المشهد العراقي الجديد..ما بعد احتجاجات أكتوبر (تحليل)

تم نشره الأربعاء 16 تشرين الأوّل / أكتوبر 2019 01:53 مساءً
المشهد العراقي الجديد..ما بعد احتجاجات أكتوبر (تحليل)
العراق

المدينة نيوز:- ظلت دوافع الاحتجاجات ذاتها في الموجات الأربع السابقة التي شهدتها العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوبي العراق، إلا أن الاحتجاجات الراهنة تميزت بغياب القيادة وعدم تبعيتها لأي جهة سياسية أو دينية خلافا لسابقاتها التي تبنى التيار الصدري تنظيمها وتوقيتاتها سواء بدايتها أو نهايتها.

في الاحتجاجات السابقة كان للمرجعيات الدينية والكتل السياسية دور ما في توجيهها ورسم سياساتها وتنسيقها مع الحكومة المركزية وقواتها الأمنية التي تعاملت مع الاحتجاجات دون ممارسة أساليب القمع التي استخدمتها ضد المحتجين الذين خرجوا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول احتجاجا على سوء الخدمات والبطالة وفشل الحكومة في مكافحة الفساد ، بحسب "الاناضول" .

إلى حد ما، نجحت حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في عدم انزلاق البلاد إلى الفوضى الأمنية التي توقعها سياسيون وخبراء بعد سقوط أكثر من مئة قتيل وآلاف الجرحى الذين تضاربت الأنباء حول الجهة المسؤولة سواء القوات الأمنية التي اعترفت وزارة الدفاع العراقية بأنها استخدمت "القوة المفرطة" ضد محتجين في مدينة الصدر معقل التيار الصدري، أو اتهامات وجهها ناشطون لبعض فصائل الحشد الشعبي وفصائل أخرى مسلحة.

أعلن عادل عبد المهدي عن حزمة قرارات في محاولة من الحكومة المركزية لاحتواء الاحتجاجات بمنح تعويضات لذوي الضحايا ودعم العاطلين وتقديم منح مالية لنحو 150 ألفا منهم مع وعود بتقديم مساعدات لهم للبدء في تنفيذ مشاريع صغيرة خاصة بغير القادرين على العمل، بالإضافة إلى فتح باب التطوع للانتساب إلى وزارتي الدفاع والداخلية وتسهيل قروض الإسكان وتوزيع الأراضي وبناء وحدات سكنية في المحافظات الأكثر فقرا.

تشير آخر التقارير إلى أن هناك أكثر من 60 في المئة من العراقيين هم دون سن 24 عاما النسبة الأعظم منهم عاطلون عن العمل، بمن فيهم حملة الشهادات الجامعية الذين نظموا سلسلة من التظاهرات قبيل اندلاع احتجاجات الأول من أكتوبر/تشرين الأول، وأن 22.5 بالمئة من السكان فقراء كما يشير تقرير البنك الدولي الصادر في مارس/ آذار 2019.

لكن قرارات رئيس الوزراء التي تضمنت سبعة عشر بندا خلت تماما من أي ما يشير إلى عزم الحكومة اتخاذ إجراءات عملية لمكافحة الفساد المطلب الأول الشامل للمحتجين طيلة السنوات 2015 إلى 2019.

لم تتغير منظومة الحكم بعد غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين تغيرا جذريا على الرغم من الانتقال من حكم الفرد إلى الحكم وفق النظم الديمقراطية. ظلت الأحزاب والكتل السياسية التي تشكلت بعد الاحتلال هي ذاتها تقريبا المهيمنة على السلطة والثروات بعد ستة عشر عاما مع تغيرات على مستوى بعض القيادات السياسية لا ترقى إلى التغيير الحقيقي في منظومة الحكم التي قامت على أسس المحاصصات السياسية.

هناك ثمة أصوات ظهرت في الاحتجاجات الأخيرة تدعو لاسقاط الحكومة وتغيير مجمل العملية السياسية، لكنها تظل أصوات خافتة لا تعبر عن تيار واسع.

في كل الموجات السابقة من الاحتجاجات يتراجع المحتجون عن مواصلة احتجاجاتهم بتحقيق بعض، وليس كل المطالب، لكن الاحتجاجات الراهنة لا يخضع قرارها لاحزاب سياسية أو كتل نيابية أو مرجعيات دينية، وهو ما يعطيها استقلالية أكبر في اتخاذ قرار استئناف الاحتجاجات بزخم اقوى.

