الانتخابات الفلسطينية والانقلاب الوشيك على أبو مازن

تم نشره الخميس 22nd نيسان / أبريل 2021 05:29 مساءً
الانتخابات الفلسطينية والانقلاب الوشيك على أبو مازن
نضال منصور

أسئلة المستقبل الفلسطيني تلوح مع قرب إجراء الانتخابات التشريعية في الثاني والعشرين من شهر أيار المقبل، وفي الصورة تبدو المفارقة واضحة لسلطة جاءت على "ظهر" الثورة فانقلبت على أدبياتها، وأعلنت طلاقها مع قواعد الحكم الديموقراطي، فغُيبت الانتخابات، وظلت تحكم دون تفويض شعبي.

في تفاصيل الصورة والمشهد تظهر أيضا الحالة البائسة واليائسة التي وصل لها الوضع الفلسطيني بعد سنوات من الصراع على السلطة بين حركتي فتح وحماس، ففسخت البلاد، ورسخت جغرافيا جديدة تفصل بين غزة والضفة الغربية، وأسس لدويلات في واقع الحال لا تحكم من أمرها شيئا دون موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

بعد 15 عاما على آخر انتخابات أجرتها السلطة الفلسطينية، تنتعش الآمال بمحاولات تجديد شرعية الحكم في فلسطين عبر صناديق الاقتراع، لعل ذلك يكون قاطرة لعودة الرهانات على حل سياسي يُنهي حالة الجمود، ويرفع قبضة الاحتلال بعد سنوات من العزلة عاشتها القضية الفلسطينية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

الاستعداد للانتخابات، والصراع المحتدم لم يبعد احتمالات تأجيلها على خلفية منع إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس الشرقية خلافا لما نصت عليه اتفاقية أوسلو عام 1993.

إسرائيل إلى الآن لم تُجب السلطة على طلبها بإجراء الانتخابات في القدس وفق البروتكول الذي عُمل به عامي 1996، 2006، وهي تتجاهل متعمدة مخاطبات الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وفي خطوات تصعيدية تقوم باعتقال مرشحين للانتخابات.

الدور التخريبي الإسرائيلي لا يمكن إنكاره أو تجاهله، فهذا يصب في رغبتها بتعزيز وسيادة الانقسام الفلسطيني وتعميقه، ويعطيها دورا ويدا في تعميق حملة "الردح" والاتهامات في البيت الداخلي لحركة فتح، ويترجم خطتها إلى واقع ملموس أن تظل القيادة الفلسطينية معزولة، لا تتمتع بشرعية الداخل، ولا الخارج.

من لا يرى هذا الواقع فهو أعمى، ولكن لا يمكن القفز عن أن تأجيل الانتخابات ربما يكون المخرج للقيادة الفلسطينية، ولحركة فتح على وجه التحديد بعد الفوضى وفقدان السيطرة التنظيمية، فهي في وضع لا تُحسد عليه، والانقسام وصل ذروته بعد ترشح ثلاث قوائم فتحاوية رسميا، والانتخابات قد تكون بداية لانهيارها، وفشلها في الاستحواذ على السلطة مجددا.

بمعزل عن الصراع الفتحاوي الداخلي، والتجاذبات مع حركة حماس، فإن الإعلان عن انتخابات تشريعية بعد غياب طويل، يتبعه انتخابات الرئاسة في شهر يوليو، والمجلس الوطني الفلسطيني في أغسطس، أظهر "عطش" الفلسطينيين للمشاركة السياسية، وتجلى ذلك بخوض 36 قائمة للانتخابات، منها 7 تمثل أحزابا، والبقية مستقلين ومبادرات تحاول التأسيس لواقع جديد.

في التفاصيل أيضا 29 بالمئة من المرشحين نساء، و38.5 بالمئة ممن يخوضون الانتخابات لا تزيد أعمارهم عن 40 عاما، والأهم أن ما يزيد عن نصف من سيصوتون ستكون هذه تجربتهم الأولى في صناديق الاقتراع، وسيكون لتوجهاتهم الدور الحاسم.

من يتابعون الانتخابات ويرصدونها لا يتوقعون أن تحصد قائمة وحدها غالبية مقاعد البرلمان -نصف زائد واحد- مهما تمتعت بالقوة، واليقين أن تشكيل أي حكومة قادمة بعد الانتخابات سيحتاج إلى ائتلاف بين القوائم، واستنادا لهذه المعطيات فإن حركة حماس المتماسكة والأوفر حظا لن تستطيع التفرد بالحكم، وكل التقديرات تُشير إلى أنها لن تتجاوز مقاعدها نصف ما حصدته في انتخابات عام 2006.

استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في الأراضي الفلسطينية تعطي الأفضلية لقائمة حماس والتي تحمل اسم "القدس موعدنا" ويقدر حصولها على 30 بالمئة، وقائمة فتح التي تمثل اللجنة المركزية وترفع اسم "العاصفة" قد تحصل على 24 بالمئة، وقائمة فتح بقيادة الأسير مروان البرغوثي، وناصر القدوة، وترفع شعار "الحرية" ربما تحوز 20 بالمئة.

تفسخ حركة فتح والتمرد على قرارتها، وتصاعد الاتهامات التي لا حدود لها أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الانتخابات، وهو مؤشر بالغ الوضوح على تململ وانقلاب وشيك على سلطة الرئيس محمود عباس "أبو مازن".

إشكالية فتح لم تعد محصورة بتمرد القيادي المفصول، محمد دحلان، الذي يخوض الانتخابات بقائمة المستقبل وفي طليعتها سمير مشهراوي، وسري نسيبة، وإنما الأخطر، وصاحب دلالة رفض الأسير مروان البرغوثي الانصياع لأوامر فتح ورئيسها عباس، وخوض الانتخابات مع القدوة متحديا وكاسرا لخطوط حمراء كثيرة.

للانتخابات التشريعية مفاعيلها واستحقاقاتها، وأبرزها أن البرغوثي سيخوض انتخابات الرئاسة في مواجهة محمود عباس، والاستطلاعات تُعطيه تقدما واضحا وبفارق شاسع، وهذا يعني أن الرئيس أبو مازن في خطر، وفي وضع حرج.

البرغوثي، إن فاز في الانتخابات، سيُكرس سابقة لرئيس دولة يقبع خلف قضبان السجن، وهي حادثة ربما لم يعهدها المجتمع الدولي، وستضع إسرائيل في مأزق، وستخلط كل الأوراق.

خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية، يجيب عن سر شعبية البرغوثي بالقول: "مناضل مؤمن بالحل السياسي بلا تهور، وبلا تخاذل، وشديد الإيمان بالوحدة الوطنية المستندة إلى المقاومة، وشخص يقاوم الفساد وغير قابل للإفساد، وكان ينظر له الشعب الفلسطيني حتى في حياة ياسر عرفات كخليفة له".

متفائلون يرون أن انقسام حركة فتح ليس نهائيا، هذا الكلام يتساوق مع دعوات سابقة لإطلاق أكثر من قائمة فتحاوية معلنة، وغير معلنة، تعبر عن فتح كتيار سياسي وليس حزبا أيديولوجيا، وما بعد الانتخابات تتوحد وتتفق فيما بينها ومع تيارات أخرى لتشكيل حكومة في مواجهة حركة حماس.

التحليلات تأخذ مسارات وتكهنات لا حدود لها، وهناك من يطرح ويروج لسيناريو آخر يشي إلى اتفاق غير معلن بين فتح (قائمة اللجنة المركزية) مع حماس، وأنهم بعد الانتخابات سيشكلون حكومة وطنية، ويقطعون الطريق على جميع خصومهم ومخالفيهم، والخطوة التي تليها فوز أبو مازن بانتخابات الرئاسة، فحماس لن تُزاحمه وتنافسه عليها، مقابل دور وصدارة في قيادة المجلس التشريعي، وحضور وازن وقيادي في المجلس الوطني الفلسطيني.

في كل هذه التحليلات والمقاربات لا يجري التكهن بدور قوائم الشباب، والمستقلين، وأصحاب المبادرات الغاضبين من السلطة، وحماس، وكل الهياكل التنظيمية القديمة التي تآكلت وشاخت ولا تزال تحكم قبضتها على مصير الفلسطينيين وأحلامهم ومستقبلهم، والشعار الذي رفعه المُحتجون في شوارع لبنان مطالبين برحيل كل الطبقة السياسية "كلن يعني كلن" ينطبق على الحاضر الفلسطيني.

المشروع الفلسطيني برمته يواجه تحولات عاصفة، وسواء أجريت الانتخابات في مواقيتها أم تأجلت لإشعار آخر، أو ألغيت، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه غير ممكن، واستمرار السلطة على حالها كحاجز صد يمنع ويحول دون انفجار الصراع والصدام مع سلطات الاحتلال بات مستحيلا، وبقاء السلطة كلها أصبح على المحك.

الانتخابات، إن تمت، قد تكون مفتاحا لحل سياسي، أو مقدمة لمواجهات وحرب تُعيد التذكير بقضية شعب ما زال يخضع حتى الآن للاحتلال الوحيد الباقي في العالم.

المصدر : الحرة 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات