بعد غرق عمان: من المسؤول؟

كنت أقود سيارتي لإيصال أطفالي إلى المدرسة، الساعة السابعة والنصف من صباح الخميس الماضي. وخلال نصف ساعة، تحولت الشوارع من حولي إلى بحيرات، وبدأت أزمة طاحنة أتت على أرواح ثلاث ضحايا أبرياء، بعد أن داهمتهم مياه الأمطار في غرف نومهم بالطوابق الأرضية.
هي أزمة تدلل، من دون شك، على أنه لا حول للبنية التحتية في بلادنا بأمطار غزيرة لنصف ساعة. فبعد سويعات قليلة، رصد جهازا الأمن العام والدفاع المدني أكثر من 400 حادث، ومحاصرة 740 سيارة، إضافة إلى محاصرة الأمطار لمئات المواطنين ودهم المئات من المنازل، وإخلاء عمال وموظفين من تجمعاتهم ومناطق عملهم. والمشهد الأسوأ كان في وسط البلد، حيث غرقت محال تجارية عديدة، جلها لبيع الألبسة، واتسعت رقعة الخسارة لتشمل مئات التجار، وبملايين الدنانير، مع نيتهم مقاضاة الحكومة بسبب ما لحق بهم.
حديث المسؤولين الدائم عن الجاهزية ورفع درجة الاستعداد إلى المتوسطة أو القصوى، لا ينطلي على أحد بعد هذه الانتكاسات في اختبارات قدرة البنية التحتية على تحمل الظروف الجوية المتغيرة. فبعد ثلاثة أعوام على التوالي من غرق الشوارع، ونحن اليوم في مستهل فصل الشتاء، يكون الاختباء خلف كلام معسول لا قيمة له على الأرض. وإذا كان ثمة فشل في تصريف مياه الأمطار، فلماذا لا نعترف بهذا الفشل، لنبدأ بإيجاد الحلول المناسبة لتجاوز هذه الأزمات التي بدأت تأخذ بعدا قاسيا وصعبا؛ إذ هي اليوم تحصد أرواحا لمجرد أن شوارع غرقت بالمياه، وأغرقت معها بيوتا، كما أطفالا وشبابا في أعمار الورود؟
الغضب ليس من طرف المواطنين أو نوابهم أو من المتضررين فحسب، بل شمل مسؤولين أيضا، في مقدمتهم وزير الداخلية الذي لم يخف "عدم رضاه" عن الأجهزة الخدماتية بسبب قصورها عن أداء دورها. وإذا كانت أمانة عمان غير قادرة على التعامل مع تحديات تصريف الأمطار، فالمأمول حتى لا تتكرر مأساة الخميس الماضي، أن تجد الدولة حلولا دائمة لهذه التحديات من دون مجاملات أو إنكار لحجم الأخطاء.
لم أر شارعا واحدا في مدينة ساو باولو -عاصمة البرازيل الاقتصادية- إلا واختلف منسوبه عند طرفيه مقارنة بوسطه. وهو اختلاف يسمح بمرور مياه الأمطار إلى أماكن تصريفها من دون جلبة أو ارتباك أو فيضانات. ففي تخطيط المدن والشوارع والجسور والبنى التحتية عموما، لا تترك مثل هذه الأمور للارتجال والتجربة والخطأ. وفي ظني أن معظم المسؤولين في أمانة عمان وسواها قد زاروا مدنا أجنبية عديدة، ورأوا تصاميم الشوارع، وربما تعرفوا على طريقة تصريف الأمطار في دول يستمر الهطول المطري فيها لأيام أحيانا من دون أن تغرق، بينما نحن غرقنا جميعا في غضون نصف ساعة!
بقاء أمين عمان أو رحيله، ليس هو المهم. الأولوية اليوم أن تكون الجاهزية في أعلى مستوياتها على نحو حقيقي، وليس بمجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، وبما يمهد لقطع الطريق على تكدس الأزمات بشأن أمور يمكن معالجتها بطرق علمية درجت على إعمالها دول عديدة، ونجحت فيها.
تبدو الإدارة وتحمل المسؤولية على الطريقة العربية في حالة بائسة وملتبسة. فالظروف الجوية مع بدايات فصل الشتاء كانت مسرحا لفشل كبير في شوارع الاسكندرية، وتبعتها أزمة بيئية جابت فيها أكياس القمامة مع الأمطار شوارع بيروت، وصولا إلى غرق شوارع عمان أواخر الأسبوع الماضي. وفي كل أشكال التعثر تلك، تقيد المسؤولية ضد مجهول!
(الغد 2015-11-07)