للأحزاب والكتل السياسية مصلحة حقيقية في استجابة "محدودة" من قبل الحكومة المركزية لمطالب المحتجين بعيدا عن مطلب مكافحة الفساد الذي تتصدر مشهده قيادات تلك الأحزاب والكتل السياسية، وهو ما يفسر غياب الإشارة إلى ملف الفساد في خطاب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في 6 أكتوبر/تشرين الأول الذي أعلن فيه تنفيذ بعض مطالب المحتجين على الرغم من أن عبد المهدي هو المعني الأول بمكافحة الفساد من خلال موقعه كرئيس للجنة العليا لمكافحة الفساد.

قد تكون المرة الأولى التي يوجه فيها المحتجون انتقادات صريحة للمرجعية الدينية. لم تدعم المرجعية الدينية الاحتجاجات بشكل واضح على الرغم من إصدارها دعوات "خجولة" للاستجابة لمطالبهم وعدم استخدام العنف ضد المحتجين.

هذا الموقف لاقى انتقادات حادة من قبل المحتجين دفع المرجعية لتبني موقفا أكثر وضوحا في الجمعة التالية، 11 أكتوبر/تشرين الأول، دعا لتشكيل لجنة تحقيق لتحديد الجهة المسؤولة عن قمع المحتجين وقتلهم ومحاسبتهم.

أكدت الاحتجاجات الأخيرة حقيقة انعدام الثقة بالقيادات السياسية في الحكومة ومجلس النواب، وأيضا بقيادات المجتمع الدينية والعشائرية، والأحزاب السياسية "المتورطة" أكثر من غيرها بالفساد المالي والإداري.

وتميزت الموجة الأخيرة من الاحتجاجات عن سابقاتها بالتركيز على المطالب الأساسية المتمثلة في تحسين الخدمات الأساسية ومكافحة الفساد وتوفير فرص عمل للعاطلين، وتجاوز البعد الطائفي في الشعارات المرفوعة والمشاركة من مكونات مختلفة على الرغم من أن قيادات الاحتجاج في عمومها من المكون الشيعي.

يمكن الإشارة إلى أن هذه الاحتجاجات لم تلتفت للمرجعيات الدينية أو قيادات الكتل النيابية وقيادات الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة، وكذلك القيادات العشائرية، وهي بمجموعها تشكل القوى التقليدية التي لعبت الدور الأساسي في قيادة الدولة والمجتمع بعد غزو العراق 2003.

الاحتجاجات الأخيرة "قد" تكون امتدادا لاحتجاجات أوسع شهدتها دول عربية عدة منذ أواخر العام الماضي 2018 في السودان والتي أطاحت برئيسها عمر البشير، وفي الجزائر ربيع هذا العام والتي أجبرت رئيسها عبد العزيز بوتفليقة على تقديم استقالته، لكن الاحتجاجات العراقية لم تركز على تغيير النظام السياسي أو اسقاط الحكومة والاكتفاء بالتركيز على الإصلاحات الاقتصادية والخدمية مع هامش صغير من الإصلاحات السياسية.

أعادت الاحتجاجات الأخيرة الشعور بـ "العراقية" والانتماء للعراق لدى قطاعات واسعة من عامة الشيعة غير المسيسين مع رفض واضح للتدخلات الإيرانية وارتباط كتل سياسية أو فصائل مسلحة بإيران، وهو تطور لافت باتساع مساحته على الرغم من أن بوادر ذلك كانت واضحة منذ احتجاجات البصرة في يوليو/تموز 2018.

ولا تبدو الحكومة المركزية قادرة على تقديم حزمة إصلاحات جدية تلبي مطالب المحتجين، أو أنها قادرة على إعادة بناء مؤسسات الدولة بعيدا عن مجموعات الفساد التي تعرقل أي مساع للإصلاح. لذلك، فمن المحتمل أن تلجأ الحكومة المركزية تجنبا لتجدد الاحتجاجات إلى اتخاذ قرارات حازمة للحد من نفوذ وسيطرة الفصائل المسلحة، الحليفة لإيران بالدرجة الأولى، لحماية مؤسسات الدولة وآليات عملها لتنفيذ الإصلاحات المنتظرة، ومع هذا الاحتمال، فإنه يمكن أن يسفر عن نتائج أكثر خطورة تتمثل في الصدام بين الدولة والفصائل التي ستجد نفسها أمام خيار الدفاع عن وجودها ومصالحها.

يتوقف فرض التغيير السياسي في المقام الأول على استجابة الحكومة المركزية استجابة مقنعة للمحتجين وتلبية مطالبهم الأساسية. خلاف ذلك، من المتوقع أن تتجدد الاحتجاجات ويرتفع سقفها إلى الإصرار على إسقاط الحكومة وتغيير العملية السياسية من منطلق قناعة المحتجين بتسويف الحكومة ومماطلتها في تلبية مطالبهم التي هي في حقيقتها امتدادا لمطالب المحتجين منذ سنوات.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات