المهمات التنويرية للعالم الإسلامي المعاصر

تم نشره الإثنين 26 تشرين الأوّل / أكتوبر 2020 12:43 صباحاً
المهمات التنويرية للعالم الإسلامي المعاصر
جمال الطاهات

أمام المفكرين والسياسيين في العالم الإسلامي (إسلاميين وغير إسلاميين، وغير مسلمين)، مهمتين مركزيتين متكاملتين متزامنتين تنويريتين بامتياز: الأولى تحرير المجتمعات الإسلامية من الكهنوت الديني وغير الديني، والثانية إيجاد حلول عملية وتطبيقية (بديلاً للتبريرات الكهنوتية للفشل)، لمعضلة «العلاقة الملتبسة» بين المتطلبات التنظيمية والإدارية والمعرفية للتقدم والتحديث، والتكوينات الثقافية والمنظومات الاجتماعية للمسلمين. فالتحرر الإنساني، ليس مشروع مقاولة يتم انجازه نيابة عن المجتمعات، بإنشاء مؤسسة هنا أو هناك، بل مسيرة مستمرة تستند إلى ركنين متكاملين: تعزيز «الجرأة على الرشد»، بالممكنات المادية والتنظيمية التي تجعله ممكناً ومثمراً.  
استرداد الإسلام من الكهنوت –الذي اختطفه وانقلب على الروح التحررية والإيمانية لفكرته، ونقل مركز ثقلها من الإيمان إلى طقوسية (فاقدة لرابطها الضروري مع الإيمان)- مهمة يتطلب انجازها، التجسير بين الطيف الواسع للمسارات والخيارات العملية التطبيقية للتقدم، وواقع المجتمعات الإسلامية. فمسارات التحرر الروحي والعقلي للأفراد، تحتاج لإسناد مادي يتحقق، بتحرير مسارات التقدم المادي، واستردادها من كهنوت التحديث.
وهذا يقتضي التصدي الحازم، للمعزوفة المملة للفكرة العاقر: «ليس الخطأ في الفكرة والمبدأ» ولكن في المجتمعات التي تسعى لتطبيقها. ويسعى الكهنوت (الديني وغير الديني) لتعزيز نفسه بالقول: بأن الخلل ليس في الإسلام ولكن في المسلمين. الخلل ليس في المسار الوحيد المقترح للتقدم، ولكن في المسلمين. فأصبحت إدانة المجتمعات الإسلامية (مسلمين وغير مسلمين)، والتعالي الكهنوتي عليهم، وسيلة لتعويم المسؤولية عن الاخفاق في مسيرة التقدم.
الإسلام، كما المسيحية، دين قام على إنشاء علاقة مباشرة بين الله والإنسان الفرد (بغض النظر عن جنسه أو عرقه، أو علمه). فالفكرة الإيمانية (قبل اختطافها من قبل الكهنوت) مستقلة عن مستوى التطور الثقافي، أو العلمي للشخص. وهي ليست مجموعة قياسات ذهنية، وإنما موقف فردي في مواجهة الكون كما يتبدى للوعي الفردي (الحدسي دون توسط). وهذا يتناقض بشكل جوهري مع الفكرة الكهنوتية التي تصر على «الإسلام الصحيح»، او التقدم الصحيح، او الحداثة الصحيحة. فهذه كلها تعابير «صحتها» قائمة على إفتراض أن هناك مثال صحيح واحد للإيمان، ومسار وحيد للتقدم، يعلمه فقط مجموعة من الأشخاص الذين يدعون وجوده، وعلى الفرد أن يقضي حياته كلها، يلهث خلفهم من أجل النجاة من النار، او تحقيق التقدم والتحديث.
إن التصدي للكهنوت (الذي اختطف حرية الإيمان، وازدرى الفرد، وتعالى على الناس)  يتطلب تقديم فهم جديد للتوتر المستعصي بين الضرورات العملية والتنظيمية، التي تفرضها التقنية كرافعة للتحديث والتنوير، وبين الحالة الثقافية والموروثات الاجتماعية والمستوى الثقافي والتعليمي. فالخطأ ليس في المسلمين، ولكن في الكهنوت الذي يتمسك بنموذج طقوسي للإيمان. الخطأ ليس في المسلمين، ولكن في الكهنوت الذي يفرض مسار تنظيمي وحيد نحو الحداثة. الخطأ في التشوهات التي حصلت للمدن، وشوهت مسارات التمدين، وليس في المسلمين.
المهمة المركزية هي التصدي للكهنوت الذي يسعى لتضليل الناس، وإيهامهم بأن بنيتهم المعرفية والثقافية والعقلية، هي المسؤولة عن اخفاق مشروع التحديث والتقدم. وهذا يتطلب التأكيد على أن التقدم هدف، يمكن صياغة مساراته العديدة، بشكل لا يتناقض مع البيئة الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات.  
إن تجسير الفجوة المروعة بين الروح الإيمانية للمجتمع الإسلامي، وبين الحياة الواقعية للمسلمين، مهمة بمسارين متلازمين: أولاها التصدي للكهنوت، بكافة انواعه، الذي يكرس وجود سياقين يعيقان وحدة المجتمعات: واحد للسلطة وأدواتها وكهنوتها، وآخر للناس. والثانية تحرير التحديث من فكرة المسار الوحيد المفضي إليه، وأن التحديث والتقدم خيار، لا يتحمل «الناس» مسؤولية الفشل وعدم الانسجام «المستعصي»، بين متطلباتهما التنفيذية والتنظيمية، والمنظومات الثقافية والاجتماعية للمسلمين.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات