توقعات بنهاية قريبة للنظام في مصر بسبب هذا الشخص

المدينة نيوز - آلاف الشباب يصطفون على طول طريق الكورنيش في الاسكندرية ينظرون في صمت ناحية البحر ساعة الغروب، بينما يرتدون ملابس سوداء حدادا على خالد سعيد، واحتجاجا على مقتله.
هذا المشهد الرهيب الذي يتسع حجمه بينما يتكرركل يوم جمعة في ثاني اكبر المدن المصرية اصبح يمثل رمزا مركبا لقضية التغيير في مصر.
وفي مشهد مواز لا يقل اهمية، تحولت قضية خالد الى مظلة وطنية تجتمع تحتها قوى المعارضة الممزقة والضعيفة تقليديا، وجعلت بعض رموزها يشتركون معا للمرة الاولى في بعض الاحتجاجات، كما حدث في مظاهرة سيدي جابر بالاسكندرية الاسبوع الماضي والتي تصدرها الدكتور محمد البرادعي في اول ظهور له بوقفة احتجاجية، الى جانب قادة المعارضة مثل الدكتور ايمن نور زعيم حزب الغد وجورج اسحق القيادي في الجمعية الوطنية للتغيير، والمستشار محمود الخضيري شيخ القضاة وزعيم حركة 'مصريون ضد تزوير الانتخابات'، والدكتور اسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية والذي لا يشارك غالبا بنفسه في المظاهرات، وجميلة اسماعيل رئيسة حركة مصريات من اجل التغيير، وابو العز الحريري النائب السابق لرئيس حزب التجمع وغيرهم.
وحسب استطلاع اجرته 'القدس العربي' يجمع زعماء المعارضة على ان قضية خالد سعيد اصبحت تمثل تحديا متصاعدا للنظام وتهديدا حقيقيا لاستمرار فرض سيطرته الامنية على الاوضاع في البلاد.
ويرى أيمن نور، أن القضية اسهمت في نشر ثقافة الاحتجاج السلمي بين الناس، ومن هنا تتسع المشاركة كل اسبوع. ويشدد نور على شباب حزبه بضرورة المحافظة على الطابع السلمي للاحتجاجات وعدم الاستجابة لاستفزازات قوات الامن حتى لا يؤدي العنف الى اخافة الناس من المشاركة. ويعتبر ان التغيير في مصر اصبح وشيكا، وان نهاية نظام (الرئيس حسني) مبارك قد تكون اقرب مما يتوقعه كثيرون.
وكان نور لعب دورا رئيسيا في الكشف عن قضية مقتل خالد سعيد، عندما ذهب اليه شقيقه احمد واخبره بالواقعة في الاسبوع الاول من الشهر الماضي.
ويتفق زعماء المعارضة على ان قضية خالد سعيد تشكل نقطة تحول بالنسبة لقضية التغيير في مصر، وانها وفرت ارضية مشتركة للعمل بين مختلف القوى المعارضة وان كانت لم تحل الخلافات بينها.
وينبه الدكتور اسامة الغزالي حرب الى اهمية الاثر التراكمي للقضية على الحراك الشعبي متوقعا ان تتسع رقعة الاحتجاجات في المرحلة المقبلة. واشار حرب الذي كان رفض قرارا من الرئيس مبارك بتعيينه في مجلس الشورى مؤخرا، الى اهمية الجمعية الوطنية للتغيير كمظلة لعمل كافة القوى المطالبة بالتغيير.
وعلى عكس حزب الغد اكد ان حزب الجبهة قرر مقاطعة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة احتجاجا على غياب اي ضمانات لنزاهتها في غياب الاشراف القضائي بعد تغيير المادة 88 من الدستور في العام 2007.
ويؤكد الدكتور عصام العريان عضو مكتب الارشاد ورئيس القسم السياسي في جماعة 'الاخوان المسلمون' ان الجماعة تشارك في كافة الاحتجاجات الشعبية الخاصة بقضية خالد سعيد، ولكن بقدر لا يخل بالتوازن في تمثيل القوى السياسية، ضمن اتفاق مسبق معها. وبرر عدم طلب نواب الجماعة لاستجواب وزير الداخلية بشأن القضية حتى الان، بأن الوزير لا يحترم البرلمان ولا يحضر اليه الا لسماع خطابات السيد الرئيس، مذكرا بأن اخر وزير داخلية خضع لاستجواب في البرلمان كان اللواء زكي بدر قبل اكثر من عشرين عاما.
واكد العريان ان الاخوان يمدون ايديهم للجميع، وان المرشد الدكتور محمد بديع يجري بنفسه اتصالات على اعلى مستوى مع باقي القوى الوطنية للتنسيق والتعاون بشأن ابرز الملفات الوطنية مثل قضية خالد سعيد والاستعداد للانتخابات التشريعية العامة المقررة بعد عدة شهور، مشيرا الى ان هذه الاتصالات مازالت في بدايتها.
