ليس لأننا لا نعرف

تم نشره الإثنين 27 كانون الثّاني / يناير 2020 12:44 صباحاً
ليس لأننا لا نعرف
د. صبري الربيحات

الاستراتيجيات التي تضعها الحكومة وأجهزتها المختلفة تحمل أهدافا وتطلعات طموحة تدهشك وأنت تطالعها. غالبية ما تعده الحكومة من خطط واستراتيجيات وحزم يصف الواقع ويشخص التحديات لكنه يبدو قاصرا عن إحداث الأثر المرغوب والمتوقع في تغيير الواقع والوصول إلى الاهداف المعلنة. هذه النتيجة أكدها تقرير حالة البلاد الذي اصدره المجلس الاقتصادي الاجتماعي قبل ايام.
في منهجية التقرير الذي صدر للسنة الثانية على التوالي وصف لأوضاع الاردن للعام 2019 وتوصيات ومقترحات للخروج من الازمة التي كشف عنها التقرير، بالرغم من تجنب التقرير لتناول الفقر والبطالة كعناوين رئيسة هذا العام الا ان التقرير مشبع بالشواهد على تراجع مستوى الخدمات وضعف الإدارة وتباطؤ السير في تنفيذ الأهداف والخطط او التراجع عنها. في ثمانية محاور واكثر من 900 صفحة يقدم التقرير مراجعة تفصيلية للاستراتيجيات التي وضعتها الوزارات والدوائر ويبين مدى التقدم الذي حققته المؤسسات في التخطيط للتنفيذ ويحاول بيان اذا ما تحققت مع عرض للعوامل التي حالت او حدت من تنفيذ هذه الاستراتيجيات.
عملية التقييم التي شارك فيها المئات من الخبراء والفنيين واصحاب الفكر تجعل من التقرير ورشة وطنية فاعلة تقدم قراءة نقدية شاملة وتعقد مقارنات موضوعية بين ما يقوله الساسة وما تنفذه الوزارات والقطاعات وصولا إلى ما يلمسه المواطن والجمهور. وهو محاولة مهمة وناجحة في تحويل التقييم إلى عمل روتيني ممنهج يحصر الاهداف ويبين العمليات ويكشف أوجه النجاح ويؤشر على مواطن الخلل.
على كافة الصعد وبدون مبررات قوية تعاني مختلف القطاعات من مشكلات بعضها مزمن والبعض الآخر حديث جاء كنتيجة لظروف وعوامل داخلية وخارجية ألقت بظلالها على البلاد وأسهمت في خلق الظروف والمبررات لتجميد وتوقف البرامج.
في الاقتصاد والخدمات والتنمية والادارة وحتى في قطاع الخدمات يوجد خطط واستراتيجيات عشرية وخمسية وسنوية تقدمها الحكومات وأجهزتها في المناسبات وتتحدث عنها على اعتبار انها انعكاس للواقع دون التأكد من ملاءمتها او قدرتها على التأثير في واقع الناس.
في تقرير المجلس لهذا العام إشارة إلى اتساع فجوة الثقة بين الحكومة والمواطن. فالحكومات لم تعد قادرة على تحسين اوضاع الناس ولا مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها فهي تعاني من تراجع الموارد وضعف حلقات الادارة العليا بالتزامن مع غياب الرقابة والمساءلة.
في المحاور الثمانية التي تناولها التقرير هناك تباين واضح بين الاستراتيجيات والخطط التي تضعها القطاعات حيث تفتقر بعض المؤسسات إلى خطط تنفيذية لاستراتيجياتها, في الاقتصاد والمالية العامة وخطط الاصلاح التي أعدت للزراعة والمياه والصناعات والخدمات الاساسية والتنمية البشرية بأبعادها التعليمية وفي التنمية السياسية وغيرها توجد مشكلات تحد من قدرة القطاعات على تحقيق الاهداف. بعض هذه المشكلات تتعلق بسرعة التغيير الاداري والبعض الآخر مرتبط بتباين السياسات وتبديل اجهزة التنفيذ اضافة إلى النقص الحاد في الاموال اللازمة لذلك.
الإصلاح السياسي الذي استحوذ على اهتمام الدولة وكان عنوانا رئيسا في برامجها ظل يراوح مكانه دون ان يتجاوز المراحل التجريبية فقد تجمدت ادوار الاحزاب وتبدل قانون الانتخاب وتعطل تنفيذ فكرة الحكومات البرلمانية لأسباب ومبررات غير مفهومة.
لقد أسهم التردد في مواجهة التحديات بخطط وبرامج تنفيذية وجداول زمنية إلى غياب الانجازات الملموسة ولجوء اللاعبين إلى السياسات الاسترضائية والحلول الترقيعية مما أدخل البلاد في ازمة طال أمدها واصبح من الصعب تجاوزها بدون إرادة عميقة بضرورة الإصلاح ووضوح في الرؤيا واختيار مناسب للأجهزة والمساءلة ضمن شروط ومؤشرات الأداء والكل يعرف ان النهج المتبع لا ولن يكون قادرا على تحقيق الاهداف ولا الخروج من الازمة.
في الأردن لا علاقة لمشكلاتنا المتعددة بنقص المعرفة او قلة الكفاءات ولا لضعف التشخيص فالجميع يعرف أننا قادرون على ان نكون افضل مما نحن عليه بكثير، مشكلتنا الحقيقية في الطريقة التي ندير فيها شؤوننا ونختار رجالاتنا ونستجيب فيها للأخطاء وسوء الممارسات. ما لم نتوقف عن استمراء هذه الاوضاع وإعادة تجريب المجرب فلن تقوم لنا قائمة وسنستمر في السير نحو المجهول.

 

الغد - الاحد 26-1-2020



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات