ميدل إيست مونيتور: منع إسرائيل محمد عساف من دخول وطنه جزء من حربها على الهوية الفلسطينية

تم نشره الأربعاء 28 تشرين الأوّل / أكتوبر 2020 02:42 مساءً
ميدل إيست مونيتور: منع إسرائيل محمد عساف من دخول وطنه جزء من حربها على الهوية الفلسطينية
محمد عساف

المدينة نيوز:- تساءل الكاتب رمزي بارود في مقال نشره موقع “ميدل إيست مونيتور” عن السبب الذي يدفع إسرائيل لملاحقة مغنٍ فلسطيني. وقال: “لماذا تكره إسرائيل المغني الفلسطيني محمد عساف؟”.

ففي 16 تشرين الأول/ أكتوبر أعلن آفي ديختر، عضو الكنيست عن الحزب اليميني المتطرف “الليكود” عن سحب التصريح الخاص الذي يسمح للمغني عساف بدخول المناطق الفلسطينية المحتلة. وعساف من قطاع غزة حيث يعيش وعائلته اليوم في الإمارات العربية المتحدة. وتحول لنجم بعد فوزه بمسابقة “أراب أيدول” في 2013، وكانت أغنيته الفائزة هي “علّي الكوفية” ومثّلت لحظة نادرة من الوحدة بين الفلسطينيين في كل مكان. ورقص الحاضرون والحكام وملايين العرب مع عساف وهو يغنيها في بيروت، بحيث عادت الثقافة الفلسطينية مرة ثانية إلى المسرح، وأصبحت أداة لا يمكن التخلي عنها أو تجاهلها.

ومنذ ذلك الوقت، غنى عساف عن ولكل ما هو فلسطيني من النكبة إلى الانتفاضة ومأساة غزة ولكل رمز ثقافي فلسطيني.

ولد عساف ونشأ في قطاع غزة حيث عانى وشاهد الاحتلال الإسرائيلي والحروب القاتلة التي شُنت على القطاع وأيضا الحصار المستمر عليه. ومثل معظم سكان غزة، فوالداه من اللاجئين، فوالدته من قرية بيت دراس، ووالده من قرية دير السبع. وحاول الشاب تجاوز إرث والديه المؤلم، ولكنه ظل ملتزما بالقيم الثقافية لمجتمعه وهو ما يستحق عليه التقدير والاحترام.

ومن هنا فإعلان ديختر عن منع عساف من العودة إلى وطنه لا يثير الغضب فقط، ولكن حرب إسرائيل على الثقافة الفلسطينية قديمة قدم الدولة نفسها. فعلى مدى العقود السبعة الماضية، أثبتت إسرائيل قدرتها على هزيمة الفلسطينيين والجيوش العربية عسكريا. واستطاعت بدعم الغرب تمزيق الفلسطينيين إلى جماعات متنافسة، وكسر أي مظهر للإجماع العربي بشأن فلسطين.

وعلى المستوى الجغرافي، يتوزع الفلسطينيون على جماعات عدة معزولة على أمل تطوير كل جماعة طموحاتها السياسية الخاصة. ونتيجة لذلك حُشر الفلسطينيون في غزة المحاصرة، وفي محاور معزولة في القدس الشرقية والضفة الغربية، وفي تجمعات اقتصادية معزولة داخل إسرائيل. وفي الخارج، تم تشتيت الفلسطينيين ضمن فئات من اللاجئين الذين شُردوا أكثر من مرة في مناخ سياسي لا سيطرة لهم عليه.

ووجد الفلسطينيون في العراق أنفسهم مشردين مرة ثانية بعد الغزو الأمريكي في 2003. وهو نفس الأمر في لبنان وسوريا لاحقا. ومن هنا فمحاولات إسرائيل تدمير فلسطين بكل ما تمثله انتقلت من العالم المادي إلى العالم الافتراضي.

ودفعت إسرائيل باتجاه حظر الأصوات الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي، وحذف أي إشارة لفلسطين على خرائط غوغل وحتى من قوائم الطيران. وأعمال كهذه ليست عشوائية، لأن قادة إسرائيل يفهمون أن تدمير دولة فلسطينية ملموسة يجب أن يرفق بتدمير فكرة فلسطين كمجموعة من القيم الثقافية والسياسية التي تعطي الفلسطينيين تماسكهم واستمراريتهم في أي مكان.

ولأن الثقافة تقوم على عدة أشكال من التعبير، فقد كرست إسرائيل طاقة ومصادر لمحو التعبيرات الثقافية الفلسطينية التي سمحت للفلسطينيين بالبقاء رغم الانقسام والتمزق العربي والتتشرذم الجغرافي.

وهناك عدة أمثلة تظهر هوس المسؤولين الإسرائيليين بهزيمة الثقافة الفلسطينية. وكأن محو الوجود الفلسطيني في مناطق 1948 ليس كافيا، حيث تحاول إسرائيل وبشكل مستمر تصميم أدوات تهدف لمحو الرموز الثقافية العربية والفلسطينية الباقية.

ففي 2009 بدأت حكومة اليمين بعملية حذف الأسماء العربية وتغيير الإشارات على الطرق إلى العبرية. وفي 2018 خفض قانون الدولة القومية العنصري وضع اللغة العربية. وهذه الأمثلة ليست الوحيدة ولا تمثل بداية الحرب وتشويه الثقافة الفلسطينية.

فالقادة الذي أنشأوا إسرائيل كان يعرفون مخاطر الثقافة الفلسطينية وقدرتها على توحيد الفلسطينيين. وكان هذا الوعي حاضرا بعد فترة قصيرة من حملة التطهير العرقي لثلثي سكان فلسطين التاريخية. وفي رسالة أرسلت إلى أول وزير داخلية في إسرائيل يتسحاق غرونباوم، طُلب منه تغيير أسماء المناطق التي أفرغت من سكانها والقرى الفلسطينيين إلى أسماء عبرية. و”يجب تغيير الأسماء المعروفة بأسماء جديدة ولأننا نتوقع تجديد أيامنا القديمة وعيش حياة صحية لشعب متجذر في تراب بلدنا ويجب علينا البدء بعملية عبرنة أساسية لخريطة بلدنا”.

وبعد ذلك، تم تشكيل لجنة خاصة كلفت بتغيير اسم كل شيء له علاقة بفلسطين العربية.

وفي رسالة أخرى كتبت في آب/ أغسطس 1957، أرسلها وزير الخارجية الإسرائيلي إلى مصلحة الآثار الإسرائيلية، طلب فيها تسريع هدم البيوت التي احتلت أثناء النكبة في القرى العربية المدمرة والأحياء العربية أو البنايات الفارغة منذ 1948 وقائلا إنها “تثير رابطة قاسية تتسبب بدمار سياسي كبير ويجب تنظيفها”.

وبالنسبة لإسرائيل فمحو الوجود الفلسطيني وإخراجهم من تاريخ بلدهم كان هدفا استراتيجيا. ولا تزال الآلة الإسرائيلية الرسمية ملتزمة اليوم بالمهمة الاستعمارية القديمة.

والاتفاق الذي وقعته إسرائيل في 2016 مع منصات التواصل الاجتماعي لإنهاء “التحريض” الفلسطيني على الإنترنت هو جزء من المهمة القديمة وهي “إسكات صوت الشعب الفلسطيني وبأي ثمن”.

ولعبت الثقافة الفلسطينية دورا مهما في كفاح الشعب الفلسطيني. ورغم الاحتلال ونظام الفصل العنصري، فقد منحت الفلسطينيين حساً من التماسك والاستمرارية، وربطتهم جميعا بحسٍ من الهوية الواحدة التي تدور حول فلسطين.

وقرار منع محمد عساف من تقديم وصلات غنائية أمام الفلسطينيين تحت الاحتلال، لا يعد من وجهة النظر الإسرائيلية شائنا على الإطلاق، فهو محاولة أخرى لإرباك التدفق الطبيعي للثقافة الفلسطينية والتي لا تزال قوية وحاضرة رغم خسارة فلسطين.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات