دراسة تحليلية للخطاب السياسي بافتتاحيات الشريف الحسين بن علي في جريدة القبلة

المدينة نيوز:- قدم استاذ الأدب الحديث الدكتور عماد الضمور، ضمن نشاط كتاب الاسبوع الذي تقيمه دائرة المكتبة الوطنية كل يوم احد، دراسة تحليلية وصفية للخطاب السياسي في افتتاحيات الشريف الحسين بن علي لجريدة القبلة سنة 1916.
وبين إنّ الأفكار والرؤى التي يطرحها الخطاب التنويري النهضوي يشتغل وفق آليات لغوية وفكريّة تمتد إلى المستقبل اعتمادا على افتتاحيات الشريف الحسين بن علي لجريدة القبلة "الصادرة في عددها الأوّل في 15/ شوال 1334 هـ.
وحاولت الدراسة الوقوف على مظاهر "الخطاب السياسي" لافتتاحيات الشريف الحسين بن علي في جريدة القبلة عند المثقف العربي تحديداً، بوصف الأخير العلامة الأبرز لتحقيق ما يفترض أنها أهداف يسعى الخطاب النهضوي لتحقيقها؛ كالحرية، والحياد، والتضحية، والوحدة في الجماهير، والاحترام، وغيرها من أهداف تنويرية لا يمكن بحال من الأحوال تحقيقها من خلال خطاب يمارس في سياقاته اللغوية وتراكيبه أساليب السلطة والإقصاء والاستعلاء.
وقال الدكتور الضمور ان انطلاق الثورة العربية الكبرى في العاشر من حزيران عام 1916 بهدف تحرير العرب من قوى الظلم والاستبداد التي سادت البلاد العربية أواخر الحكم العثماني، جاء متوافقاً مع حلم تحقيق دولة عربية موحدة بقيادة الشريف الحسين بن علي( 1908- 1931م)، لذلك فالثورة العربية الكبرى ثورة قومية عربية إسلامية، تبتعد عن الإقليمية الضيقة، تنتمي إلى عقيدة دينية راسخة في الأذهان، وتؤكد الولاء للعروبة، وأهمية الدفاع عنها.
واضاف ان الثورة العربية الكبرى هدفت إلى" تأسيس أوّل مملكة عربية مستقلة في العصر الحديث في الحجاز وسوريا، وغرس الروح القومية وأفكار الحرية والثورة في نفوس العرب، وتدريب أبناء العرب على فنون الحرب وخاصة حرب العصابات، وتأسيس إمارة شرقي الأردن وحمل الأردن لرسالة الثورة العربية.
وفيما يخص الجانب الإعلامي للثورة العربية الكبرى، فإنّ جريدة " القبلة" تولّت التعريف بالنهضة العربية الكبرى، وبيان منطلقاتها، وأهدافها، ومسارها العسكري، حيث تولّى رئاسة تحريرها محب الدين الخطيب ثم الشيخ الطيب الساسي، واشرف المغفور له الشريف الحسين على سياستها وكتب بعض مقالاتها، وصدر العدد الأوّل منها يوم الاثنين 15 شوال 1334 هـ.
وبين في الامسية، امس الاحد، والتي أدارها الدكتور لؤي البواعنة "ان جريدة القبلة شرحت "المشروع النهضوي الهاشمي، وردود الفعل عربياً وعالميّاً وإسلاميّاً بإسهاب من خلال التعاون القائم بينها وبين هذه الصحف، حتى كانت بحق المصدر الأساس والسجل الحافل للنشاط الفكري والسياسي الذي شهدته المنطقة العربية في الفترة ما بين (1916-1924م) كما بينت لنا بدايات النهضة التعليمية والاقتصادية والزراعية والاجتماعية في الحجاز والتي تمثلت بإنشاء المدارس والمعاهد وإقامة المشافي وتنظيم الأحوال العامة، وذلك من خلال الإرادات السنيّة التي استهدفت النهضة العربية بكلّ معانيها وأبعادها.
وتطرح الثورة اتجاهاتها الفكرية في كلّ عدد من أعداد جريدة القبلة التي يمكن إيجازها بأن الثورة ثورة إسلامية تسعى لنصرة الإسلام وتحسين حال المسلمين والثورة ثورة قومية تسعى لتحقيق العدالة لأبناء القوميات بعامة والعرب بخاصة والنهوض بالأمة العربية إلى مصاف الأمم الحيّة، كي تمتلك حقوقها القومية التي هي حقوق طبيعية للأمة يمكن إجمالها بأن تكون لها دولتها الحرة المستقلة، والثورة ثورة توفيقية بمعنى أنّها لا ترى تضارباً بين العروبة والإسلام وأنّها في اتجاهاتها للنهوض بالعرب إنما تخدم الإسلام عامة".
والقارئ لافتتاحيات جريدة القبلة يلمس تعدد كتّابها، إذ جاء بعضها بذكر الاسم، وبعضها الآخر دون توقيع، أو توقيع( ف)، بقلم كاتب فاضل، أمّا أشهر الأسماء التي كتبت في جريدة القبلة، فإن الشيخ فؤاد الخطيب جاء في مقدمتهم، كذلك نعثر على مجموعة أسماء لعلماء ومفكرين عرب كتبوا في افتتاحية الجريدة مثل: سامي البكري، الأمير عبدالله بن الحسين، كذلك فإن الشريف الحسين بن علي كتب عدة افتتاحيات في الجريدة موقعة باسمه.
ووقفت الدراسة في تحليلها للخطاب عند ثلاث افتتاحيات كتبها الشريف الحسين بن علي، جاءت في الأعداد ( 11) و( 31) و(58) من جريدة القبلة، إذ جاءت ممثلة لمجمل الخطاب السياسي الذي تبنته الجريدة وهو خطاب منسجم مع تطلعات العرب القومية في ذلك العصر.
واوضح الدكتور الضمور ان سلطة الخطاب تجلت بافتتاحيات الشريف الحسين بن علي لجريدة القبلة من خلال الأساليب اللغوية التي تبناها الخطاب وعملية التواصل اللسانيّة، وذلك من خلال جملة من الاستراتيجيات الأسلوبية التي تمثلت في نبذ خطاب السلطة القائم على الاستبداد، وتبني الخطاب الاسلامي المعتدل.
وبين ان خطاب الشريف الحسين بن علي يقوم على الاعتدال ونبذ التطرف الفكري، كما يُضفي الطابع الإسلامي على خطاب الشريف الحسين نوعاً من المحبة والتشاركيّة والتخفف من استبداد السلطة وهيمنتها، إذ منح التأثر بالتعاليم الإسلامية الخطاب السياسي عقلانية تقوم على الحجة المبررة للثورة على الاتحاديين، فضلاً عن إضفاء صبغة إسلامية ذات شرعية واضحة على فعل الثورة.
واشار الى ان انسجام الخطاب مع المضمون أمر واضح في افتتاحيات الشريف الحسين، جعلت القارئ له يدرك أن فعل النهضة شامل لجميع أرجاء البلاد العربية وقاطنيها.