جدل الحرب والسلام وفرصة تقليل العنف

تم نشره الثلاثاء 24 تشرين الثّاني / نوفمبر 2020 12:35 صباحاً
جدل الحرب والسلام وفرصة تقليل العنف
جمال الطاهات

المنطق الشكلي يقبل (في حدود وعي التجربة) تعريف الشيء بانعدام نقيضه، ومنها تعريف الحرب بانعدام السلام والعكس. فالحرب ضمن هذا المنطق هي انتفاء السلم. والسلم هو عدم وجود الحرب. وهذا التلازم هو ما منح بعض المصداقية لمحاولات فهم كيفية توليد كل منها للآخر. فالحرب والسلام منتجات مؤقتة لتفاعلهما، وكلاً منهما منظومة وعي تحيل لنقيضها وتنتجه.
فالحرب والسلام يتبادلا صياغة اللحظة الإنسانية بطريقة مستمرة. فالحرب استمرار للسلام، وضرورة له، وليست واقعه تهز استمراره. مقولة كلاوزفيتز، بأن الحرب امتداد للسياسة بوسائل عنيفة، تضيء جزءاً من ديناميكية الانتاج المتبادل بينهما. فهناك من يقول بأن التاريخ الإنساني هو تاريخ الحروب (بأشكال ووسائل متعددة)، تتخللها فترات هدنة (سلام). وهناك من يرى التاريخ مسيرة تطور إنساني سلمي، تمثل الحروب (بمختلف أشكالها) ضرورة لهذا التطور، وقابلة لتوليد المراحل الجديدة من المراحل السابقة. وحل هذا التناقض بقبول مقولة أنه لا وجود للسلام الخالص، كما لا توجد حرب كاملة. فهناك تداخل بينهما، يسمح لكل منهما بتوليد نقيضه. وهناك إملاءات لصورة السلام المنشود تصوغ وتحدد تفاصيل الحرب ومداها. كما أن احتمالات الحرب، ترسم حدود السلام وملامحه.
الموقف التنويري، الذي ينحاز للمستقبل الذي تصوغه أحلام الحاضر وخياراته، يتحدى بشكل واضح الرغبة بهندسة المستقبل وصناعته، عبر الحرب، أو السيطرة عليه ومنع وصوله بالسلام المدجج بالقوة. فالقوة حضور آني لضمان تعالي الحياة، وعدم تمكين أي تصميم لأي هندسة من مصادرة المستقبل. فالمستقبل لن يأتي عبر استعادة تفاصيل الماضي، ولن يكون تأبيداً لأي حاضر ممكن. فهو مسير نحو مجهول ما، نحتاج للقوة آنياً لتخليص مساراته من العقبات.
كتاب «السائرون نياماً»، والذي يسعى لإثبات أن الحرب العالمية الأولى، كانت تداعي غير واعي نحو الكارثة، يتضمن فرضية مركزية وهي أن الوظيفة التاريخية للحرب، إطلاق ديناميكيات لمستقبل لا أحد يستطيع التيقن من ملامحه. فعدم اليقين في مسارات الحرب، ينعكس على هوامش عدم يقين في نتائجها.
والملاحظة الأخرى هي أن الحياة السلمية لا تنتج ذات الحرب مرتين. كما لا تعيد الحروب انتاج الحالات السلمية التي انتجتها. كل حرب تنتجها تسويات سلمية لحرب سابقة، تعود وتنتج تسويات سلمية جديدة. وكل حرب تنتج تسويات، ستنتج بدورها حروباً مختلفة.
السيطرة على الحروب، وكبح جماحها كضرورة للتطور، يتطلب إدارة حتميتها في مسيرة التطور، عبر الفصل بين المعارك العنيفة وفكرة الحرب. فالخلط المتعمد بين الحرب ووسائلها، له كلف مروعة، تبتذل القوة، وتتفه فكرة الحرب التي تغير المسارات. فالمضمون الحقيقي للحرب، هو تغيير المسارات، وليس التمتع السادي بمعاركها الدموية. وعظمة القيادة، هي ادارة القوة، لتحقيق نتائج الحرب بدون معارك.
وضمن التصور الخلدوني، ترتبط حتمية الحرب، بالتفكك القدري العضوي (شيخوخة) ترتيبات السلام الراهنة. إذ أن ضعف وتفسخ البنية الراهنة، يمثل غواية لنشوء عصبة جديدة، تحتاج للحرب لتأسيس شرعيتها بالقوة. تصور ابن خلدون، بأن الحروب منتج لتزامن تفكك الراهن مع وهم استخدام القوة لإغلاق المسارات نحو المستقبل، قد يساعد على اكتشاف طريق سلمي وآمن نحو المستقبل، يجهض دعوات تفعيل اقتران الموت بالدمار كضرورة للتجدد وتحرير المستقبل.
صحيح أن التصور الخلدوني مرتبط، بضرورة القوة لإنجاح أي ترتيب سلمي وضمان استمراره واستقراره. فالسلام ترتيب مؤقت لتوازن متغير للقوة، وليس غياب لها. ولكن تطور الوعي، بتعدد أشكال القوة، وإمكانية إدارتها بطريقة تقلل الحاجة لاستخدامها الدموي، هو مسير التحولات بالحد الادنى من العنف. وانكار التحولات في معادلة القوى، هي دعوة صريحة لاستعمالها.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات