصى تنانير النساء

المدينة نيوز – توجان فيصل - الإسلام السياسي بات شغل الدنيا الشاغل منذ عقود. فالأنظمة العربية الدكتاتورية تتذرع لإبقاء قبضتها على عنق الشعوب، بأن إرخاءها سيؤدي لقدوم الإسلاميين للحكم .
وأكبر خروج لهذا الإسلام السياسي من التنازع البيني مع الحكام، أو زعمه، كان بضرب برجي التجارة العالمية وسلسلة من محطات القطارات والفنادق. وكلها لا تشكل مصالح إسرائيلية، ولم يصب فيها إسرائيلي واحد.
وهو ما سهل تذرع أمريكا، والعالم من ورائها، لتجند جيوشا جرارة مزودة بأحدث آلات التدمير لغزو منطقتنا فيما أسموه ضربات «إستباقية»، وشكل في حقيقته حربا عالمية ثالثة شنت علينا كعرب ومسلمين.. ما يجعلنا نعتقد أن ما جرى استدراج وتوظيف للإسلام السياسي أكثر منه خروجا ذاتيا.
وبالمقابل، المعتدلون ودعاة السلام وحاملو الغصون والشعارات الخضراء في الغرب نشطوا فيما أسموه بحوار الأديان، على أمل أن يكون للكلام فعل التعويذة في تهدئة وتدجين هذا الوحش الإرهابي. والبحث والإنفاق (والأخير هو الأهم الذي روج لتلك الأنشطة) جار، عربيا ودوليا، على طريق إنتاج إسلام وإسلاميين جدد مطورين منزوع منهم «جينات» الجهاد.
ولكن بداية الإحساس بشوكة هذا الإسلام السياسي المستجد كانت،وما زالت لحد بعيد وبما يستنزف جل طاقاته، محلية. وتجلت في تكفير الآخر، المسلم بخاصة، بدعاوى الردة عن الإسلام. وكثر من قتلوا نفوسا حرمها الله وعقولا كرم الله أهلها في أكثر من إشادة بالعقل والدعوة لتفعيله .. فسقط عقل نابغ كفرج فودة على يد أبله، وشرد ونفي خارج الوطن العربي والإسلامي عقل كنصر حامد أبو زيد بجهود من لم يفهم ما كتبه أبو زيد ابتداء، وجرت محاولة اغتيال روائي فذ كنجيب محفوظ.. وغيرهم كثر.
فحين يخلط الدين بالسياسة، كما حين يخلط أي شيء آخر بالسياسة، تكون الغلبة للأهداف السياسية. والتاريخ زاخر بالأمثلة، لمن يريد أن يقرأ ليتفقه لا ليقفز على الحقائق في لي لعنقها هو أيضا «سياسي» بامتياز.
وهذا غير الأبرياء الذين سقطوا في تفجيرات لدور سينما أو مواقع سياحية أو ترفيهية في عالمنا العربي الإسلامي الذي يعاني من اكتئاب حاد - يجعل الحاجة للترفيه كالحاجة للخبز والدواء - بسبب أوضاع سياسية لم يستهدفها هؤلاء "المطوعون " بذات الحماسة، بل العكس جار.
فالأصولية الجهادية في مصر، بعد أن سفكت دماء مئات الضحايا الأبرياء، تطلب رضى ومغفرة النظام الحاكم بمراجعتها السياسية بامتياز، ولم تتب لله ولم تطلب مغفرة الشعب.
وتنظيم القاعدة في العراق، وتحديدا بعد أن نظمت أول انتخابات ديمقراطية بدرجة تؤمل ببداية خلاص العراق، هدد بشن حملة عسكرية ضد الأحزاب السياسية العراقية،بلا استثناء أو تمييز، قال انها ستكون «أهم عمل عسكري يقوم به منذ انطلاق مسيرة الجهاد المباركة في هذه الديار الحرة الأبية»!!!
ولو قاوم الإسلاميون على اختلاف مسمياتهم عسف الحكام، الذين جلهم ومن يومهم، مدعوم من أعداء الوطن، لما واصل عالمنا العربي- الإسلامي انحداره دونا عن بقية العالم.. ولكن معارك هؤلاء كانت ومازالت «بينية» وسلطوية.
ودليلنا أن القضية الوحيدة التي كسبوها بدرجة عالية جدا كانت الأكثر «بينية»، وهي حجاب المرأة. ومنذ أكثر من عقدين وعبر مكبرات صوت جامع قريب، سمعت خطبا عجيبة عن مكافأة من يحجّب نساء بيته في الآخرة.
المكافأة كانت بطوابير الحور العين اللواتي يدخلن تباعا كل بضعة آلاف سنة على ذلك الرجل في غرفة مرصعة بالمجوهرات.. ولم يشر الشيخ إلى ثواب المرأة التي تتحجّب أو تحجّب.
والصورة الغريزية في الاستحواذ على المال والنساء حد الانعزال الأزلي معهما في "غرفة "، واضح أن لا علاقة لها بالإسلام وتصويره لجنات الخلد.. ولكن ذلك الإغراء الحسي ثبت نجاحه عند المسيرين بغرائزهم، فكيف بالإغراءات الأسمى المسيّرة للأرقى فكرا والأشفّ روحا. وهو ما يجعلنا نتوقف عند العجز المفتعل في توظيف كليهما في أولويات العالم الإسلامي الذي تنتهك فيه أبسط وأهم حقوق الإنسان.
هذا مع العلم أنه في الإسلام الله يغفر كل ذنب، بل ويؤكد مرارا أن الكفر تحديدا أمر عقابه عند الله وحده بما لا يسقط العفو عنه، إلا التجاوز على حق لإنسان.. فهذا يبقى غير مشمول بغفرانه تعالى إن لم يسقط صاحب الحق حقه يوم القيامة. لو حظيت قضية وطن بما حظيت به قضية الحجاب وحده،لكان تحرر.
ومثل الحجاب وبالتوازي معه يجري الآن التركيز على قضية منع المآذن في سويسرا. هذا مع أنه لو فتحت قضية المآذن في العالم الإسلامي ذاته لوجدنا من يناقش في أنها لم تعد ضرورة في عهد المذياع والتلفزة والساعات المنبهة بل والموبايلات التي تضبط على صوت الآذان نفسه وبخيار صوت المؤذن الأجمل الموصى به في الفرض والسنة.. هذا إلى جانب من سيناقش بأن إيقاظ المرضى والملتزمين بساعات عمل غير منتظمة أو غير تقليدية , فيه إضرار بحق ومصالح البعض على الأقل.
فقد سبق وأثير مثل هذا في شؤون حداثية طرأت على طبيعة الحياة وأنتجت فتاوى تناسب العصر.
مقابل التركيز الكبير على قضية مآذن لمساجد أقيمت في بلد هاجر إليه المسلمون حديثا، وبحدّة قد تنذر المزيد من غير المسلمين بأن ثقافتهم ودينهم مستهدفان من المهاجرين الجدد، وبالذات حين غدا دعم هؤلاء لقضايا العالمين العربي والإسلامي المصيرية التي تحسم الآن، مطلوبا بقوة.. مقابل هذا نجد أن الأقصى المهدد كله بالهدم، لا يجد الحد الأدنى من الفعل الذي ليومنا هذا يُستنبت كالفطر في ليلة عاصفة، في مواجهة عقول ذنبها أن شيخا أحس بدونيته تجاه علمها، أو في مواجهة قرارات قد لا تعجب الجميع كما أي قرار يأتي في سياق ديمقراطي لمجتمع له رؤيته المختلفة. وديمقراطية أوروبا هي ما فر المسلمون إليه من عسف تقاعسوا عن مواجهته،المكلفة قياسا على مواجهة أنظمة حكم ديمقراطية مضيفة وبرلمانات أوروبية تتيح للمعارض أيا كان حرية التعبير .
وحين يتزامن رفع وتيرة الحشد لإنقاذ مآذن سويسرا وأوروبا مع تصريح لشيخ موظف لدى السلطة الفلسطينية من على فضائية كبرى بأنه «حتى لو هدموا المسجد الأقصى فإنهم لن يزيلوه من الوجود لأنه باق...» لا أذكر باق أين لعامل الصدمة، ولكن بمعنى انه في الوجدان أو التاريخ أو ما شابه.. وشيخ آخر دعا لهدم المسجد الحرام، فقط لكي يعيد بناءه بما يؤمن فصل النساء عن الرجال!! حين يقول رجال دين مثل هذا ولا يثير ضجة كبرى بين المسلمين.. فإن شبهة انتقائية خطيرة تصل حد التواطؤ باتت تحوم حول الإسلام السياسي بمجموعه.
وللمقارنة فقط نقول - وبما أن الحديث جار عن «اغتصاب الوطن والمقدسات» - لو أن أحد هؤلاء كانت زوجته أو ابنته، هذه التي حجابها وضع عمليا كأولوية على قائمة واجباته الدينية، كانت على وشك أن تغتصب.. هل كان سيجلس منظّرا بقول كهذا يوحي بأن السير في المخطط ممكن وانه إن جرى لن يغير الكثير، أم أنه كان سينهض لتوه ليدافع عنها ولو بأسنانه وأظافره، ويقبل الموت في المحاولة غاية وشرفا، حتى وإن استعصى الدفاع عن الضحية؟.
الأقصى هو أولى القبلتين وليس مسجدا مما قد يبنيه أثرياء فاسدون،لإكمال ديكورهم الدنيوي أكثر منه توبة لربهم.. وهو الرمز الأساس لشرعية وجود الإسلام خارج الجزيرة. فهل بلغ خلط الأولويات عند الإسلام السياسي أن تتقدم على الأقصى أمور مثل شعور وتنانير النساء، وهل أن فكرة الوطن البديل تلتها قباب ومآذن بديلة في سويسرا وبقية أوروبا، حيث الحياة رغدة دونما حاجة لنضال كالذي خاضه أولئك الأوروبيون لقرون ضد دكتاتورياتهم.. وصولا للحرب العالمية الثانية التي نصف سكان أوروبا اليوم هم ممن خاضوها كبارا أو دفعوا ضرائبها أطفالا، وبلا حساب لتتحرر أوطانهم؟؟!!.( الراية ) .
ملاحظة : لا نستقبل تعليقات غير خاضعة لقواعد النشر والرجاء من الاخوة المعلقين مناقشة المضمون .