" العتب الالكتروني " انعكاس لامراض نفسية تستدعي العلاج

المدينة نيوز:- في خضم انشغال العالم بالفضاء الالكتروني انتقل العتب بين الناس جراء عدم استدامة التواصل، وغياب تبادل الزيارات وتقديم الواجبات الاجتماعية من الواقعية الى العالم الافتراضي، تحت مظلة ما يمكن تسميته مجازا ب " العتب الالكتروني " .
هذا العتب الذي يأخذ قسطا من حديث المجالس اينما اتجهنا ، فيلوم هذا ذاك على عدم قيامه بوضع" اعجاب " تحت منشوره ، ويغضب اخر من صديق افتراضي لعدم تطابق تعليق الاخير مع آرائه ، ليمتد الامر بين المتخاصمين الى استخدام خاصية" البلوك"كناية عن " قطيعة الكترونية " . فهذه سهام متقاعدة من وظيفة حكومية تقاطع صديقتها بسبب عدم قيام الاخيرة بابداء الاعجاب على صورة حديثة لها نشرتها على صفحتها على الفيسبوك ، ولم تقم سهام باستخدام خاصية " البلوك " فقط ، بل قاطعتها فعليا رغم علاقتهما التي تمتد لايام الطفولة مبررة ذلك بان صديقتها لم تعد كالسابق وانها ليست المرة الاولى التي تتجاهل بها منشوراتها. وعمدت وفاء ( ربة بيت) الى الغاء حسابها على الفيسبوك لانها لا تريد رؤية اي من الاصدقاء المفترضين من الذين لا يشاركونها بتعليقات ترتقي الى سقف توقعاتها، مؤكدة انها تفضل ان تخرج من العالم الافتراضي على ان تشعر بقلة اهميتها وتجاهل الاصدقاء لها ولما تكتبه وتنشره، وتعلق " اصبحت وحيدة في العالمين الواقعي والافتراضي ". خبراء في علمي النفس والاجتماع يعزون فكرة " العتب الالكتروني " الى انعدام الثقة بالنفس والسطحية في التفكير وضعف التسلح بالعلم والمعرفة وغياب الاسس الحقيقية لمعنى الصداقة وعرى الروابط الاجتماعية وقيمها الاصيلة، مؤكدين ان العتب بين الناس ولاسيما المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي يولّد مع الوقت امراضا مختلفة كالقلق والتوتر وضعف التركيز وفقدان الهدف .
ويقول مطور نظم المعلومات الادارية داوود ابو حسان " بقدر ما أسهم الفيس بوك بتقريب المسافات بقدر ما أدى إلى خلق فجوات بين البعض نتيجة ضحالة التفكير او العقد النفسية ، منوها الى ان المسألة تتعدى الاعجاب من عدمه في المنشور، الى صلب العلاقات إلانسانية التي يفترض ان تبنى على تبادل المعرفة والإحترام المتبادل.
ويرى مدير احدى الشركات الخاصة عثمان محارمة ان الفيسبوك تحديدا اظهر الوجه الحقيقي لاشخاص بعينهم حيث خاب ظنه من بعض االناس، معتقدا انه تسبب جراء سوء الاستخدام ب " خراب العلاقات الاسريه " لنلحظ ازديادا في نسب الطلاق، كما افقدنا الكثير من الاشخاص لمجرد اننا نعارضهم بالرأي او التوجه في اطار العتب الالكتروني الذي اتى على كثير من مقومات العلاقات الانسانية وديمومتها . ويتشاطر كل من عماد الصمادي ( مدير انتاج) ، وامية كمال الدين (مدرسة ) الرأي حول هذا الموضوع حيث يؤكدان انه ينم عن " قلة عقل " وفراغ يعاني منه الشخص" العاتب ". ويرى باعث الضلاعين (يعمل في مجال الاغاثة) انه عالم وهمي فلماذا الغضب اذا لم يشاركنا اشخاص نحن نعتبرهم ايضا وهميين " . اما عدنان ابراهيم ( موظف قطاع خاص )، فيذهب الى ان العتب على عدم وضع " اعجاب " يدخل في باب " الغباء الاجتماعي " فما المشكلة في عدم وضع الناس لاي اعجاب طالما ان صاحبه مقتنع بفكرته وفحواها، داعيا الى تعزيز الثقة بالنفس واعتماد التواصل الاجتماعي كمساحة حرة يمارس كل منا عبرها قناعاته.
ويوضح بسام زين الدين (مصرفي ) انه ومن خلال مطالعاته في علم النفس في سياق التثقيف الذاتي ، تعلم ان على الانسان ان لا يستهين باي شيء ، وان يؤخذ بالاعتبار خواطر الناس ومشاعرها فلا يجرح ولا يغضب ولا يتنمر عليهم وحتى لو عتبوا " الكترونيا "
ويقول استاذ الارشاد النفسي والتربوي في جامعة عجلون الدكتور نايف الطعاني ان الاصل في وسائل التواصل الاجتماعي ان تكون " اجتماعية " بامتياز بمعنى التواصل والحوار والنقاش وحتى المجاملة في ابداء الآراء لغايات معينة من جملتها الدعم المعنوي والنفسي لاشخاص بعينهم يكونوا باشد الحاجة اليهما ، غير ان ما يحدث حقيقة ان المتواصلين نقلوا ايضا طباعهم وكيفية تعاطيهم مع المجتمع من الحياة الاعتيادية الى الحياة الافتراضية ، فكما يعتب شخص على اخر لانه لم يزره منذ مدة على سبيل المثال ، كذلك يعتب على صديق مفترض لانه لم يشاطره الرأي او يؤيده به .
وينسحب هذا العتب وفقا له على الجنسين ، مشبها ما يحدث بمفهوم مرتبط بعلم النفس يسمى " البكاء من اجل المساندة "، وكأن بالناس يهربون الى العالم الافتراضي بحثا عن اهتمام أو دعم لا يجدونه في الحياة الواقعية رافعين سقوف توقعاتهم بحجم مشاركة كبيرة لما ينشرون،غير انهم يصدمون حقيقة بان العالم الافتراضي لا يختلف كثيرا عن الواقعي فهو نتاج لمشاركين حقيقيين يحملون ذات الصفات وينقلونها الى هذا العالم. ويسترشد بطبيعة استجابة البشر للمواقف بشكل عام فمنهم من يتصرف بطريقة عدوانية حيالها ومنهم من يسكت خجلا ، ومنهم من يحاور ويناقش ويفصح ويقنع ، مؤكدا ان اختلاف مستويات الاستجابة صحي ، وذلك لاختلاف قدرات الناس الذهنية والعقلية والسلوكية .
ويؤكد ان من يعتب على اصدقائه عبر منصات التواصل الاجتماعي يعاني من فقدان الثقة بالنفس ويحتاج لاعادة ترتيب اولوياته، موضحا ان العتب يولّد مع الوقت امراضا أخرى ترتبط بالقلق والتوتر وقلة التركيز وفقدان الهدف . ويعتقد استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور محمود كفاوين ان الاجيال بحاجة الى اعادة تعريف مفاهيم التربية والتثقيف والتواصل ، وصولا الى الارتقاء بالفكر والسلوك يخدم فكرة التواصل الافتراضي فننتقل الى عالمه مسلحين بادوات عصرية منها الحيادية وتقبل افكار الاخرين وارائهم بنا .
ويضيف وهو الوزير الاسبق : وما العتب الالكتروني الا ترجمة لسلوكيات مجتمعية عشناها في الماضي ولم نزل نعيشها حاضرا ، بيد اننا نستطيع تجاوز الفكرة بمجرد ترسيخ مفاهيم الحوار والمشاركة سعيا لاهداف نبيلة تسهم باحداث فرق في المجتمعات، كما اننا نتجاوزها اذا عبرنا " الانا " الى " نحن " في كل مفترق نقاشي . ويتوقف كفاوين عند فكرة تتمحور حول المسافة بين التقدم العلمي من جهة ، وأدواته من جهة ثانية ، حيث سبق طرق التفكير التقليدية ، فما زلنا نمارس قناعات عفا عليها الزمن بادوات جديدة لم نرتق الى اهمية استثمارها بكل ما هو نافع متجاوزين صغائر الامور التي تنم عن عقد نفسية واجتماعية لها اسبابها المختلفة ، متطلعا الى ضرورة توظيف التسارع الكبير في التكنولوجيا بما يخدم الحوار والثقافة واحترام الآخر. " التشاركية والتفاعل والتواصل مع جميع الاصدقاء الموجودين على صفحتك تحد من العتب الالكتروني " هكذا يبدأ استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور محمد الدقس تعليقه على مفهوم العتب الالكتروني الذي امسى وفقا له ظاهرة اجتماعية تغلف فضاءات بعض المجالس سواء في فرح او مجلس عزاء ، مشددا على ان من ارتضى لنفسه دخول العالم الافتراضي عليه ان يتحمل كل تبعاته وامزجة الناس وان لا يتوقع انها ستكون وفقا لما يريد . ويذهب الى ان توتر البعض من عدم مشاركة آخرين لديهم ينم عن الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشونها ، فيجدون في العتب مساحة لتفريغ شحنات سلبية محاولين تصدير مشاكلهم الشخصية على هيئة لوم الآخر وعتابه. ويدعو ومن باب تقديم الدعم الاجتماعي للاصدقاء الى التفاعل والحوار والتشارك ليرتقي الخطاب الى ما بعد عتبة العتب واللوم ،ويكون فعالا ومنتجا لرأي عام حول قضية وطنية او انسانية تسهم بايجاد حلول لفئة عريضة من المواطنين . ووفقا للخبير في اللغة العربية محمد البشتاوي ان العتب هو اللوم برفق على القيام بعمل أو عدم القيام به، وهو مصطلح فسره قدامى اللغويون في معاجمهم، والعتب في العلاقات الاجتماعية موجود كذلك منذ القدم كما يفسر .
الا ان مصطلح " العتب " وفقا للدكتور الدقس تطور الى " العتب الالكتروني " كما افرز مصطلحا اخرا وهو " المجاملة الالكترونية " والتي ينبغي ان تكون نتاجا مطلوبا لذاته بغية استدامة العلاقات وتحسين نوعيتها وتعزيز اواصرها ،متسائلا " ما الضير في ان نكون شركاء في الايجابية حتى على مواقع التواصل الاجتماعي ونبتعد عن العتب واللوم والتجريح" . ."بترا"