ويلتزم العريان بتأجيل اعلان الموقف الرسمي الحالي للجماعة بشأن قرار المشاركة وحجمها في الانتخابات المقبلة، الا ان تصريحاته تشي بأن الجماعة ستشارك، ولكن بعدد اقل من المرشحين، وانها تتوقع الفوز بعدد اقل كثيرا من المقاعد التي تشغلها حاليا في البرلمان وهي 88 مقعدا.
ويقر العريان الذي دخل مكتب الارشاد في شهر يناير ضمن ما عرف بـ'زلزال انتخاب المرشد' ان الجماعة لم تتعاف بعد من اثار الازمة، مع استمرار الخلاف مع النائب الاول السابق الدكتور محمد حبيب.
اما المستشار محمود الخضيري الذي كان استقال من منصبه كنائب لرئيس محكمة النقض العام الماضي احتجاجا على ما يعتبره 'تدخل النظام في عمل القضاء' فيعتبر ان النظام يدفع البلاد الى الهاوية باصراره على تزوير الانتخابات، وان اليأس من التغيير السلمي عبر صندوق الاقتراع، سيدفع الناس الى الثورة العنيفة التي قد تكون مدمرة للجميع حسب رأيه.
ويشير الى ان النظام يستطيع قمع مظاهرة يشارك فيها المئات او الالاف لكنه لا يستطيع ان يقمع مظاهرة يشارك فيها الملايين. ويقول الخضيري 'على المصريين في طول البلاد وعرضها الخروج في مظاهرات كل جمعة بعد الصلاة، وعندئذ لن يجد النظام ما يكفي من قوات الامن لقمع كل هؤلاء وتشتعل الثورة' حسب تعبيره.
الا ان المراقب لحالة المعارضة لا يمكن ان يغفل استمرار معاناتها من امراض النخبة السياسية وبينها الشخصنة، والتنازع على الزعامة وعدم القدرة على تحريك القاعدة الشعبية او التواصل معها احيانا.
وحسب قيادي في الجمعية الوطنية للتغيير تحدث لـ 'القدس العربي' مفضلا عدم ذكر اسمه فان 'العلاقة شبه مقطوعة بين الدكتور البرادعي وقيادات الجمعية الذين لا يملكون وسيلة اتصال مباشرة معه، وان البرادعي عين سفيرا سابقا كهمزة وصل معهم، وانه يستخدم مجموعة عمل بديلة غير معروفة لهم، كما رفض المساهمة ماليا لاستئجار مقر للجمعية في القاهرة بدلا من منزله في بداية الطريق الصحراوي وما اثاره ذلك من حرج وحساسيات، واشار الى ان البرادعي يتحفظ على اتخاذ مواقف محددة تجاه بعض السياسات الاسرائيلية ربما مراعاة لعلاقاته الجيدة مع بعض الجهات الدولية، ما ادى الى احباط وخلافات واسعة في قيادة الجمعية، ناهيك عن غياب رؤية واضحة للعمل مع اصرار البرادعي على التوقيعات كسبيل وحيد للضغط على النظام'.
إلا ان جورج اسحق نفى هذه الادعاءات مشيرا الى انه يتواصل مع الدكتور البرادعي اكثر من مرة يوميا، وان الجمعية في طريقها لاتخاذ مقرات في العديد من المدن، رغم التضييق الامني على نشاطها واعضائها، وان قيادات الجمعية منسجمة في عملها مع اختلافات طبيعية في الاراء احيانا، وبالنسبة للتوقيعات اقر اسحق بأن الجمعية قد تفشل في جمع مليون توقيع الا انها لن تكتفي بها، بل ستوسع تحركها بين الناس مستشهدا بمشاركة البرادعي في الوقفة الاحتجاجية في الاسكندرية الجمعة الماضي، واكد ان البرادعي تحفظ على احد البيانات التي صدرت عن الجمعية بسبب بعض التعبيرات الا ان موقفه كان واضحا في المطالبة بانهاء الحصار المفروض على غزة.
ويلحظ المراقب لاوضاع المعارضة وجود فجوة يغذيها الاحباط بين القاعدة الشبابية التي هي وقود حركة الاحتجاجات، ورموز المعارضة، اذ يتهمون بعضهم بانهم يسعون لركوب موجة قضية خالد سعيد، وان بعضهم يحضر المظاهرات لاسباب دعائية وسياسية. وانتقد احدهم انسحاب البرادعي من مظاهرة الجمعة الماضي، معتبرا انه غادر مستنكرا لهتافات دعت لسقوط مبارك، ولمسؤولية نظامه عن مقتل خالد سعيد.
ويخلص المراقب للمشهد المصري الذي لا ينقصه الزخم والغموض في آن، الى ان تغييرا ما قد حدث بالفعل في مصر السياسية والشعبية بسبب قضية خالد سعيد، وان تغييرا اكبر تتبلور ملامحه على مدار الساعة في وتيرة متسارعة، والسؤال ليس ان كان سيحصل ولكن متى والى اين سيؤدي بالبلاد التي طالما تبدل بتغيرها مسار التاريخ ( خالد الشامي – القدس العربي ) ..