ما في داخلك

تم نشره الثلاثاء 30 كانون الثّاني / يناير 2018 01:16 صباحاً
ما في داخلك
رمزي الغزوي

من المفارقات الخفيفة أن أقلام الرصاص العادية التي بين أيادينا، لا يوجد فيها أدنى ذرة من مادة الرصاص الثقيلة. (الرصاص ربما يتواجد في حشوات البندقيات، ومخازن المسدسات، وعقول الطغاة، وأزلامهم وشبيحتهم). أما قلم الرصاص فهو خشب خفيف، محشو بعجينة الكربون (الفحم) أو الجرافيت.
ولأن الرصاص كان يستخدم في بعض أنواع الكتابات القديمة، فقد ظل الاسم عالقاً بهذا القلم البسيط. أما كلمة (PENCIL) فتعود في أصولها إلى اللغة اللاتينية، وتعني الأثر الصغير. فهل حقاً لا تترك أقلام الرصاص إلا أثراً صغيراً؟!.
ليس دائما. فقد تكلم صانع أقلام رصاص إلى واحد من أقلامه قائلاً: هناك أمور عليك أن تعرفها، قبل أن تذهب إلى هذا العالم الكبير، فأنت ستكون قادراً على عمل الكثير من الأشياء العظيمة التي ستتوارثها الأجيال. ولكنك ستتعرض لبري مؤلم موجع، بين فترة وأخرى، وهذا ضروري لجعلك قلماً أفضل، وسيكون لديك القدرة على تصحيح أي أخطاء، قد ترتكبها.
ثم أضاف هذا الصانع منبهاً: قبل كل شيء، تذكر أيها القلم، أن الجزء الأهم فيك، هو (ما في داخلك)، ولهذا عليك أن تستمر بالكتابة، وأن تترك خطّاً واضحاً وراءك، مهما كانت قساوة الموقف وصعوبته، أو خطورته الداهمة.
يتحول الكربون أو الفحم إلى مادة الألماس، إذا ما تعرض إلى ضغط شديد، وهو من أصلب المواد التي عرفتها البشرية، يقطع المعادن ويقصها ويهذب الصخور ويشذبها. بعكس قلم الرصاص العادي الذي يتكسر بسهولة، متحولاً إلى أشلاء، بأدنى عملية ضغط متاحة. 
وهذا ليس مهماً أبداً، فالمهم في قلم الرصاص، ليس قوته الخارجية، ولا في اليد التي تمسك به، بل الأهم دائماً هو صاحب تلك اليد، الذي يبقي على ما بداخله نظيفاً عفيفاً صادقاً قوياً وجرئياً، كي يكتب أوجاع أمته الحقيقية، ويصدقها في كل أمورها، مهما كانت قسوة الظروف. 
الضعوط الثقيلة، وسطوة الألماس، والذهب وبريقه، قد تجعل أقلاماً كثيرة تكتب ما يريده صاحب ذلك الألماس، والذهب، والمزايا. وهذه الأقلام البائسة، لا تترك أثراً لا كبيراً ولا صغيراً، في أيامنا وحياتنا، وإن سادت لبرهة. فهي إنما تمحى من وجدان العالم وذاكرته، بسرعة شهاب مرَّ في ليلة قمراء.  
قلة من أصحاب الأقلام والمنابر سيتركون أثرهم في النفوس وفي الدنيا، حتى لو كتبوا بقلم خشبي زهيد الثمن، ما زال يسمى قلم رصاص. هؤلاء هم روح الأمة والناس ونبضهم، وملحهم، وروادهم الذين لا يكذبون أهلهم، ولا يمارون على جراحهم ولا يعتاشون بأوجاعهم. 

الدستور 2018-01-30



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات