أهل القدس بين الدفاع عن المقدسات وبين لقمة العيش والصمود

المدينة نيوز :- قال وزير شؤون القدس الأسبق في السلطة الوطنية الفلسطينية حاتم عبدالقادر، ان ما يجري الآن من استهداف واضح للكنائس المسيحية، هو مخطط ممنهج من قبل سلطات الاحتلال لضرب الوجود المسيحي في مدينة القدس، بالتوازي لما يجري ضد المقدسات الإسلامية.
وهو محاولة تكريس القدس ليس فقط عاصمة سياسية للكيان الاسرائيلي، بل تكريس المدينة عاصمة دينية لكل يهود العالم، مشيرا الى أن هذا يقتضي اقصاء المسلمين والمسيحيين على حد سواء عن المدينة المقدسة.
وأكد عبد القادر في حديث لبرنامج "عين على القدس" الذي بثه التلفزيون الأردني مساء أمس الاثنين، أن هذا الاستهداف لن ينجح، واذا تم مواصلته سيكون هناك ردود من الفلسطينيين والمقدسيين على هذا الصلف والغرور من الجانب الاسرائيلي، الذي يريد أن يجعل القدس خالية من الديانات الأخرى، وفق الرؤية والاستراتيجية الاسرائيلية المستندة الى مفاهيم صهيونية عنصرية توراتية قائمة على اقصاء الديانتين الاسلامية والمسيحية، وتكريس اليهودية في كل أجزاء القدس.
وأعرب عن أسفه واستهجانه لعدم وجود صوت مسيحي دولي بعد يومين على اغلاق كنيسة القيامة المرشحة للاغلاق لأيام طويلة، مشيرا الى عدم وجود حتى قنصل اوروبي او اجنبي واحد زار كنيسة القيامة للتضامن مع البطاركة، وحتى الحال على الصعيد الاسلامي لما يجري للمسجد الاقصى المبارك وما يجري من تهويد لمدينة القدس، لا نسمع من الجانب الاسلامي غير الخطابات والمؤتمرات التي تجري في عواصم متفرقة، مشيرا الى أن هذا الصمت العربي والاسلامي والمسيحي والدولي، يعطي مزيدا من الأضواء الخضراء للجانب الاسرائيلي لمواصلة تماديه وتنفيذ مخططاته الاستعمارية.
وأعرب عن اعتقاده أن القدس ليست فقط مسؤولية الجانبين الأردني والفلسطيني، بل هي مسؤولية المسلمين والمسيحيين، واذا لم يقدموا التضامن والدعم الكافي واللازم للمملكة الأردنية الهاشمية باعتبارها صاحبة الوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية، فالمقدسيون مضطرون أن يواجهوا ما يجري في الميدان مع الاسرائيليين.
وقال، ان ما يجري في مناطق باب حطة والسلسلة وحائط البراق، هو مسلسل متكامل الهدف منه الاستيلاء على المسجد الاقصى المبارك ومحيطه، مشيرا الى أن ما يجري لحائط البراق يمثل تشويها للمعالم الاسلامية في هذه المنطقة وللحائط الغربي للمسجد الاقصى المبارك التي هي ملك للأوقاف الاسلامية وتشكل جزءا لا يتجزأ من المسجد الاقصى المبارك، وسبق أن أعلنتها اليونسكو منطقة تراث عالمي، ويريد الاحتلال الآن ان يقيم بناية استيطانية في هذه المنطقة، مما سيؤدي الى تشويه المعالم التاريخية والحضارية للمسجد الأقصى، وقد تكون هذه البناية رأس جسر من أجل القفز في خطوات لاحقة باتجاه المسجد الاقصى المبارك.
وأضاف، أن ما يجري في باب حطة من اغلاقات هي ليست قضية فرض ضرائب، بل هي محاولة تهجير صامت للسكان والتجار المقدسيين في هذه المنطقة من خلال فرض ضرائب باهظة لا يستطيعون تسديدها، مشيرا الى أن المشروع يهدف الى ترحيل الوجود المقدسي لمحيط المسجد الأقصى المبارك من خلال منع وجود ديمغرافي حول المسجد الأقصى من أجل الإنفراد به، مطالبا الشعوب العربية وقواه الحية، العمل على مؤازرة المقدسيين من أجل إبطال ما تقوم به اسرائيل من ممارسات ضد المسلمين والمسيحيين في القدس.
وقال ان الجهد الأردني والجهد الفلسطيني لا يكفيان، ولا بد أن يكون هناك تكامل في الجهد العربي والاسلامي والمسيحي، لتكريس دور فاعل يتحمل مسؤوليته بشكل أفضل من خلال وضع خطط للتحرك على كافة المستويات يضغط باتجاه أن يفعل العالم شيئا للضغط على اسرائيل، مؤكدا الرهان على جماهير الشعب الفلسطيني للتصدي للممارسات الاسرائيلية، وكذلك الرهان على الموقف الأردني وموقف جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي لم يدخر جهدا في الدفاع عن المقدسات، وأن يكون عونا وسندا لإخوانه الفلسطينيين والمقدسيين على وجه الخصوص.
وأضاف، عندما نتحدث عن الصمود يجب أن نتحدث عن المقومات التي يحتاجها، فالصمود يحتاج الى دعم سياسي واعلامي ومادي من أجل تمكين المواطنين الفلسطينيين من الصمود في وجه الاجراءات الاسرائيلية، معربا عن أمله أن يكون هناك مزيد من التنسيق الأردني الفلسطيني من أجل التوجه عربيا واسلاميا ودوليا لتوفير عوامل مساعدة للصمود.
من جهته أوضح المدير التنفيذي لجمعية برج اللقلق في القدس القديمة منتصر دكيدك، ان الجمعية التي تأسست عام 1991، وسميت نسبة لأحد أبراج سور القدس التاريخي، تقع على مساحة تسعة دونمات على أرض وقف ذري لعائلات مقدسية، وتقوم على خدمة الأطفال والشباب المقدسي من خلال مرافق متعددة من تعليمية ورياضية ومعامل للحرف اليدوية، تساهم في معالجة المشاكل التي يعاني منها الشباب المقدسي، الذين يواجون تحديا كبيرا، مثلهم مثل مختلف شرائح المجتمع المقدسي، ويعانون من نقص في التعليم ونقص بالغرف الصفية المدرسية، تؤدي الى تسرب نسبة كبيرة منهم من المدارس تتجاوز الثلث قبل الوصول الى مرحلة التوجيهي، ويضطرون لعدم إكمال تعليمهم والالتحاق بسوق العمل نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها عائلاتهم، ويعملون برواتب الحد الأدنى للأجور، التي يذهب أغلبها للضرائب والايجارات والمواصلات .
وأضاف، أن هذا من نواتج سيطرة الاحتلال على حجم كبير من القطاعات الحياتية المقدسية، ومنها التعليمي، مشيرا الى أن المؤسسات الشبابية في مدينة القدس استطاعت الحفاظ على كينونتها الفلسطينية وهويتها الهوية الوطنية، رغم جميع الضغوط والمغريات، ولافتا الى أن حجم التمويل لمدينة القدس العربية هو حجم صغير جدا لما يتم من تمويل للجانب الاسرائيلي الذي يستثمر سنويا ما يقارب من 25 مليار دولار في مدينة القدس .
وأشار الى أن الاتحاد الاوروبي وبعض الصناديق العربية والفلسطينية أقرت ميزانيات في قطاع المشاريع الصغيرة، سوف تسهم في تدريب الخريجين وإيجاد فرص تشغيلية لهم، لأن نصفهم بدون وظائف، كما أن بعض المؤسسات المقدسية تعمل على تمويل مجموعات من الشباب بمشاريع صغيرة، نجح الكثير منها وساهمت في تعزيز الصمود المقدسي.
ولفت الى أن هذا القطاع بحاجة الى دعم كبير في سبيل تعزيز صمود الشباب المقدسي في مواجهة قطاع اقتصادي اسرائيلي ضخم حاصر القدس وأهلها، وضرب الاقتصاد المقدسي وجعله ضعيفا وصغيرا ، وتم إغلاق نصف المحال التجارية في البلدة القديمة نتيجة الضرائب الباهضة وضريبة الأملاك، وتراكم الرسوم والمخالفات وارتفاع فواتير الماء والكهرباء، وكذلك الحصار وفرض أزمة دائمة في المواصلات، وقتل اي محاولة لتطوير المنشآت الصناعية والخدماتية التقليدية في القدس، التي أخذ معظمها يندثر ويتلاشى .
وأكد دكيدك أن الشباب المقدسي يرفض مغريات الهجرة، وهو صامد في أرضه رغم أنه يعاني من الاغتراب في أرضه، ويواجه ضغطا نفسيا كبيرا من تعليم المنهاج الاسرائيلي الذي يحاول فرض الثقافة الاسرائيلية وتكريس رموزها، مما يتوجب على الجمعيات المقدسية أن تقوم بأدوار مضاعفة تعمل على تعزيز الثقافة الوطنية ضمن عدة برامج من المبادرات المجتمعية في المدارس والأحياء، رسالتها الأولى والأخيرة هي غرس الروح الوطنية الفلسطينية العربية في نفوس الطلبة والشباب، ومقاومة الرواية الصهيونية المزورة والمحرفة.
وتمنى دكيدك على المواطنين العرب أن يبادروا لزيارة القدس، وخاصة الأخوة العرب الذين يعيشون في الدول الأوروبية والأمريكية، ويحملون جوازات سفر أجنبية، لأن روح مدينة القدس هي السياحة، ومقدمهم اليها يساهم في دعم اقتصاده القائم تاريخيا على السياحة .
من جانبه قال الكاتب المتخصص في شؤون القدس عزام ابو السعود، ان الشعب المقدسي وخاصة الشباب يعيشون في حالة ضياع، وخريجو الجامعات يعانون من مأساة لعدم وجود وظائف، واسرائيل لا توفر وظائف الا في قطاعات محدودة، والاقتصاد المقدسي صغير وغير قادر على توليد وظائف، مما يجعل الشباب المقدسي أمام ثلاثة احتمالات من الوظائف، اما أن ينخرط في سوق العمل الاسرائيلي الذي يريد فقط عمالا غير مؤهلين في وظائف متدنية، واما الذهاب الى الضفة الغربية التي لا تكفي رواتبها لتكاليف المعيشة في القدس، كما أن مواصلاتها المكلفة والطويلة في مدتها تستهلك الرواتب المحدودة، واما أن يعاني من البطالة او يقوم بمشروع صغير تطارده سلطات الاحتلال عليه، وتمنع أي فرص لنجاحه او تطويره .
بدوره قال مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، ان أوضاع الشاب المقدسي معقدة جدا لأنه لا يحمل أي جنسية، وانما جواز سفر مؤقت وهوية تعطيانه حرية التنقل، لكن لا يستطيع الحصول على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية كاملة، مشيرا الى أن هذه احدى أدوات الضغط التي تؤثر على حياة الشباب المقدسي لحملهم في محاولة لتفريغ المدينة منهم .
وقال مدير الغرفة التجارية الصناعية في القدس فادي الهدمي، ان الشباب المقدسي دائما يبرهنون على أن البوصلة لديهم واضحة، والجسم الشبابي كان دائما حاضرا بقوته الوطنية والعربية في الحفاظ على هويته ومقدساته، رغم الظروف العصيبة التي يمر بها من الناحية الاقتصادية .
وأضاف، أن الهوية الوطنية التي راهن عليها المحتل أن تندثر، أثبت وبرهن الشباب المقدسي على أنها حاضرة بقوة وأنهم يملكون الوعي بأن القدس عربية وهي عاصمة فلسطين وأن الأقصى خط أحمر، وكانوا وما يزالوا يشكلون الزخم المجتمعي في المواجهة والصمود .
وقال مجموعة من الشباب الأردني ذكورا وإناثا ممن قاموا بزيارة الى القدس والمسجد الأقصى المبارك، إن هذه المبادرة جاءت ردا على القرار الأمريكي باعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وكان الرد من الشباب الأردني والعربي والمسلم رفض هذا القرار، واعلان القدس عاصمة للشباب الاسلامي.
وأعربوا عن المشاعر المختلطة التي انتابتهم أثناء الزيارة، من مشاعر السعادة والفرح بزيارة القدس والمسجد الأقصى المبارك والتواصل مع الأهل هناك، وبين الألم والغضب لما شاهدوه لحجم المعاناة التي يعيشها المقدسيون نتيجة سياسات وممارسات الاحتلال.
واكدوا الدور الكبير والفعال الذي يجب أن يقوم به الشباب الاردني والعربي في دعم قضية القدس التي يجب أن تكون في نبض كل عربي ومسلم، ويجب أن يقف الجميع مع أهلهم في القدس، وخاصة القوى الشبابية التي يجب أن تكون صفا واحدا في دعم وإسناد أهل القدس من كافة النواحي، والمساهمة في الدفاع عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة.
--(بترا)