من الآلوسي إلى “أبراهام”: هل سينجح “الشرك الأمريكي” في فصل العراق عن إيران؟

المدينة نيوز :- جاء السياسي العراقي، مثال الآلوسي، مرتين على الأقل، إلى إسرائيل في زيارة علنية ورسمية: في 2004 عندما كان عضواً في لجنة التحقيق للعثور على والتحقيق مع نشطاء حزب البعث، وفي 2008 عندما جاء مشاركاً في مؤتمر في المركز متعدد المجالات في هرتسليا حول الإرهاب. بعد الزيارة الأولى أقصى من اللجنة وأصبح هدفاً لعدد من محاولات الاغتيال. وفي 2005 أطلق أشخاص كانوا يستقلون دراجة النار على سيارته وقتلوا ابنيه أيمن وجمال.
لم يرتدع الآلوسي. وبصفته عضو برلمان، التقى إسرائيليين مرات كثيرة في مؤتمرات وأحداث جرت في إسرائيل وخارجها، والتقى شخصيات كبيرة إسرائيلية. وكلفه هذا الطرد من البرلمان، وقدمت ضده دعوى بسبب “خيانة شديدة” عقوبتها الموت. وقدم الآلوسي استئنافاً، ولكن محكمة الاستئنافات ألغت قرار البرلمان.
لم تغير هذه الخطوات موقفه الذي يقول إنه يجب على العراق إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وفي أعقاب الإعلان عن اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، قال في مقابلة: “على العراق الانفصال عن معسكر الحروب والتطرف والأوهام، وإقامة علاقات ثابتة مع كل دول العالم. العراق بحاجة إلى اتفاق سلام مع إسرائيل يشبه الاتفاق الذي سيوقع مع الإمارات”. “هناك علاقات غير رسمية بين عدد من السياسيين العراقيين وإسرائيل”، قال. “ولكن سيطرة إيران على الساحة السياسية في العراق تمنع التطور في هذا المجال”. وكما هو متوقع، أثارت أقواله انتقاداً شديداً من سياسيين عراقيين، خاصة السياسيين المحسوبين على إيران. وفي المقابل، اكتفت وسائل الإعلام العراقية بكتابة التقارير، واعتبرت اقتراحه فضولاً ليس إلا.
وفي الوقت الذي يجري فيه العراق حواراً استراتيجياً مع الإدارة الأمريكية، ويستقبل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، باحترام كبير في البيت الأبيض، فإن خطاباً جماهيرياً حول إقامة علاقات بين إسرائيل والعراق يثير المخاوف والشكوك من أن العراق “على وشك الوقوع في الشرك الذي تنصبه له الإدارة الأمريكية”، حسب أقوال أحد المحللين.
العراق هدف استراتيجي للولايات المتحدة، لأنه يعدّ فرعاً مهماً لإيران في الشرق الأوسط، أكثر من سوريا ولبنان. ولكن كمية النفط الضخمة في أراضيه ومليارات الدولارات التي استثمرتها الولايات المتحدة في الحروب فيه، لم تحوله إلى دولة تقف على قدميها. فقفزت ديونه إلى أكثر من 104 مليارات دولار، نصفها لمؤسسات تمويل دولية ونحو 5 مليارات لإيران. ويتم تزويد الكهرباء والغاز في مناطق واسعة في الدولة استناداً إلى مصادر إيرانية، وتقدر التجارة مع إيران بـ 12 مليار دولار، وثمة عدد من أحزاب السلطة مقربة من النظام في إيران تعمل كبعثات سياسية لطهران في بغداد، بالإضافة إلى نشاطات المليشيات الشيعية التي تحصل على تمويل إيران إلى جانب ميزانيتها من خزينة الدولة.
صحيح أن العراق حصل على إعفاءات جزئية من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من خلال فهم اعتماده على إيران والرغبة في منع انهيار كامل للدولة، ولكن من الواضح لواشنطن أنه طالما هناك علاقات تجارية واقتصادية وسياسية وثيقة بين إيران والعراق، فلا يمكن أن يتحقق السعي إلى بناء سور من العقوبات المطلقة حول إيران. ويدرك العراق أنه لا يستطيع أن يعيد بناءه الاقتصادي ويستقر سياسياً بدون دعم ومساعدة من الولايات المتحدة.
لم تهدأ الاحتجاج الجماهيري والمظاهرات العنيفة التي اندلعت في بداية السنة وأدت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وظل الانتقاد بشأن تدخل إيران في الدولة موضوعاً ثابتاً في المظاهرات والخطاب في الشبكات الاجتماعية. في المقابل، تبقى حكومة العراق ملزمة بقرار البرلمان الصادر في كانون الثاني الذي أمر، في أعقاب تصفية قاسم سليماني، بإخراج جميع القوات الأجنبية من العراق. في لقاء للكاظمي مع ترامب جرى الأسبوع الماضي، أوضحا علناً بأن الولايات المتحدة ملتزمة بقرارها سحب قواتها من العراق، لكن لم يتم تحديد جدول زمني لذلك. وليس واضحاً إذا ما سيبقى مدربون أمريكيون بعد الانسحاب لمواصلة تدريب الجيش العراقي. ولا يقل عن ذلك أهمية، توقيع اتفاقات بحجم يقدر بنحو 8 مليارات دولار بين العراق وشركات طاقة أمريكية تستهدف تطوير وإعادة تأهيل حقول النفط في العراق وإنشاء محطات طاقة تستطيع تحريره من اعتماده على إيران. تدفع واشنطن قدماً بالتعاون في مجال الطاقة بين السعودية والعراق، وتحاول تجنيد مساعدات مالية له من دول الخليج الأخرى، منها تحالف الإمارات، في إطار استراتيجية فصل العراق عن إيران.
ولكن ثمة شكوك إذا ما كانت الاستراتيجية الأمريكية ستحقق أهدافها. وعلى خلفية بنية النظام السياسي العراقي وتشكيلة سكانه، فإن الفترة الزمنية وكمية الأموال التي ستكون مطلوبة لتحويل العراق إلى دولة مستقلة اقتصادياً، غير ممكنة حتى للتقدير. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تجري الحكومة انتخابات في حزيران 2021، قريباً من موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، وليس هناك يقين بأن يواصل الكاظمي منصبه كرئيس حكومة. “الشرك الأمريكي” الذي تخافه إيران وحلفاؤها في العراق –الذين يخافون من سلام بين العراق وإسرائيل– يبدو الآن مثل فزاعة، وليس تهديداً حقيقياً.
هارتس