فرض المفهوم التنويري للإنسان بالقوة

تم نشره الأربعاء 28 تشرين الأوّل / أكتوبر 2020 12:43 صباحاً
فرض المفهوم التنويري للإنسان بالقوة
جمال الطاهات

فكرة الإنسان كما نعرفها اليوم، حديثة العهد، وهي منتج قرون من السجال التاريخي. مفهوم الإنسان كما تجلى عبر الحركة التنويرية التي استقرت ملامحها في القرن الثامن عشر، ليست وليدة ذاتها، بل هي منتج لتراكم ميراث قرون من التطور الفكري، والعلمي والتقني والاقتصادي. المفهوم المعاصر للإنسان، بأنه الكائن الذي يكتسب ميزاته سنداً لخصائص بيولوجية غير عرضية (مثل اللون والعرق والجنس)، بدأت ملامحها مع الدعوة المسيحية، وبالذات فيما يتعلق بإنسانية المرأة، مع التأكيد على إنسانية العبيد. وذلك في مواجهة الميراث اليوناني واليهودي، الذي ينتقص من إنسانية النساء والعبيد، ويحصر الكينونة الإنسانية في شرطين: «الحرية والذكورة».
الدعوة الإسلامية، تبنت مفهوماً قريبا للمضمون التنويري لفكرة الإنسان. فتم اعتبار المراة كائناً مكتمل الإنسانية.
كما نظر الإسلام للعبودية نظرة تحررية، فحرم استعباد المسلم، كما حض على تحرير العبيد، لكن العبودية كانت أساس لتشكل الفوائض الاقتصادية. فكان نمط الانتاج عائقاً يمنع اكتمال مشروع التنوير الإسلامي.
ثورة الزنج، في القرن الثالث الهجري، اعتمدت فكرة «تحرير العبيد»، ولكنها لم تستطع (كما هو حال ثورات العبيد في روما)، من تقديم نظام اقتصادي بديل، يتمكن من تحقيق الفوائض الاقتصادية دون عبودية. فرغم تمكنها من بناء مدينة المختارة، إلا أنها اعتراها الخلل والضعف، ولم تستطع أن تتمدد، وتكتسب استدامة دون فوائض اقتصادية. فسهل تدميرها بعد أقل من عشرين عاما على بدايتها.
الميزة التاريخية في التنوير الحديث، أنه عزز الموقف الدعوي الأخلاقي بشرعية استخدام القوة ضد المعيقات. وبعيداً عن التفسيرات الماركسية التي توحد بين التزامن والتكامل، واخضاع الدعوات الفكرية واختزالها بوظيفة اقتصادية، فإن ثورة وسائل الانتاج قدمت رافعة حاسمة لتفكيك المنظومة القديمة، وشرعية استخدام القوة لفرض قيم التنوير، بما فيها مفهوم الإنسان. ومع منتصف القرن التاسع عشر، بدأ منع العبودية، وحُرر العبيد بالقوة. ويمثل القرن العشرين، عصر تصفية العبودية، والإنحياز للتصور التنويري لمفهوم الإنسان، واستخدام كافة أشكال القوة لفرضه عالمياً.
ولكن هذه ليست حركة محمولة على الفكرة المثالية فقط. بل بدأت معززة بتطور تاريخي غير مسبوق لوسائل الانتاج. فكان نظام العبودية، من جهة يمثل عائقاً يمنع تقدم نظام الانتاج المبني على الخيارات الحرة للأفراد. فالنظرية الاقتصادية التي ترافقت مع التطورات التقنية، ربطت فرص نمو «ثروة الأمم»، بتعزيز الحريات الفردية. ومثل النظام الاقتصادي التقليدي، القائم على العبودية (بكافة أشكالها، بما فيها نظام القنانة)، عائقاً يمنع التقدم الاقتصادي الإنساني.
وبالرغم من الأصل الأوروبي لفكرة (ربط الحرية الفردية بالازدهار الاقتصادي)، إلا أن الولايات المتحدة، التي استقلت عن الاستعمار البريطاني، كانت اول من تبناها، ودخلت حربا أهلية لتصفية العبودية، كعائق يمنع تقدمها وازدهارها الاقتصادي. وقدم الترابط الضروري بين المضامين الاخلاقية للتنوير، مع التقدم التقني والازدهار الاقتصادي، المبررات الكافية لاستخدام القوة لإزالة العقبات، التي تعيق تمتع الإنسان بالحقوق التي تضمنتها المفاهيم التنويرية.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات