هل يكون ترامب سبباً في اخفاق روحاني في الحصول على ولاية رئاسية ثانية في إيران؟

المدينة نيوز :- عزز الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى من نفوذ المعتدلين وأعاد إلى الواجهة من جديد، الإصلاحيين الذين كانت نكستهم قوية في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في حزيران/يونيو 2009، ليس فقط لأن نتائج الانتخابات أظهرتهم خاسرين، بل بسبب حجم الملفات القضائية التي شكلت لهم وأدت إلى اعتقال كبار رموزهم، بل وحتى وضعت أبرز المرشحين في الإقامة الجبرية وهما مير حسين موسوي ومهدي كروبي.
وفاز الرئيس الحالي حسن روحاني في انتخابات 2013، ليس لأنه كان بعيداً عن السجالات والصراعات التي كانت أبرز ما ميز ولاية سلفه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وحسب إذ لم يتورط بالانحياز لتيار ولا حتى لشخص بشكل مباشر، بل لأنه وعد الإيرانيين كلهم بتحسين أوضاعهم الاقتصادية عبر حل الأزمة النووية، والغاء العقوبات خصوصاً قرارات مجلس الأمن التي صدرت كلها ضد إيران في فترة ولاية أحمدي نجاد.
كما وعد روحاني جمهور الإصلاحيين الذين لم يقاطعوا الانتخابات كما كان يفترض، وشاركوا فيها بنشاط مذهل رغم تعرضهم لقمع غير مبرر في الانتخابات السابقة، بالافراج عن المعتقلين بسبب تلك الانتخابات، وبشكل خاص، الغاء الإقامة الجبرية عن موسوي (وزوجته زهراء رهنورد) وكروبي. لكن روحاني كان شدد على الملف النووي أولاً ليقنع القائد المرشد سيد علي خامنئي، وجمهوره الذي انتخبه، بقدرته على فتح الأبواب الصعبة والمعقدة بمفتاح الأمل… الذي كان شعاره الانتخابي.
وعود انتخابية
وبالفعل نجح روحاني في خطب ود الولي الفقيه الذي منحه الضوء الأخضر في التحرك صوب إنهاء الأزمة النووية، ليساعده ذلك أيضاً في تهميش المتطرفين الذين يسيئون دون أن يعلموا، لمبادئ الجمهورية الإسلامية في التعايش السلمي مع الدول وإقامة علاقات متوازنة على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ولكن خامنئي الذي يفرض عليه منصبه كولي فَقِيه وصمام أمان النظام، أن يرفع دائماً من سقف التوقعات والمطالب والأهداف، شكك منذ البداية بنوايا الطرف الآخر في المفاوضات النووية، وأعرب في مرات عدة عن اعتقاده أن أمريكا بشكل خاص وهي باتت الطرف المباشر في المفاوضات النووية بعد أن كانت بعيدة عنها (إذ كانت المفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية) لا يؤمن شرها، وحذر من الوقوع في فخ «الابتسامات» الأمريكية «الصفراء».
وحتى في السجالات الأخيرة وزيادة وتيرة المشككين بجدوى الاتفاق النووي، فقد ارتفعت أصوات المتشددين المطالبين بحرقه مقابل تهديد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بتمزيقه.
خامنئي وروحاني
واعتمدت وسائل إعلام الحرس الثوري على ما كان يكرره خامنئي بأنه أيد فقط الخطوط العريضة لما كان يجري أثناء المفاوضات، وهو لم يتدخل في التفاصيل، ليقنع الحرس الثوري جمهور المرشد المؤيد لروحاني بأن الرئيس ارتكب وفريقه التفاوضي أخطاء جسيمة في التفاصيل، وبذلك فهو غير مؤهل ليخوض سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في أيار/مايو السنة المقبلة.
ومع الترقب المستمر لما سيفعله ترامب بعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/يناير المقبل، وفي ضوء مصادقة الكونغرس الأمريكي على قانون ألفونس داماتو الذي يمنع الاستثمار في مشاريع نفط وغاز إيرانية بأكثر من عشرين مليون دولار، فقد زاد ذلك من توجيه السهام في الداخل لروحاني وقد اعتبر خصومه فشل الاتفاق النووي مع الغرب نتيجة التدبير السيئ والسياسة الخاطئة لحكومته غير المسؤولة.
فقد هاجم السفير السابق في ايطاليا أبو الفضل ظهره وندد خلال مناظرة بينه ومهدي رحمانيان مدير صحيفة «شرق» المقربة من الحكومة، في جامعة شيراز، روحاني وقال إن وثيقة الاتفاق النووي بالنسبة لإيران أسوأ من ميثاق «تركمن تشاي» التي توصف بأنها استعمارية في التأريخ الإيراني، ولن يتخلص الشعب بسهولة من تداعياته «ولا أرى أي فخر في هذا الاتفاق لإيران».
وأضاف: قبل توقيع الاتفاق، ذهبنا ووقفنا نشاطاتنا النووية وأكدنا على هزيمتنا في الاتفاق النووي مسبقا.
وقال في هذا السياق أيضاً نائب البرلمان السابق القيادي النافذ في التيار المتشدد محمود نبويان «يجب أن نبني للاتفاق النووي تمثالاً لكي يشاهد الشعب العمل المهين الذي قامت به حكومة روحاني ومسؤولوها الذين يسعون من وراء هذا الاتفاق إلى الوصول إلى حياة اللعب واللهو».
وتابع «من يبني صداقة ورفاقة مع أعداء الشعب لا يمكنه أن يكون أميناً على مصير البلاد، وثرواته ومستقبله الذي يضمن عزة الأجيال اللاحقة».
وفيما يتعلق بإشراف المنظمات الدولية على المؤسسات النووية والعسكرية الإيرانية أوضح نبويان بقوله «إن حكومة روحاني وضعت المراكز العسكرية تحت الإشراف المباشر لأعداء إيران من خلال وضع كاميرات وأجهزة للمراقبة المتواصلة كما فتحت أبواب البلاد على مصراعيها لدخول فرق التجسس التي تهدد مستقبل الدولة».
وحول الغموض الذي يحيط بالاتفاق النووي، طالب نبويان حكومة روحاني بالتوضيح الشفاف والعلني قائلاً «على حكومة روحاني الخروج من صمتها المريب من خلال التوضيح الشفاف للغموض الذي يحيط بالاتفاق النووي الإيراني، كما عليها الابتعاد عن اللف والدوران والتطبيل الكاذب لتلميع صورة بعض المسؤولين عبر الصحف غير المسؤولة بهدف تضليل الشعب».
صراع انتخابي
ويمكن القول إن الصراع الانتخابي على الرئاسة بين تيارات النظام هو المهيمن الآن على المشهد السياسي في البلاد بما يجعل إلقاء الاتهامات يتجاوز في الكثير من الأحيان المكاسب التي حققها الاتفاق النووي لإيران على صعيد تحسين صورتها الخارجية وأظهرها داعية حلول سياسية للأزمات عبر الحوار، وأن نقض الاتفاق من قبل الولايات المتحدة سيؤخذ على أنه تأكيد لشكوك خامنئي، ويعزز بذلك مقولة سلفه الإمام الخميني أن أمريكا شيطان أكبر، ولا يمكن الوثوق بها.
وبينما دافع الرئيس روحاني عن موقفه مطمئناً مواطنيه أن إيران لن تسمح للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بإلغاء الاتفاق النووي، مضيفاً أن ترامب «يريد القيام بالكثير من الأمور لكن لن يؤثر أي من أفعاله علينا. هل تعتقدون أن بوسع الولايات المتحدة إلغاء خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بالاتفاق النووي؟ هل تعتقدون أننا وبلدنا سنسمح له بالقيام بذلك؟» فان المرشد بدوره قدم دعماً لروحاني في هذا الاتجاه محاولاً كما يبدو الضغط على إدارة ترامب عندما أوعز إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، بما يمكن القيام به للرد، فيما لو تعللت واشـنطن في تطبيق الاتفاق النووي، أو انتهكته وذلك بعد اجتماع عقدته اللجنة المشرفة على الاتفاق النووي.
وحرص روحاني على أن تصدر هذه الإجراءات المضادة، من لجنة خاصة من المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يرأسه، أمر بتشكيلها خامنئي، للاشراف على تطبيق الاتفاق النووي.
روحاني شدد لوزير خارجيته على ضرورة قيام المسؤولين الإيرانيين بتقديم تقرير حول الخطوات المتخذة خلال شهر، وأكد في رسالة منفصلة إلى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية صالحي على ضرورة إجراء التخطيطات اللازمة لتصميم وتصنيع محرك الدفع النووي للاستخدام في قطاع النقل البحري إلى جانب إجراء الدراسات المتعلقة بتصميم إنتاج الوقود المستخدم في الدفع النووي بالتعاون مع المراكز العلمية والدراسية.
التشدد مقابل التشدد
وفي هذا الواقع يطالب الكثيرون في إيران أن تنتهج البلاد نهجاً متشدداً تجاه السياسات الأمريكية المقبلة تتناسب مع طبيعة المرحلة، بما جعل وزير الدفاع في حكومة الرئيس وهو منصب يقضي الحصول عليه موافقة المرشد مسبقاً، يطلق تصريحات لا يستبعد فيها حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وأمريكا في الخليج وأنها قد تتحول إلى حرب عالمية من نتائجها نهاية الكيان الصهيوني واندثار دول جنوب الخليج!.
هذه التصريحات ترسل إشارة واضحة إلى أمريكا والمنطقة عن طبيعة السياسة التي ستنتهجها الحكومة الإيرانية المقبلة سواء كان رئيسها روحاني، أو من المتشددين يجمع عليه التيار المحافظ بكل أطيافه، وأن روحاني نفسه سيكون اعتداله «مقيداً» بأكثر من قيد كي لا يفقد في الأساس موافقة مجلس صيانة الدستور على ترشحه وكي لا يحسبه هذا المجلس فاقداً لشروط الترشيح. وأيضاً سيفشل روحاني نهائياً في تنفيذ الشق الثاني من وعوده الانتخابية في شأن المعتقلين وما تبقى من ملف انتخابات 2009 إذا خرج من السباق الانتخابي، وهو يظل يبني آمالاً على التزام واشنطن بالاتفاق النووي، معتمداً كذلك على وعود من الرئيس الروسي بوتين، ومن الاتحاد الأوروبي الذي هو أيضا يريد المضي بالعلاقات مع طهران إلى مراحل متقدمة.
وحتى يحسم الإيرانيون أمر الرئيس المقبل، تتجه كل الأنظار إلى ترامب وما يمكن أَن يفعله مع إيران ما بعد كانون الثاني/يناير وقبل أيار/مايو موعد الانتخابات الرئاسية في إيران.القدس العربي