حين اصطدم منطق الدين بمنطق السياسة..!

تم نشره الجمعة 20 كانون الثّاني / يناير 2017 12:38 صباحاً
حين اصطدم منطق الدين بمنطق السياسة..!
حسين الرواشدة

ليس لدي ادنى شك بان «الاسلام» صالح لكل زمان ومكان وبان حركته في الحياة تشمل كل المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها، وبانه يشكل «الباعث» الحضاري الاهم لدى امتنا، سواء في تجربتها الماضية او الحاضرة او القادمة لكن السؤال هو: اي اسلام هذا الذي نقصده؟ 
بالطبع نحن نتحدث عن النص الديني الذي نعتقد جميعا انه ثابت ومقدس و»مهيمن» على ما سبقه من شرائع، وموقف المسلمين من هذا «الدين» بمعناه النصي يبدو موحّدا ولا خلاف ابدا عليه، لا من حيث اهميته في حياتنا ولا من حيث الالتزام به واعتماده كدليل وكباعث للتدين والتحضر في حياتنا لكن اذا ما تجاوزنا هذا «التوافق» الى مسألة «التدين» بمعنى فهم هذا النص وانزاله على واقعنا كسلوك بشري فاننا سنصطدم «بواقع» مختلف تماما، فالتدين  السائد في اغلب انماطه لا يعكس حقيقة «الدين» ولا يعبّر عنه، بل على العكس تماما فقد يتعارض معه لدرجة ان ما يفعله بعض «المتدينون» احيانا يسيء الى الدين وينفّر منه ويلحق به اضرارا بالغة كما انه يلحق «باتباعه» من المسلمين اضرارا اشد، والاخطر من ذلك انه «يولد» لدى البعض القناعة بان «الدين» هو الذي يقف  ضد تقدمنا ويغذي لدى الآخرين الحريصين على طرد الدين من حياتنا العامة مثل هذه الفكرة، فيما الحقيقة ان الذي كرّس لدينا «التخلف» واعاق تقدمنا هو «فهمنا» للدين وتمثلنا لمقاصده، وتصورنا لوظيفته، او بمعنى اخر هو « تديننا» المغشوش الذي صممه بعض الفقهاء والدعاة الذي توزعوا على خطين: خط الاخلاص والحماقة وخط الذكاء والمكر السيىء، فيما النتيجة واحدة، وهي اختطاف «الدين» لحساب سلطة وامتيازات وجهل وغياب للعقل الناقد والمجتهد الحقيقي والشجاعة اللازمة لتحرير «الدين» من «مسلّمات»  تحولت الى حقائق دينية ومن «فقهاء» تحولوا الى انبياء، ومن فهم تاريخي تجاوزه الزمن ومن محاولات جرت «لتوظيف» الدين في غير مجالاته الصحيحة تبعا للاهواء والمصالح الشخصية والحزبية لا تبعا لمصلحة المسلم الانسان... والامة والعالمين ايضا.
هنا ،  لا بد ان نعترف ان امتنا انشغلت على مدى تاريخها الطويل بمشروعين اثنين، أفرغت فيهما كل امكانياتها، وجندت من أجلهما طاقاتها، وهما: مشروع «الفتنة» ومشروع «المحنة»، الأول خرج من دائرة توظيف الدين لمصلحة السياسة، وتسبب  بشق «المجتمع» الإسلامي، وانتهى بالأمة الى الركون لحالة من «الاستبداد» والحكم المطلق، صحيح أنها استطاعت أن تتجاوز آثاره السلبية في بعض المراحل والفترات، وأن تحقق انجازات غير مسبوقة في مجالات العلم والفتح و»الحضارة» عموما، لكن الصحيح أيضا أن اسوأ ما انتجته هذه «الفتنة» هو «قابلية» العنف التي وجدت من يؤسس لها فكرياً وعملياً، حتى جاء المشروع الآخر الذي يشكل الوجه الثاني «للفتنة» وهو مشروع «المحنة» هذا الذي يختلف عن «الفتنة» في انحساره بالمواجهة بين «النخب»، حيث استخدم الدين ايضا «سياسياً» لتمكين السلطة من الإطباق على المجتمع وتعميم منطق «الطاعة» عليه، وبالتالي أصبح «العنف» مرجعية لهذين المشروعين، وتأسست «الذات» العربية التي جاء الوحي ليحررها من الخوف والحقد والضغائن ويحثها على السماحة واللين والتقوى والوحدة، على «مبدأ» العنف الذي بموجبه انتصرت الغلبة والقوة و»العصبية» والقبلية على القيم الأخرى الفاضلة كالعلم والأخلاق وسيادة الدولة والعمران..الخ.
كان الدين - للأسف - حاضراً في «المشروعين»: مشروع «الفتنة» ومشروع  «المحنة» لكن الدين هنا لم يكن ممثلا «بالنصوص» السامية بل ببعض الأشخاص الذين فهموه وباشروه بممارساتهم، وبالمجال «العام» السياسي الذي تحركوا فيه، وبالتالي فإن «مصدر» العنف خرج بالضبط من هنا، حيث اصطدم منطق الدين بمنطق السياسة، بكل ما احتملت السياسية من شهوات واجتهادات ومحاولات لبناء الدولة والسلطات على حساب بناء المجتمع والإنسان.
المشكلة أننا تعاملنا - وما نزال - مع هذين المشروعين وما انتجاهما من عنف بمنطق «التقديس» للتاريخ والاشخاص، ولم نسمح لأنفسنا بمراجعة ناقدة لما حدث، وبالتالي فإننا ندفع الآن ثمن هذا «الصمت» بمزيد من «القابلية» والاستعداد لتدمير انفسنا بأنفسنا، فيما الآخرون «يتفرجون علينا، شامتين أحياناً ومشفقين احياناً أخرى!!

الدستور 2017-01-20



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات