بطارية المرحوم

تم نشره الخميس 25 شباط / فبراير 2021 12:38 صباحاً
بطارية المرحوم
يوسف غيشان

تُوفّي زوج ُ سميّة الذي كانت تحبّه كثيرا ً، لكن ردّ فعل سميّة على الوفاة كان بارداً، وكانت تقابل المعزّين بابتسامة شاحبة قليلا ً. حتى في يوم وداع المتوفّى، قبل الدفن، فقد وقفت قربه بهدوء، التصقت به قليلاً، ثم تركته، وشبح الابتسامة يعلو وجهها الخالي من الدموع.

كان الناس ينظرون إلى سميّة في ذهول، حيث كانت هي وزوجها يشكلان ثنائيّاً عاشقاً يحسدهم الكثير من الناس ويغبطهم البعض، لكنّ الحاسدين و(المغبطين) لم يستطيعوا فهم ردّة فعل سمية على هذا الرحيل المفاجئ لحبيب القلب. لا بكاء، لا صرير أسنان، لا إغماءات. لا تمزيق ملابس ولا تنفيش شعر، حتى لا دموع. هذا عصيّ على الفهم.

بقيت سميّة وحدها في البيت، رغم محاولات الأقارب لإبعادها عنه خلال تلك الفترة العصيبة، أمُّ سمية ذرفت طنّاً من الدموع لإقناع فلذة كبدها سمية بالعودة إلى بيت أبيها، ولو مؤقتاً، لكنها لم ترض إطلاقاً، وردّت على الجميع بابتسامتها الشاحبة قليلاً والواثقة كثيراً.

عاشت سميّة حياتها بعادية مطلقة، حتى أنها لم تلبس «السواد» على المتوفّى -حسب عادة نساء بلدتنا الفاضلات -وكانت تستقبل النساء في بيتها، بعيداً عن طقوس العزاء، وكأنّها زيارات عادية، وتقدم لهنّ القهوة الحلوة، وليس قهوة العزاء السادة، لا بل أنها قدمت لهن في الرابع بعضاً من البسكويت الحلو مع القهوة، وكانت تقابل محاولات النسوة تعزيتها باستهزاء صامت ومتعالٍ، وبابتسامتها الشاحبة طبعاً.

لاحظ الناس أنّ سمية، وبعد دفن جثة المرحوم بقليل، كانت تنكبّ على جهاز الموبايل طوال الوقت، وقد اقتربت إحدى الفضوليّات منها، لمعرفة ماذا تفعل، حيث انتشرت بين النسوة فكرة أن الصدمة أوصلتها إلى حالة من الإنكار للواقع وجعلها تهتمّ بلعب (السوليتير) أو غيرها من ألعاب الهواتف .... المهمّ، اقتربت المرأة الفضولية ليتبيّن لها أنّ سمية تبعث الرسائل النصيّة.

لم يستطع أحد أن يصدق بأن قصّة العشق هذه، بين سمية وزوجها، كانت مجرد أكذوبة، وأنها (مزوبنة) وهي الكلمة التي يطلقونها على المرأة التي تحتفظ بعشيق لها خلال الزواج. لم يصدق أحد، لأن سمية كانت معروفة بالتصاقها الدائم بزوجها المرحوم، وعدم مفارقتها له معظم الوقت.

خلال فترة الشك هذه، كانت سمية تواصل كتابة وإرسال الرسائل النصية وهي تبتسم، واستمرت هذه الحالة لأسبوعين تقريباً، ثم فجأة أصيبت سمية بالذهول، نظرت إلى نفسها وإلى الآخرين وصرخت بصوت رهيب:

- خلص الشحن!

ثم غابت عن الوعي.

تبيّن أن سمية عندما اقتربت من جثة الزوج لوداعه، وضعت فيها، خلسة، جهاز الموبايل الخاص به، موصول ببطارية تقوية وكانت ترسل له الرسائل النصيّة المليئة بالمغازلات، طوال الوقت. إلى أن تلاشت قوة البطارية.

(من كتابي الجديد «البالون رقم10»)

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات