خطبة الجمعة المقترحة : الإسراء والمعراج .. دروس وعبر

نشرت وزارة الاوقاق الخميس ، محاور مقترحة لخطبة الجمعة بعنوان "الإسراء والمعراج دروس وعبر" .
وفيما يلي عرض لتلك المحاور :
مع نهاية شهر رجب المبارك من كل عام تهب علينا نسائم ذكرى عظيمة يفوح عبقها في أرجاء المعمورة، وهي إحدى النفحات التي كرم الله بها أمةَ الإسلام، تلك هي ذكرى الإسراء والمعراج الشريفين، التي تلقى في ذكراها العديد من الخطب والدروس والمحاضرات، تقف على معانيها ودروسها وعبرها، تأتي هذه الذكرى العزيزة ونحن أمة الإسلام بأمس الحاجة إلى أن نتعرض لها وأن نتدبر فيها، ونستمد منها الدروس والعبر، لعلَّ هذه الأمة أن ترفع عنها الركام وأن تنهض من كبوتها.
لقد تجلت في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفي صفاته وأخلاقه ما ينبغي أن يتصف به كل مؤمن بالله تعالى من حسن ظنه بربه جل وعلا وصدق توجهه إليه وتوكله عليه، كيف لا والله تعالى هو السميع البصير، وليس من العجب أن نجد آية الإسراء تختم بهاتين الصفتين لله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الاسراء آية 1، فها هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتعرض إلى ألوان الإيذاء وأنواع البلاء ، فقابل كل ذلك بأن توجه إلى ربه خالقه مدبر أمره ، رافعًا يديه إلى السماء، مناجيًا ربه، معتذرًا إليه، متحبباً إليه، بكلمات كريمة ، وبدعاء صادق نبع من أعماق قلبه الذي امتلأ إيمانا ويقينا : "اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك.." .
وفي هذا الزمان فإن الأمة بأمس الحاجة أن تصدق في توجهها إلى الله تعالى كاشف الضر: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) النمل: ٦٢ فليس بعد العسر إلا يسرٌ ليس بعد الضيق إلا فَرَج ٌ .
لقد شاءت إرادة الله تعالى أن يُعرج بنبيه- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الأقصى في الأرض المباركة وليس من مكان سكناه حيث المسجد الحرام في مكة المكرمة ، فكان الإسراء أولا ثم المعراج، ولعل في هذا إشارة إلى مكانة المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين التي تشد إليها الرحال ، وتذكيرا للمسلمين بمرحلة سيكون المسجد الأقصى هو محور صراع ومواجهة بين الحق والباطل، فهذا هو أقصاكم أيها المسلمون، فإنَّ مكانته هذه لا تخفى على أحد منكم، وظلت الأجيال تلو الأجيال منذ العهدة العمرية تحمل أمانة رعايته والعناية به والدفاع عنه والذود عن حياضه، وتخليصه من أيدي المغتصبين، فكان التحرير الأول في عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ثم وقع أسيرًا في أيدي الصليبيين، ثَمَّ كان التحرير على يد صلاح الدين الأيوبي ومعه ثُلةٌّ من المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. وها هم الأعداء يطمعون في المسجد الأقصى المبارك مرة أخرى وما زال تحت نير الاحتلال اليهودي الغاشم، نسأل الله له التحرير والفرج القريب.. ورغم ذلك إلا أنَّ ثُلَةً مباركة ظهرت في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس تذود عن المسجد الأقصى فبذلوا أرواحهم ومُهجهم وقدَّموا قوافل الشهداء، وكان وما زال هذا البلد الأردن قيادة وشعبا الخط الأول الذي يعمل لتحرير المسجد الأقصى المبارك وثرى فلسطين الطهور، وما اتفاقية الرعاية الهاشمية للقدس والمقدسات إلا خطوة على طريق التحرير..
وفي ذِكْرى الإسراء والمعراج يجب ألاَّ ننسى أنَّ القدس وديعةُ سيِّدنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكلِّ المسلمين فالقدس ترتبط بعقيدة المسلمين لا بتاريخهم فحسب.. فهي أولى القبلتين.. توجه إليها المسلمون في صلاتهم نحو ستة عشر شهرا يؤمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. والأقصى المبارك تكتنفه مدينة القدس.. وهو ثالث الحرمين الشريفين.. تشد إليه الرحال وتهوي إليه القلوب.. وهو مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. ومن بيت المقدس عرج به عليه الصلاة والسلام الى السماوات العلا وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم رسالةٌ هامَّةٌ لكلِّ مسلم حملها الزمان جيلا بعد جيل: أنَّ علينا واجباً نحوَ البيت المقدس أيًّا كان موقعُه وموضعُه .
عن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله افتنا في بيت المقدس فقال: " ائتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله " اخرجه ابو داوود وابن ماجة واحمد.
وقال عليه الصلاة والسلام: " ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي " أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد .
عن أبي ذر رضي الله عنه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أم الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى في ارض المحشر والمنشر وليأتين على الناس زمان ولقدر سوط - أو قال : قوس- الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعا" اخرجه الحاكم والبيهقي .
إننا في الأردن حيث قدر الله تعالى أن نكون بجوار بيت المقدس ونتفيئ أكناف بيت المقدس.. سنبقى الرئة التي يتنفس منها أهلنا في القدس وفلسطين.. وسنبقى السند والدعم لهم ، ولن نبخل ولن يبخل كل أردني عن تقديم مهجته وروحه وكل ما يملك حتى يكتب للقدس والمسجد الاقصى المبارك وفلسطين الاستقلال والتحرر من قيود الاحتلال الغاشم.
أيها المسلمون إن حماية رمز الأمة : المسجد الاقصى المبارك والقدس الشريف، هو أولوية أردنية يعيشها أبناء الأردن جميعا قيادة وشعبا.. وها هو دورنا الأردني يبرز في القدس الشريف من خلال ما يقدم من رعاية وعناية ودعم مادي ومعنوي تثبيتا لأهلنا وحفاظا على مقدساتنا.. ومن ذلك ما ينقله لنا الإخوة المرابطين في المسجد الأقصى المبارك، ويشيدون بموقف أبناء الأردن ملكا وشعبا، حيث يؤكدون على آصرة الأخوة والمحبة.. ويؤكدون على أن الدعم الذي يقدمه هذا البلد أدى الى فتح أكثر من أربعين مدرسة يدرس فيها أكثر من خمسة عشر ألف طالب وطالبة، كلهم قد نذروا أنفسهم أن يكونوا خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى المبارك .