لا نريدُ فشلا جديدًا

تم نشره الأربعاء 10 حزيران / يونيو 2020 12:23 صباحاً
لا نريدُ فشلا جديدًا
مكرم أحمد الطراونة

لا أملكُ أرقامًا دقيقةً حولَ المبالغِ التِي صُرفتْ منذُ بدءِ التفكيرِ بالتحوّلِ نحوَ الحكومةِ الإلكترونيّةِ، لكنْ لا شكّ أن حجم الإنفاقِ على هذا المشروع كانَ بملايين الدنانير، وهي من أموالِ الأردنيين دافعي الضرائب والرسوم.
هذا المشروع ما يزالُ مجردَ أفكار وتوجّهات تسوقها الحكوماتُ المختلفة حتى يومنا هذا، وللإنصاف فقدْ أُنجزَ بعضٌ منه بمرور أكثر من 15 عاما على إطلاقه، فيما دول جوار بدأتْ به بعد المملكةِ بسنوات، إلا أنها تجاوزتنا بمراحلَ بعد أن سرّعت إجراءاتِها لتحقيقِ مفهوم الحكومة الإلكترونية.
في أزمة كورونا، سقطَ هذا المشروع سقطةً مدويّة، وثبتَ بالدليل القاطع أنّ سنوات وسنوات من العمل كانت مجرّدَ سراب، وأن ما كانت الحكوماتُ تقنعنا به لا يتعدى كونه إبرَ تخديرٍ تجعلنا نغوصُ في وهْمِ التحوّل الإلكتروني، كما ثبتَ أنّ الحكومةَ مفلسةٌ في هذا المجال، ولا تملك شيئًا، وهو أمر يتحمّله جميع المسؤولين على مدار كل تلك الفترة.
كورونا كشف أن الخدمات الإلكترونية في الدولة شِبهُ معدومة، فالكثير من الأردنيين لم يتمكنوا، على سبيل المثال، من تجديد ترخيص منشآتهم، وبيع وشراء الأراضي والشقق، وبيع أو ترخيص مركباتهم، خصوصًا المركبات التي تحتاج إلى فحص دوري، وهؤلاء ربما يتعرّضون بين لحظة وأخرى لمخالفات مالية نتيجة تأخّرهم عن ذلك.
ولو توفر ذلك، مع آلية البيع والشراء عبر الإنترنت، والدفع عبر المحفظة الإلكترونية بصورة مثالية، لتمكن المواطنون من تنفيذ عمليات تجارية، ولشهدت قطاعاتٌ مختلفة حركةً نشطةً، وإن كانتْ محدودة، ومقيّدة باعتبارات مختلفة. وهذا أفضل من لا شيء.
هل إمكانياتنا البشرية لم تكن قادرةً على فعل ذلك؟ هذا مستبعد جدا، فالحقيقة تكمن في أنّ إرادة المسؤولين كانت غائبةً، لذلك على الدولة إقامة حدّ القانون بحق كل من خصّص مبالغَ ماليةً لذلك ولم ينفقْها في الطريق الصحيح.
خلال زيارته إلى شركةِ “ويب هيلب” للاستشارات التقنية، أكد سمو وليّ العهد على قضية مهمّة جدا، تتعلق بتصدير الاستشاراتِ التقنية والخدماتِ الرقمية والاستفادة من الشباب في هذا المجال، وهذا يعني أن الأولوية اليوم يجب أن تكون في الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، وخلقِ تنافسيةٍ حقيقيةٍ مع جيران المملكة ممن يتقدمون علينا في هذا الحقل.
وبما أننا لا نملكُ صناعةً متقدمةً في مجال البرمجيات، فحتمًا لن نستفيدَ من خيار التصدير، وعندها نكونُ قد فقدنا فرصةَ إيجادِ إيرادات كبيرة تخدم الاقتصاد الأردني والماليّة العامّة للدولة. ومثلما نؤكّد على أهمية الزراعة والسياحة، فإن هذا المجال قد يكون أقلَ كلفة وأكثرَ فائدة.
اليوم الدراسات العالميّة التي صدرت خلال أزمة كورونا تتحدث عن أن المبرمجين سينالون خلال السنوات الخمس المقبلة النصيبَ الأكبرَ في سوق العمل، ومن هنا تبدو الحاجةُ ملحّةً لتأسيس بنية تحتية لمجتمع متخصص في البرمجيات والبرمجة، أو العودة لفكرة مدينة الإنترنت إذا ما كانت كافية بالغرض.
التحوّل نحو صناعة التكنولوجيا والبرمجة، يتطلب بالدرجة الأولى إرادةَ دولةٍ، والتعاون مع القطاع الخاص عبر تقديم كل ما يحتاجه من دعمٍ حقيقي، دون إحباطه ووضع العراقيل أمامَه، أو استغلاله، بالتزامن مع إعادة النظر في خطة الدراسة في الجامعات لطلبة البرمجة، لضمان تخريج جيل واسع الأفق وقادر على البحث وإحداث التغيير.
كما لا بدّ من إدخال لغة البرمجة في المناهج الدراسية في مراحل مبكرة من عمر الطلبة، وهذا توجّهٌ تم الحديث عنه سابقا لكنه لم ينفذْ لغاية الآن. البرمجةُ أساس التحول الرقمي، فأيّ تطبيق أو منصّة تحتاج إلى مبرمج، لذلك فهي لم تعدْ ترفًا، خصوصًا أنّ أزمة كورونا أكدتْ أهمية التحول الرقمي، بعد أن أدخلتْ شرائح جديدة على الإنترنت ككبار السن ممن لم يكونوا مقتنعين بهذا العالم الافتراضي.
العملُ وفق نظام “الفزعة” و”فوضى” إنشاء المنصات لم يعدْ مجديًا. علينا اليوم أن نبني استراتيجيةً واضحةً تتبناها الدولة، لكي نضع اللبنة الأولى لتطوير القدرات البشرية لدينا من أجلِ مهنِ وعلومِ المستقبل.
لا نريدُ فشلا جديدا يفقدنا ملايين أخرى من الدنانير تنفق بدون وجه حق، أو بدون تحقيق تقدم. ولا نريدُ أيضا أزمةً مثل كورونا لكي تكشفَ لنا كم نحن متأخرون عن العالم عندما نكتشف فداحة الفجوة التكنولوجية بيننا وبين الآخرين.

الغد 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات