بمناسبة الحكم على البشير

تم نشره الإثنين 16 كانون الأوّل / ديسمبر 2019 12:24 صباحاً
بمناسبة الحكم على البشير
عريب الرنتاوي

اختلفت مصائر الحكام العرب الذين أطاحت ثورات الربيع العربي وانتفاضاته، في موجتيه الأولى والثانية، أحدهم لقي مصرعه من فوره «القذافي»، وثانيهم قُتل بعد حين (صالح)، ثالثهم هرب إلى منفاه (ابن علي)، ورابعهم آثر المحاكمة والسجن طوعياً (مبارك)، وخامسهم لا نعرف ما إذا كان اختار المحكمة والسجن طواعية أم أن وقت الهرب قد فاته (البشير)، سادسهم وقد بلغ به الكبر عتياً، ذهب من فوره إلى مأواه، إلى منزله (بوتفليقة) تاركاً شقيقه وأعوانه يواجهون خيار المحاكمة والسجن بتهم الفساد والافساد ... أما في لبنان والعراق، فالملف ما زال مفتوحاً، والثورات الشبابية والشعبية، لم تضع أوزارها بعد.
ما يهمنا في هذا المقام (المقال)، هو كيفية محاكمة الرؤساء الذين وقعوا في قبضة المحاكم والقضاء ... البشير حصل على حكم مُخفف لسنتين، وقبله قضى مبارك سنوات قلائل بين سجن ومحاكمة في قضايا متعددة، كلا الرجلين حكم بلاده لثلاثين، وبدل محاكمتهما سياسياً على ما أفضت إليه تلك السنوات الطوال من خراب ودمار، جرت محاكمتهما على قضايا مالية ثانوية تتعلق بالإثراء الحرام (غير المشروع)، أو سوء استخدام السلطة.
كنا نرغب في رؤية محاكمة شاملة لعهديهما الطويلين في الحكم ... حيث انقسم السودان وفقد جنوبه في ظل حكم البشير و»حكم الشريعة»، واندلعت جملة من الحروب الأهلية المتنقلة بين ولاياته، وقضى عشرات ألوف السودانيين نحبهم في هذه المعارك والحروب، وأنفقت مليارات الدولارات لتمويلها و»إدامة الفشل» وإشاعة الفساد... كنا نأمل أن يحاكم الرجل وأعوانه على ما قارفوه من مواقف وسياسات وممارسات، لا أن تقتصر المحكمة على اختلاف مبلغ أو مد اليد لجهة خارجية طلباً لعون مالي، احتفظ به لنفسه ... هذه حكاية مضحكة لفرط سخافتها، لائحة الاتهام كان يتعين أن تتضمن عناوين أخرى.
الحال ذاته، ينطبق على محاكمات مبارك في قضايا القصور الرئاسية وغيرها ... رجل حكم مصر لثلاثة عقود، كانت كافية لتحجيم دورها وإضعاف مكانتها ... رجل أفسح المجال لدول عربية هامشية، أن تتقدم الصفوف على مصر، الزعامة التاريخية للعالم العربي ... رجل ألحق الضرر بملايين الفقراء والمحرومين من أبناء مصر وبناتها ... حول هذه السياسات والممارسات، كان يتعين محاكمة الرئيس مبارك، وليس على اتهامات بالسمسرة والتلاعب بمبالغ مالية «صغيرة مهما كبر حجمها».
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، كان أوفر حظاً من نظيريه المصري والسوداني ...  فقد خرج من الحكم بصفقة «خليجية»، مكنته من الاحتفاظ بثروته التي جمعها طيلة ثلث قرن من الحكم، ووفرت له الحصانة والحمائية اللتين يحتاجهما، لكن إصرار الرجل على الوجود في قلب المشهد السياسي، هو ما سيقوده لاحقاً لملاقاة حتفه، بعد أن قرر «خيانة» حليفه الحوثي، والقيام بدور «حصان طروادة» لإدخال التحالف العربي إلى قلب صنعاء.
بوتفليقة يبدو أكثر هؤلاء الزعماء حظاً وحظوة ... لقد غادر قصره إلى منزله، لا أحد يلاحقه أو يطارده سياسياً أو قضائياً ... حملة تطهير البلاد من الفساد والفاسدين تطال أعوانه وعائلته، وليس هو شخصياً، مع أن كل من يقبع اليوم في السجن من هؤلاء الفاسدين والمفسدين، ما كان له أن يفعل ما فعل، من دون حماية و»صرف نظر» من قبل الرئيس نفسه.
خلاصة القول، إن الاتهامات الجنائية التي وجهت لقادة عرب معزولين، على أهميتها، ما كان يجب أن تحجب «الاتهامات السياسية» الجوهرية التي كان يتعين مواجهتهم بها ... محاكمتهم السياسية كان يتعين أن تكون محاكمة لحقبة سياسية كاملة، ولمسار سياسي – اقتصادي – اجتماعي مكلف.

الدستور  

الأحد 15 كانون الأول / ديسمبر 2019.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات