من الديمقراطية ذنبها!

تم نشره الخميس 01st أيلول / سبتمبر 2016 12:21 صباحاً
من الديمقراطية ذنبها!
د.ديمة طارق طهبوب

ستتعب يدك واصبعك وأنت تنزل بفأرة الكمبيوتر لتستعرض لائحة طويلة من الاحزاب الاوروبية المصنفة كأحزاب مسيحية ديمقراطية وهي امتداد لحركة الديمقراطية المسيحية التي بدأت في القرن التاسع عشر في أوروبا واجزاء من امريكا اللاتينية كردة فعل على العلمانية وتتبنى في أساسيات نظمها تطبيق الشريعة المسيحية في السياسة العامة وتتبنى خطا محافظا في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولهذه الاحزاب والحركات وجود ونواب وممثلون في كافة المستويات السياسية ولها برامج وطروحات تتنافس مع الاحزاب الأخرى دون تضييق او ملاحقة!

نتطلع دائما الى الديمقراطية الغربية ونراها مدرسة ونظل نقارن أنفسنا بها، ولكنها مقارنات سطحية تعمد الى التقليد وسياسة الكوبي بيست دون نظر في ملاءمة التجربة بلادنا من عدمها، ففي الوقت الذي ينادي فيه البعض بدولة مدنية، ويقدم نفسه كدونكيشوت في مقارعة طواحين هواء من اختراعه يتناسى عن قصد وعمد لتضليل الجمهور ان الصراع الديني المدني الذي عانت منه اوروبا فنادت بشنق اخر ملك بأمعاء آخر قسيس لم تعاني منه ثقافتنا العربية بهذه الحدة والتطرف، وإنما وقفت المؤسسة الدينية في كل كثير من الاحيان مع الشعب ضد السلطة الحاكمة وكان علماء الدين شوكة في حلوق بعض الحكام الذين رسخوا للملك العضود والتسلطي وما رأينا انفصاما وتغيرا في دور المؤسسة الدينية الا عندما نسيت رسالتها وجلست في احضان السلطة تسول لها مزيدا من الاستبداد والبطش وجُهّال الدين خطرهم كخطر من ينادون بعزله في زاوية لا يراه ولا يسمعه الا دراويش أصحاب طقوس لا قادة تغيير!

ان دولة الاسلام لم تكن في يوم دولة دينية بالمعنى الثيوقراطي، اي دولة رجال دين وكهان، وإنما هي دولة مدينة ومدنية، والناظر في وثيقة المدنية يجدها تتفوق على كافة العقود الاجتماعية التي عرفها الغرب بعد قرون من الحروب والنزاعات والخسائر البشرية كالماجنا كارتا ووثيقة الاستقلال وغيرها.

تعود اوروبا بعد عقود من العلمنة والمدنية والحداثة ترافقت مع حصاد مر في الاخلاق الاجتماعية لتؤسس احزابا وحركات وجامعات قائمة على الدين والتبشير به، والعمل على استعادة فعاليته في كل الميادين بما فيها السياسة، وفي جانب آخر يظهر في فلتات لسان كثير من السياسيين الذين يدعون الدبلوماسية وجود عقيدة دينية تحركهم، ومشروع كبير يحاولون تطبيقه من خلال السياسة!

في اوروبا الديمقراطية لا تفرض العلمنة فرضا على الناس ولا تلبس لباس التنوير والتحضر ولا يشيطن الآخر الذي يريد ان يحافظ على دينه، ولكن يفتح الميدان للتنافس ولتقول الاغلبية كلمتها بينما يراد لنا في بلدنا الاردني الهاشمي ان نرضى قسرا بالتيار العلماني وبكل الاجراءات التي تلازم توطينه في بيئاتنا الاجتماعية، وكأنهم يريدون لنا ان نقبله رغما عن أنوفنا!

في الوقت الذي ينزع اقرب واخطر كيان يهددنا الى مزيد من الادلجة وتبني الاجندة الدينية التوراتية فيما يخص صراعنا الوجودي معهم يراد لنا ان نتخلى طواعية او غصبا عن كل منظومتنا الدينية والثقافية والاخلاقية التي ستجعلنا نصمد في وجه مخططاتهم المعلنة زمنيا في عام ٢٠٢٠ لإكمال التهويد ويهودية الدولة وتصفية حقوق اللاجئين والعودة على حساب الأردن والمنطقة!

فهل من ينادون بالعلمنة يريدون مصلحة الاردن بلدا وشعبا او يعملون ضده؟

يريدون من الديمقراطية فصل الدين عن الدولة فماذا عن الاهم من تحصيل وتحصين الحقوق والحريات وارساء مبادئ العدالة وسلطة القانون وايقاف الفساد الخ من مظاهر التقدم؟!؟!

من ينسى الأهم ويغفل الاولويات لا يكون صاحب مصداقية وانما فزعة هوجاء مشكوكة في منطلقاتها ومآلاتها!

من يأخذ من الديمقراطية ذنبها صعب جدا ان يصل ويوصل الناس الى رأسها!

(السبيل 2016-09-01)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات