ورغم حالة الارتياح التي عمت الشارع السوداني بتأيد أحكام الإعدام، إلا أن الحكم أثار التساؤلات حول مصير المئات من الذين قتلوا أثناء وبعد الثورة.

قتل بشع

وقبل اعتقاله، كان الخير يعمل معلم حاسوب في مرحلة الأساس وناشطا نقابيا، وشارك في الاحتجاجات السلمية التي اجتاحت مختلف مدن السودان في ديسمبر 2018 مطالبة بإسقاط نظام البشير الذي حكم البلاد بقبضة امنية لمدة ثلاثين عاما.

وفي أوأخر يناير 2019، أي بعد نحو شهر من اندلاع الثورة التي أطاحت البشير، داهمت قوة من جهاز أمن النظام منزل أحمد الخير (41 عاما) وقادته إلى مباني الجهاز في مدينة خشم القربة المجاورة لمدينة كسلا في شرق السودان.

وتعرض الخير لتعذيب ممنهج وتحدثت تقارير عن إدخال آلة حادة في دبره ، وفق "سكاي نيوز " .

وتوفي الخير أثناء ترحيله الي مدينة كسلا متأثرا بجراحه جراء التعذيب، حسب إفادة الطب الشرعي في مستشفي المدينة.

وقالت السلطات الأمنية حينها على لسان مدير شرطة ولاية كسلا يسن محمد الحسن إن سبب الوفاة يعود لشعوره بالمرض أثناء التحقيق معه، مشيرا إلى أنه لم يتعرض للإيذاء أو التعذيب.

وبعد الكشف عن حقيقة مقتله تحت التعذيب عمت الشارع السوداني موجة غضب عارمة ودونت أسرته بلاغا ضد اكثر من 40 من أفراد جهاز الأمن في القسم الذي كان يعتقل فيه.

 

المئات ينتظرون العدالة

لكن في الجانب الآخر، لا يزال السودانيون ينتظرون القصاص ممن شاركوا في قتل ما يقدر بنحو 800 شخص، معظمهم من المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019، إضافة إلى آخرين قتلوا برصاص قناصة الأجهزة الأمنية في شوارع الخرطوم والمدن الأخرى.

وعلى الرغم من مرور نحو 15 شهرا على تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في الجريمة، إلا أن اللجنة لم تصدر تقريرا نهائيا حتى الآن مما أصاب أسر الشهداء باحباط شديد وسط تقارير تشير إلى أنهم بدأوا - عبر محامين يقيمون خارج البلاد- مخاطبة المحكمة الجنائية الدولية للتدخل في القضية.

وتأمل وداد عثمان والدة طالب الطب محجوب التاج الذي قتل في الرابع والعشرين من يناير 2019 أمام بوابة الجامعة التي يدرس فيها في جنوب الخرطوم، أن ترى اليوم الذي يتم فيه القصاص من قتلة ابنها.

وتقول وداد إن ملف قضية ابنها واجه عقبات كبيرة في بداية الأمر بسبب أن القتلة المتهمين ينتمون لجهاز الأمن ، لكنها تشعر الآن ببعض الارتياح بعد تحريك الملف والقبض على المتهمين.

وتشير إلى بشاعة الطريقة التي قتل بها ابنها حيث كان يحمي عددا من زميلاته من بطش رجال الأمن خلال وقفة احتجاجية أمام بوابة الجامعة.

ويرى الصادق سمل والد عبدالرحمن الذي قتل تحت التعذيب بمباني جهاز الأمن في الخرطوم بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة في ديسمبر 2018 ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان سير العدالة بالشكل المطوب حتى لا يوصم القضاء السوداني بالعجز أو عدم القدرة على تحقيق العدالة.

ويقول سمل لموقع "سكاي نيوز عربية" إن تأييد حكم الإعدام في حق 29 من قتلة أحمد الخير خطوة ترفع الكثير من الغبن لطبيعة الجريمة ودرجة وحشيتها.

جرائم خطيرة

وينبه هشام أبوريدة المحامي والقيادي بالجبهة الوطنية العريضة إلى العديد من الجرائم التي لا تزال العدالة فيها تشهد تباطؤا معيبا مثل جريمة فض الاعتصام التي اعتبرها جريمة ضد الإنسانية مكتملة الاركان، مثلها مثل الجرائم التي ارتكبت في دارفور خلال السنوات الماضية.

ويربط أبوريدة بين تحقيق العدالة واستكمال أجهزة السلطة للانتقالية، وخصوصا المجلس التشريعي المخول بسن وإجازة القوانين.

واعتبر أبوريدة خلل الوثيقة الدستورية كواحد من الأسباب المهمة التي أدت إلى تعطيل العدالة الانتقالية وهو ما يستدعي - من وجهة نظره -العودة للشرعيه الثورية الخاليه من روح الانتقام، وإنما روح تطبيق العداله لمن ارتكبوا الجرائم.

ويشير أبوريدة إلى ضرورة متابعة واستكمال القضايا القائمة مثل قضية مدبري انقلاب 1989 التي دونها زعيم الجبهة الوطنية العريضة الراحل علي محمود حسنين، إذ وضع لها إطارا قانونيا محكما يصعب التلاعب به أو ضده.

ويقول أبوريدة لموقع سكاي نيوز عربية إن الجبهة قدمت مقترحات قوانين صارمة لمحاسبة مرتكبي جرائم الفساد المالي والسياسي، لكنها لم تر النور حتى الآن.

ووفقا للصحفية مشاعر دراجي، فإن التباطؤ الذي لازم ملفات القتل أثناء وبعد الثورة، وعدم تقديم المتهمين للمحاكمات كان سببا في العديد من حالات القتل التي حدثت خلال الفترة الأخيرة.

وتقول دراجي لموقع سكاي نيوز عربية إنه وبالنسبة إلى جريمة فض اعتصام القيادة العامة في 2019، فإن الحيثيات المحيطة بالقضية ودخول جهات نافذة في دائرة الاتهام تلقي بتعقيدات كبيرة على الملف، لكن لا يجب أن يكون ذلك سببا في إطالة أمد القضية.