لا يمكن أن نواجهه بالقانون فقط

تم نشره الأربعاء 15 تمّوز / يوليو 2020 12:57 صباحاً
لا يمكن أن نواجهه بالقانون فقط
حسين الرواشدة

أخطر ما فعلته « موجة « الفساد بنا أنها نجحت في « تغييب» الضمير العام، وتسللت إلى مجتمعنا من خلال عملية منظمة لشراء الذمم وإسكات الأصوات، ومن المفارقات الغريبة أن الصراع على ملف « الفساد « أصبح بين الفاسدين أنفسهم، وبرعاية « الكومبارس « الذي يقف وراءهم، وبالتالي تحولت المعركة ضد هؤلاء إلى « فخ « لا نعرف كيف نتعامل معه أو نخرج منه.

إذا سألتني كيف ؟ سأقول لك : إن بعض القضايا التي تطرح في الإعلام أو حتى في الشارع ليست أكثر من « مكائد « رتبها بعض المتورطين في الفساد لإشغال الناس بها، أو لتصفية حسابات بينهم، او لتضخيم الظاهرة بحيث يبدو من المستحيل مواجهتها، ناهيك عن تصريحات تحذيرية سمعنا بعضها تهدد وتتوعد «بكشف « المستور او بتوريط الجميع على قاعدة «علي وعلى أعدائي «، هذه كلها مناورات يريد الفاسدون من خلالها أن يأخذونا إلى مكان آخر مزدحم بالغضب واليأس، أو أن يوجهوا نقاشاتنا حول الموضوع إلى أجندات صمموها لأهداف مشبوهة وغير بريئة.

الفساد – يا سادة – لم يعد يقتصر على نهب الأموال وسوء استخدام الصلاحيات الإدارية، لقد تطور وتمدد حتى أصبح جزءا من حياتنا العامة، واخطر ما فيه انه أصاب منظومة أخلاقنا، وروض « ضمائرنا «، وأنتج جيلا جديدا او طبقة تمددت وتوسعت حتى أصبحت مصالحها مرتبطة به تماما، وبالتالي فهي تحميه وتدافع عنه بكل ما لديها من قوة ونفوذ.

صحيح، مطلوب أن نصوب أنظارنا ونشير بأصابعنا لمن اعتدى على المال العام او لمن ضبط « متلبسا « بتوزيع غذاء فاسد، او من نهب « الأراضي « والمصاري والشوارع، لكن الأهم أيضا أن لا نغض الطرف عن فساد اخطر خرج من « تربة « تجاوز الصلاحيات والمسؤوليات، أو إفساد استهداف شراء ذمم الناس ومواقفهم وأصواتهم، فافرز ما نعانيه من مجالس نيابية ضعيفة او من إفقار للحياة العامة، او من تدمير لمؤسساتنا واغتيال لشخصياتنا او من عبث في قيمنا الوطنية.

إن استدعاء القانون لمحاسبة هؤلاء ضروري بالتأكيد، لكنه لا يكفي، فعيون القانون مهما كانت مفتوحة لن تستطيع ان ترى كل هذا الخراب المعلن والمخفي، وبالتالي لابد من التوجه لإحياء الضمير العام لدى المجتمع، بكل ما لديه من طاقة وقوة وصحوة، وهذا لن يتحقق إلا إذا حررنا أخلاق الناس من حالة «التسفل» التي بدأت بتعميم الخوف على المصالح، والتخويف من سوء المنقلب، والتشبث بالمواقع، ثم إسقاط مفاهيم العيب والحرام من المجتمع، واعتبار كل صور النهب والإثراء والكسب غير المشروعين حرية متاحة ما دامت تحت اليد، ثم تمددت لتشكيل ثقافة جديدة عنوانها « انتهاك « حرمة المجتمع وتجاوز قيمه وأعرافه وتقاليده الصحيحة.

رجاء، أعيدوا لنا أخلاقنا وضميرنا العام، وعندها لن تكون بحاجة إلى رقباء يقفون على أبوابنا ويحصون أنفاسنا، وسنكون قادرين على مواجهة هؤلاء الذين نهبوا أموالنا وسمموا أذواقنا وخربوا أداء مؤسساتنا، فالفساد الأكبر الذي نعاني منه هو فساد الضمائر، وهذا لا يمكن أن نواجهه بالقانون فقط.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات