هل سينتهي الفن بعد غزو أدوات التكنولوجيا العالم؟

تم نشره الثلاثاء 12 أيّار / مايو 2020 12:37 مساءً
هل سينتهي الفن بعد غزو أدوات التكنولوجيا العالم؟
فن تشكيلي

المدينة نيوز: منذ بداية القرن التاسع عشر، يتحدث الفلاسفة والأدباء عن انتهاء الفن، وزوال التاريخ، وكذلك مستقبل الأدوات الفنية. وعندما أطلق جي دبليو إف هيغل، صيحة نهاية الفن، لم يكن يقصد بالطبع، توقف الفن في العالم فيما بعد، لكنه ألمح إلى أن الفن بطبيعته وقتها، أتم الهدف الذي اخترع من أجله، حيث حقق الإنسان وقتها من خلاله، القيمة المعرفية المطلوبة. وكانت رؤية هيغل، بأن الفن حتما سيكمل، لكن إن كان بنفس الوتيرة السابقة، سيكون في نفس غلاف ما حققه مسبقا.

رؤية جديدة

وبعد رؤية هيغل، ثار جدل كبير بين الفلاسفة والكتاب حول تلك النهاية، فمنهم من فهم هذه الرؤية على سطحيتها وسخر منها، وكان رهانه على أن إصدارات الفن لم ولن تتوقف. لكن قصد هيغل كان في توقف حقبة ما من الفن، وبدء حقبة أخرى وقتها.وفي عام 1989، صرح الفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكو ياما، بأن التاريخ قد انتهى، وتم استنفاد جميع البدائل المنهجية القابلة للتطبيق والتحقق للليبرالية الغربية. وأوضح بأن الفن سيستمر لا محالة، لكن دون تقديم أي موضوع جديد.

وبما أن الفن أحد أهم طرق محاكاة الإنسان للطبيعة، وإدراك خباياها، وبالتالي فهم مكنونه الذاتي، وفك القيود التي تحد من حريته، فإن كافة الأطروحات التي أثيرت، ومازالت تثار حول الفن، تكتسب أهمية بالغة في تقييم تاريخ الفن.

وكان هيغل سببا في تطور معنى الفن برؤيته، التي كانت سببا في النظر لما بعد، من كافة الفلاسفة والنقاد. حيث تحدث هيغل وقتها: أن "ظروف عصرنا الحالي ليست مواتية لصناعة فن جديد، خاصة أننا في قمة ما أنتجه الفن عن  الماضي والحاضر". فلم يقصد هنا نزع الفن من الحياة، واستئصاله، بل تحفيز الفنانين للمزيد من البحث والإبداع، باستخدام طرق أخرى، مغايرة للتي كانت تهيمن وقتها.

مدارس جديدة

في عام 1835، صرح هيغل بأن الفن قد انتهى، وبعد عدة سنوات، عرض الموسيقار الألماني ريتشاد فانجر معزوفة "Tannhauser" في درسدن، وكانت أول أوبراه العظيمة، التي غيرت تكوين الموسيقى للأبد.

وبعد قرن من تصريح هيغل، شهدت الفنون البصرية تطورات ملحوظة في أدواتها، وطريقة عرضها، حيث ظهرت المدارس الفنية المجددة، والمغردة خارج سرب الفن قبلها مثل التكعيبة، والانطباعية، والفوفية، والسريالية، وهو ما أدى إلى تغير الأدب والشعر، والفن، والمعمار، وسيرها نحو أعماق مختلفة، فيما قبل الحداثة.

ونلاحظ في عصرنا كيف أن التكنولوجيا عززت من تسارع الحركة الفنية، فظهرت أشكالا متعددة من التفاعلات بين الإنسان والأدوات الرقمية، منها الفيديو آرت، وسينما الخيال العلمي، وكافة المؤثرات الصوتية والبصرية التي تدمج في السينما، وكذلك أجهزة الرسم الرقمية، المسخرة للفنان.

فن من القمامة

وفي عام 1964، أعلن الفيلسوف الأمريكي آرثر دانتو نهاية تاريخ الفن، بعد أن حضر معرضا فنيا في غاليري الإسطبل في نيويورك، وقد شاهد عرض "Brillo box" للفنان الأمريكي آندي وارهول.

والعرض عبارة عن مجموعة من صناديق الكرتون تم تصفيفها فوق بعضها، وتم دمج منتجات تنظيف بريلو، وبعض علب الصلصا، يومها أعلن دانتو نهاية تارخ الفن، وقال: "لابد أن تكون مكونات الفن، غير هذه القمامة".

لحظة فلسفة

وأثار دانتو بذلك جدلا حول ماهية الفن، ما الفن، وما الذي يريد تقديمه. كما وضع دانتو فاصلا بين نظرية الفن غير المخطوطة مسبقا، وما سيحدث في المستقبل.

ففي الماضي أصر الإنسان على امتلاك أدواته في محاكاة الطبيعة، ورسم تأملاته بصريا، وصياغتها في هيئة تتيح له اكتشاف ما هو خفي في ذاته والطبيعة. وبعد حدث معرض وارهول، انتقل الفن إلى ما بعد التاريخ، وصار الفن يتكور في لحظة فلسفة، بين الإنسان وذاته، فما في الطبيعة من أدوات، أصبح مسخرا لعرض فكرة مخبأة في الوعي البشري، وما من قيود حول آلية عرضها للعالم، حتى وإن كانت مثل تلك القمامة التي أشار إليها دانتو.

ج دهوسابقا، أكد هيغل على هذا، حينما قال: "يمكن  للفن إعادة النظر في جميع الأدوات والتقنيات المختلفة التي طرحها تاريخ الفن، وإعادة تدويرها حسب الرغبة".

كما أردف:"بهذه الطريقة، فإن كل شكل وكل مادة هي الآن في خدمة وقيادة الفنان، الذي تم تحرير موهبته وعبقريته من القيد السابق، لانتاج شكل فني معين".

الخلاصة

إذن، الحديث عن نهاية الفن، ونهاية التاريخ، وما بعد انتهاء الفن، هو انتقال إلى مرحلة جديدة، يتم فيها تحرير الفن من روايته السابقة، والتخلي عن طريقة السرد القديمة، بوضع ما لا حصر له من الأدوات الجديدة، دون قيد أو نمط، من أجل صنع مادة بصرية تصلح لأن تقول شيئا، من إنسان لآخر، عبر أدوات الطبيعة اللا حصرية.

كما أن نظرتَي هيغل ودانتو، وعلى الرغم من التباعد بينهما في الزمن، إلا أن الرؤية كانت تصب في نهر الوعي الإنساني، الذي صار أكثر تعقيدا من فكرة محاكاة الطبيعة، ففلسفة الذات البشرية إلى يومنا هذا هي المحرك لماهية الفن، وفلسفة المعروض.

فقد تطور العقل البشري بما يتجاوز قدرة الفن على التعبير، فلم يعد الفن قادرا على دفع عملية صقل الوعي الجمعي إلى الأمام، وبينما تم إعفاء المناهج الدينية، والفلسفية، من هذه المهمة، صار على الفن أن يتخذ مكانا خارج الإطار التشابكي بين الإنسان وذاته وأدواته، ويكون عاكسا لهذه الصيرورة دائمة التغير، بمعنى أن عملية صقل العقلية البشرية صارت مفاهيمية أكثر.

هذا التغير المستمر في الإنسان، في حقبة تسارع أدوات التكنولوجيا في غزو العالم، صار على الفن نفسه، البحث عن هويته، وما هي سماء حدوده، وكيفية خلق انطباع ما خارج إطار العمل الفني، من خلال جذب العين، والحواس، ومنح الجسد المقابل إحساسا، وتجريبا غير مسبوق، أو مفهوما، يهزم القناعة النمطية.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات