تعليمات العمل من المنازل في الاردن ورائحة الشواء

تم نشره الأحد 03rd آذار / مارس 2019 01:31 صباحاً
تعليمات العمل من المنازل في الاردن  ورائحة الشواء
د.فطين البداد

 صدرت يوم السبت ورقة سياسات عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتضمنت في طياتها توصية بتسهيل الاجراءات في ترخيص العمل المنزلي وتقديم حوافز مشجعة للناس .

الفقراء في الاردن ، كانوا  ولا يزالون " يدبرون " امورهم بشق الأنفس ،ويعتمدون على أنفسهم في" لملمة " أمورهم  من خلال اجتهادات " إنسانية "  بات كثيرون يتقنونها انطلاقا من قاعدة " الحاجة أم الإختراع " .

كانت أوضاعهم ماشية " بالزور" كما يقال ،وقطعوا في ذلك عقودا من الجد والجهد  والعرق والشباب ، فهذا درّس ابناءه ، وذاك بنى لأسرته دارا متواضعة بأسلوب " طوبة طوبة "  ولم يكن يعلم أحد عنهم شيئا لكونهم عائلات مستورة أصلا ، وتمشي " الحيط الحيط " .

هكذا كانت تعمل فلانة "  أم فلان "  وعلانة " أم علان " وسين وصاد وجيم وكاف ، في رتم إنساني على مقام الصبا حينما يتهدل من فم ناي حزين مأخوذ من قصب سيل الزرقاء  .

دار الزمان دورته ، وأفاق الأردنيون جميعا ، وهؤلاء البسطاء ، وأغلب الأردنيين بسطاء بالمناسبة ، .. أفاقوا على مديونية تنوء بحملها الجبال ، وحكومات جباية ، كل همها تشليح الناس ورقة توتهم إن لم نقل شيئا آخر ، ومضى الركب على ذات الرتم ونفس النغمة ما شاء الله له أن يمضي  إلى أن فوجئ الجميع بضريبة مبيعات ، ومن ثم  برفع الدعم عن المشتقات   ، وبعدها عن الخبز والأساسيات ، والآن بقانون ضريبة  يأكل ما تبقى من  الناشف واليابس بعد أن ابتلع الرطب والأخضر أيام اللولو " شو هللو لو " على رأي المطربة  صباح  ،   لتبدأ مرحلة  جديدة لم يكن أحد مستعدا لها  لا حكومة ولا شعبا  ، وإذ بنا أمام وضع لا ينام فيه رئيس حكومة الليل بسبب تفكيره بكيفية تأمين الرواتب .

ولأن الإيقاع هو ذاته ، فقد باتت الحكومة تلاحق أم فلان التي ذكرناها آنفا ، وأم علان ،  والتي تعمل في بيع " المخللات " المنزلية ، حيث تقوم هذه السيدة وأخواتها ممن أضربهن مثالا افتراضيا بمساعدة اسرهن من خلال العمل في المنزل ، واستغلال كل شيء لتأمين متطلبات البيت ، بعد أن ضربت البطالة بجذورها في الأعماق :  فهذه  تكبس " الخيار ، وتلك "تجفف " البامياء ، وتلكم تستعد لطبخ عزومة بالأجرة ، وهلمجرا مما يطلق عليه " عمل فردي منزلي"  قلنا في استهلالنا لهذه المقالة ، إنه وراء بناء الدار ، وتدريس الأولاد إلخ .. .

وبرغم اشتداد براثن وأنياب الحياة على مختلف الأسر ، طلعت علينا الحكومة بما يسمى " تعليمات ترخيص المهن داخل المنازل " ووضعتها داخل حدود البلديات ، حيث تنفذ البلديات تعليمات لمن تريد من الاردنيات أن " تكبس المخلل " من أجل بيعه والإنتفاع بسعره وعليه قس مما تريد يا رعاك الله من مهن منزلية بات لها تعليمات وتتطلب تراخيص رسمية ورسوما ومدفوعات لا يعلمها إلا الله وعباقرة وزارة المالية ودوائر الضريبة العامة .

لم يكف الحكومة وزرا أنها ضربت الإستثمار بما في ذلك الأسهم وسوق عمان المالي وغيره من مصائب قانون الضريبة ،ولم يكفها أنها أرهقت الصناعة الوطنية ،  وجعلت التجار يدبون الصوت  ، وأنها بدأت " تشتغل " على كل  شيء من أجل تحصيل مزيد من الأموال ، بل بتنا نراها تدخل البيوت وتفتش على أعمال " المخللات "  من خلال ما تضمنته التعليمات التي أعطت موظفي البلدية صلاحية التفتيش على المنازل للتأكد من وجود ترخيص يسمح بتنشيف الملوخية أم لا .

اتقوا الله بعباد الله ، واعلموا بأن من يقوم بعمل في  منزله ليوفر لعائلته كفافها لا يوجد لديه غير هذا الكفاف ولن يمنحكم إياه أبدا حتى لو طلعت برؤوسكم غابة  ، لأنه لا مال لديه لا لترخيص ولا  لدفع  رسوم ، وطلبكم منه أموالا بدل عمله في منزله يشبه قصة مأثورة تقول ، وعمر السامعين يطول :

وقف فقير بباب محل شواء ، ولما كانت رائحة الشواء ودخانه  تعج بالمكان   ذهب واشترى رغيفا وبدأ يأكل على رائحة الشواء حتى التهم الرغيف كله ، وأثناء ابتلاع اللقمة الاخيرة جاءه صاحب محل الشواء وقال : ماذا فعلت ؟؟ فقال : أكلت خبزا .. فقال : إذن  إدفع ثمن الرائحة   ، فأبى ، فاحتكما إلى القاضي فقال القاضي لصاحب الشواء : ماذا فعل غريمك ، فقال : يا سيدي أكل رغيفا برائحة شوائي وأريد ثمنه ، فأخرج القاضي قرشا معدنيا وأوقعه على الأرض وقال : هل سمعت رنينه  فقال : نعم ..  قال : فهذا ثمن شوائك ، هو أكل من أنفه ، وأنت أقبض من أذنك  .

د.فطين البداد      

 

 

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات