يوميات نصراوي: الرملة اول عاصمة لفلسطين

تم نشره الأحد 25 تشرين الأوّل / أكتوبر 2020 10:12 مساءً
يوميات نصراوي: الرملة اول عاصمة لفلسطين
كتاب

المدينة نيوز :- في  حدود العام 1980 وصلت الى مدينة الرملة في زيارة لعائلة زوجتي والوقت كان عشية ما يسمى "عيد الاستقلال".

لفتت انتباهي اعلانات ضخمة تملأ شوارع الرملة ومداخلها تدعو السكان الى الاحتفال ب "تحرير" مدينة الرملة وعرب الرملة "المحررة" مدينتهم، الذين يسكنون في احياء مهملة تسمى ب "الغيتو العربي" يقرأون عن احتفالات تحرير مدينتهم.

لست هنا في باب الرد على "رواية التحرير" الصهيونية ولا تفاصيل النكبة الفلسطينية وحصة الرملة فيها وهي حصة كبيرة جدا. انما ساذهب الى تاريخ الرملة التي "حررت" والتي يشملها تشويه تاريخ الوطن الفلسطيني. في حالتنا قد تتحول الرملة الى هدية أخرى من ابراهيم الخليل لأبناء اسرائيل.

كانت الرملة خلال فترة طويلة، خاصة في عهد الدولة الأموية عاصمة للولاية الفلسطينية، لعل في استعراض التاريخ ادراك ان الغطرسة والاستعلاء هي نتيجة طبيعية للصوصية والتزوير.

بنى سليمان بن عبد الملك بن مروان مدينة الرملة عام (710ميلادية) يوم كان واليا على فلسطين في عهد أخيه الخليفة الأموي الوليد (705 – 715م) وواصل سليمان بناء المدينة بعد ان تولى الخلافة بعد الوليد، لكنه لم يعمر طويلا. اذ توفي بعد عامين ونصف العام (717م) لكنه حول الرملة الى عاصمة الولاية بدل مدينة اللد المحاذية لها.

جاء بعده عمر بن عبد العزيز الذي تابع ما بدأه سليمان من بناء مدينة الرملة، فبنى الجامع الأبيض، اذكر هذا الجامع منذ تلك الأيام ببنائه المتهالك، لكنه رمم فيما بعد. قام عمر بن عبد العزيز ببناء "العنزية" وهو مجمع لسقي المعزة، ما زال ذلك الموقع من اجمل آثار الرملة التاريخية ومن معالمها السياحية الجميلة. العنزية عبارة عن نبع وبركة ضخمة تحت الأرض، ينزلون اليها بدرج شديد الانحدار، بالإمكان ركب قارب صغير والتجديف به في ارجاء البركة.

كانت تنشل المياه من البركة لسقي القطيع، لكن المكان مهمل نسبيا وتاريخه مشوه.

هناك رواية اخرى تقول ان العنزية بالأصل هي كنيسة اسمها "سانتا هيلانه"، وهو من الأسماء اللتي يعرف بها الموقع حتى اليوم، بنتها حسب الرواية الملكة هيلانه ام الإمبراطور قسطنطين، التي يعتبر دخولها للمسيحية انطلاقة عظيمة للمسيحية حولت المسيحية الى دين امبراطورية قسطنطين وبداية لانتشار عالمي واسع للمسيحية. رُسمت هيلانه قديسة بسبب اعمالها في بناء عشرات الكنائس في الأماكن التاريخية للمسيحية ونشر المسيحية.

هناك رواية تقول ان العذراء مريم في طريقها الى القدس هربا من هيرودوس، استراحت في ذلك المكان، وان كنيسة سانتاهيلانه المذكورة غمرت ارضها مياه الينابيع بسبب انخفاضها وتحولت الى بركة ماء تحت ارضية، بني فوقها مسقى العنزية. بسبب اهمال دائرة الآثار للآثار العربية والاسلامية، لم يتم الكشف عن الكثير من سراديب وطرق وابنية الرملة التاريخية، ظلت مغلقة بالأتربة ولا يجري الكشف عنها، هذا عدا عشرات المقامات والأضرحة الدينية الاسلامية ذات القيمة التاريخية، أبرزها مقام النبي صالح ببرجه الشامخ ، البعض يقول ان اسمه النبي الصالح مع "ال" التعريف.

كان وقتها مهملا واشبه بمجمع للنفايات. اليوم نظف واستغلت الأرض لمشاريع بلدية .. وقد علمت ان مهندسة رملاوية تقوم بالعمل على كشف "اسرار" الرملة العربية ومعالمها التاريخية، لكن يبدو ان المهمة أكثر صعوبة من رغبة شخصية ودافع وطني.

من الجدير ذكره ان آخر رئيس لبلدية الرملة قبل النكبة هو الشيخ مصطفى الخيري، البعض يقول انه يعقوب القصيني، مهما كان الخلاف فالإثنان هما آخر رئيسان لبلدية الرملة العربية قبل ان "تحرر" - الأول مسلم والثاني مسيحي وتلك دلالة هامة لحياة التآخي والتفاهم التي سادت المجتمع الفلسطيني ومدينة الرملة العربية ، قبل الظواهر الطائفية المقلقة التي بدأت تنتشر اليوم وتزيد مجتمعنا تفسخا.

مدينة الرملة التي "حررت" على آخر زمان، كانت خلال تاريخها الطويل، مركزا للثورات العربية التحررية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، منذ اواخر العصر الأموي وحتى الفتح الصليبي، أي لفترة تزيد عن اربعة قرون وهذه أهم معالم تلك الثورات.

اول ثورة يحدثنا عنها التاريخ كانت ثورة عام(743م) نصب خلالها الثوار احد ابناء سليمان بن عبد الملك قائدا لهم وذلك حفظا منهم لعهده وقد بايعوا ابنه يزيد أميرا للمؤمنين، لكن الوليد الثالث خليفة دمشق استطاع القضاء على الثورة بمعارك دامية.

بعدها كانت ثورة المبرقع اليماني، الذي انتفض على المعتصم خليفة بغداد عام (841م)وقد هزمت جيوش الخلافة المبرقع وأسرته ونقلته الى سامراء العراق.

حين تولى الشيخ عيسى بن عبدالله الشيباني ولاية الرملة ( فلسطين) قام بجهود مضنية لإقناع المعتمد الخليفة العباسي باستقلال فلسطين، لكن جهوده فشلت، فتمرد على المعتمد، الذي ارسل الجيوش وقضى على تمرد الشيباني ومحاولته اقامة دولة فلسطينية وطرده من بلاد الشام كلها.

في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي والنصف الأول من القرن الحادي عشر، جرت محاولات كثيرة قام بها آل جراح في سبيل استقلال فلسطين عن دولة الخلافة... وذلك من عاصمة ولاية فلسطين مدينة الرملة، لكن ثوراتهم وتمرداتهم المتواصلة فشلت في مواجهة جيوش الخلافة العباسية، رغم الفترة الطويلة التي صمدوا بها.

هذا التاريخ يبين ان الشعب الفلسطيني ليس وليد الصدفة، كما تحاول ان تصوره الرواية التاريخية الصهيونية، انما هو شعب جذوره عميقة بالتاريخ والنضال من أجل الاستقلال. له ثقافته وحضارته الخاصة والتي هي جزء من الثقافة والحضارة العربية، من الضروري ان نؤكد ان العرب في بلاد الشام ، كانوا قبل الاسلام بعشرة الاف سنة.

نبيل عودة 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات