تركيا كفاعل إقليمي في المتوسط والأحمر

لم تنجح الدول الاوروبية الخمس (المانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وبولندا) في تمرير قرار بإدانة العملية العسكرية التركية (نبع السلام) في مجلس الامن؛ اذ ان الولايات المتحدة الامريكية وروسيا رفضتا الادانة، مكتفيتين بدعوة تركيا لتجنب المدنيين وانتقاد خجول للعملية العسكرية من الممكن ان يقود الى تفعيل منظومة العقوبات الامريكية بهدف الضغط على تركيا من خلال الاستثمار في العملية العسكرية وتعقيداتها فهي ورقة سياسية واعدة ومثمرة بالنسبة لأمريكا من الاعتماد على الاكراد الانفصاليين ومليشات مسلحة هشة وضعيفة ومحرجة من ناحية انسانية فالضغوط الاقتصادية اكثر فاعلية مع دولة كتركيا او هذا ما يظنه المخططون في واشنطن.
حاجة روسيا لتركيا في ايجاد حل سياسي تعد مبررا قويا لموسكو لدعم تركيا في مجلس الامن فالبلدان عملتا سوية في جولات استانا وتطورت الشراكة بين البلدين عبر الاتفاق على مناطق خفض التصعيد والاهم من ذلك العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية التي يعتبر الغاز قوامها الاساس.
الجهود التي بذلتها تركيا مع شركائها في واشنطن وموسكو، واصرارها على انهاء المشروع الانفصالي في سوريا كان عاملا حاسما في فرض تصوراتها ورؤيتها في المنطقة بحيث حيد القوى الاقليمية والقوى الاوروبية المعترضة على العملية وهمشت ادوارها.
فالعملية العسكرية التركية حافظت على زخمها العسكري العسكري ولم تتأثر بالتحذيرات والدعوات الاقليمية والاوروبية لوقف القتال اذ تمكن الجيش التركي الى جانب الفصائل السورية المسماة الجيش الوطني السوري من انتزاع سبع من القرى الخاضعة لسيطرة فصائل كردية انفصالية؛ وهي بذلك تؤكد استقلالية القرار التركي في الدفاع عن مصالحها؛ وعدم تأثره بالضغوط ونجاحه في تحييد القوى المؤثرة في المشهد السياسي والعسكري والميداني وهي روسيا وامريكا في حين ان الدول الاوروبية تبقى لاعبا ثانويا جل تركيزه منصب على الدعم المالي والاستخباري.
تركيا باتت فاعلا معهم في سوريا فالعملية العسكرية تعزز حضورها وقدرتها على التأثير في المشهد الاقليمي والداخلي في سوريا الى جانب ايران وروسيا فالدول الثلاث هي اللاعب الاكثر تأثيرا في الساحة السورية؛ اذ تمكنت من جمع الفرقاء في مسار استانة: النظام السوري والمعارضة على طاولة المفاوضات، ومن ثم تثبيت مناطق خفض التصعيد في حين ان الولايات لم تملك في سوريا لا مشروعا انفصاليا بلا افق خصوصا بعد فشل وتعثر ابرز حلفائها مسعود برزاني في اقليم كردستان العراق؛ وفاقم ازمة امريكا السلوك الاسرائيلي والغارات الجوية التي امتد تأثيرها الى العراق دافعة البنتاغون ووزارة الدفاع الامريكية الى التعبير عن استيائها من الاداء الاسرائيلي الذي عقد عملهم في سوريا والعراق وعرضهم لمخاطر وضغوط تصاعدت بعد الغارات داخل الاراضي العراقية. 
ختاما.. العملية العسكرية التركية حولت انقرة الى لاعب سياسي من طراز رفيع لم يعد بالامكان تجاهل دوره في اقليم غرب آسيا، فاعل امتد تأثيره الى ليبيا اذ عبر وزير الخارجية الجزائري عن تقارب تركي جزائري في الملف الليبي، كما تعد لاعبا مؤثرا في الصومال وشرق افريقيا فتركيا لا تستطيع ان تبقى ساكنة وتحافظ على مصالحها في الآن ذاته؛ فالواقع المتغير فرض عليها التحرك في مجالها الحيوي لملء فراغ بات ملحوظا في المنطقة يمتد شمالا من سوريا وشرق المتوسط الى باب المندب جنوبا والقرن الافريقي.

السبيل - السبت 12/أكتوبر/2019