عبيدات .. بالألوان

المدينة نيوز ـ خاص ـ كتب محرر الشؤون المحلية - ليس أول مدير للمخابرات يصبح رئيسا للوزراء، فقد سبقه الرئيس مضر بدران لهذا المنصب، لكنه أول مدير للمخابرات يبدو منحازا لخيارات المعارضة السياسية في البلاد، منذ استقالته غير المسبوقة من عضوية مجلس الأعيان عام 1994 اثر توقيع اتفاقية وادي عربة.
يكتفي الآن برئاسته لجمعية البيئة الاردنية، وهي جمعية خارج دائرة الصراعات، بعد أن تمت تنحيته عن رئاسة المركز الوطني لحقوق الانسان بسبب توقيعه على بيان شديد اللهجة مع اقطاب المعارضة انتقد فيه اداء الحكومة وسياساتها.
احمد باشا عبيدات الذي عاد الى وظيفته الاولى محاميا، ظل اسمه خارج تشكيلة مجلس الاعيان الذي يضم في عضويته رؤساء الوزراء السابقين، واكتفى ابو ثامر بدوره الرقابي من خارج اسوار المؤسسة الرسمية.
في حرثا، على خاصرة اربد في اطراف سهل حوران ولد الباشا احمد عبد المجيد عبيدات عام 1938، ليحصل على شهادة المترك من المدرسة الصلاحية في نابلس عام 1956، قبل ان يتوجه الى بغداد لدراسة القانون في جامعتها التي دخلها في العهد الملكي وتخرج منها في العهد الجمهوري في زمن عبدالكريم قاسم.
الحقوقي الذي عاد من بغداد محاميا عام 1961، لم يذهب الى ممارسة مهنته، فقد اصبح ضابطا في الامن العام، قبل ان ينتقل الى دائرة المخابرات عام 1964 ليصبح بعد عقد من الزمان مديرا لها الى أن تم اختياره عام 1982 وزيرا للداخلية، وهو المنصب الذي فتح له بعد عامين ابواب الدوار الرابع ليصبح رئيسا للحكومة.
بعد هبة نيسان وعودة الحياة الديمقراطية للبلاد عام 1989 تم اختيار الباشا رئيسا للجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، وهي اللجنة التي ضمت في عضويتها كل الوان الطيف السياسي الاردني، لكن المعارضة التي رأت الباشا يقترب من خطابها السياسي، حافظت على مسافة معقولة من ميدان حركته، باعتباره واحدا من رموز مرحلة الاحكام العرفية، ولم تستوعب ان يكون ذلك "الرمز " فارسا في المرحلة الجديدة، الا من خلال المقولة الشهيرة "خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام ".
في السنوات العشرين الماضية وجه الباشا انتقادات لاذعة لبعض السياسات الحكومية، دفع ثمن ذلك ابعادا واقصاءا عن مواقع كان يشغلها، حتى بات بعيدا عن الواجهة تماما، لكن عصا الباشا كما يقول معاصروه من السياسيين كانت غليظة وهي تنهال على ظهور معارضيه في الثلاثين عاما التي سبقت الديمقراطية، واذا كان جيل الشباب من السياسيين والحزبيين الاردنيين لم يتذوقوا طعم عصا الباشا، فان "الرواد " لا يستطيعون نسيانها، ولا يريدون نسيانها اصلا، وهذا ما يجعل المسافة التي تفصل بينهما على اتساع دائما.
السياسي الذي قدم نفسه معارضا، فاجأ الشارع الاردني وهو يقدم نفسه قبل عدة سنوات رئيسا لهيئة الدفاع عن زميله الباشا سميح البطيخي، فالرجال لا يديرون ظهروهم لتاريخهم الشخصي، والسياسة لن تكون جدارا بين الباشا وزملائه او تلامذته او اصدقائه.
احمد عبيدات ظاهرة سياسية تستحق القراءة جيدا في زمن اختلطت فيه الاوراق والاصوات والنوايا ايضا، وصار الباشا يجلس على مقاعد المعارضة، فيما يتسلل بعض المعارضين الى بيت الحكومة، سواء من بابه الرئيسي او من ابوابه الخلفية والجانبية.
الامن والسياسة والقانون، رؤوس المثلث التي امسك بها دولة الباشا الذي يتحول مكتبه الخاص في بعض الاحيان الى صالون سياسي وبالألوان ، ولا يتحرج من حضور مناسبات تنتمي للمعارضة، على الصعيدين القانوني والسياسي.