المديونية العالمية معضلة المستقبل

تم نشره الأربعاء 30 حزيران / يونيو 2021 12:42 صباحاً
المديونية العالمية معضلة المستقبل
الدكتور خالد الوزني

أشارت تقارير دولية إلى أنَّ المديونية العالمية خلال العام 2020 وصلت إلى معدلات عالمية غير مسبوقة، من حيث الحجم، 281 تريليون دولار تقريباً، والنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، نحو 335%. الزيادة في عام واحد بلغت 24 تريليون دولار، حسب تقرير معهد التمويل الدولي، وهي زيادة تحمَّلت وزرَها الدولُ لمعالجة تبعات أزمة وباء كوفيد-19، لتخفيف العبء عن كاهل القطاعات الاقتصادية والأفراد على حد سواء. ويكفي أن نعلم أنَّ العام 2020 شهد ضخ ما يقرُب من 13 تريليون دولار، على شكل مساعدات نقدية مختلفة الأشكال، للشركات والأفراد، وهو أكبر دعم تُقدمه دول العالم في تاريخها البعيد والقريب. وقد ضخت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ربع هذا المبلغ؛ نحو 3 تريليونات دولار، على شكل مساعدات نقدية مباشرة للأفراد ودعم نقدي لبعض القطاعات. أمّا على مستوى القطاع الخاص حول العالم،

فقد ارتفعت مديونيته بشكل غير مسبوق، بنحو 33% في العام 2020، لتصل إلىما يقرب من 138 تريليون دولار، وبنسبة 165% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. الأرقام السابقة تشكِّل موضع قلق حقيقي للاقتصاد العالمي لعدة أسباب؛ فمن جهة، تُعدُّ معظم الزيادة في الدين العالمي للحكومات وللقطاع الخاص على حدٍّ سواء زيادة غير إنتاجية؛ أي إنها حقن نقدي مباشر في اقتصادٍ يتراجع نموه، وتتوقف قطاعاته، وبذلك فنحن أمام مديونية تصب مباشرة في روافد التضخم العالمي، لأنها تُمثّل زيادة الكتلة النقدية دون زيادة مناسبة في إنتاج السلع والخدمات. وقد اتضحت معالم هذا التضحم في العديد من دول العالم في العام الحالي، وهو ما نشعر به اليوم من زيادات واضحة في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، وفي اسعار الطاقة والنفط. ومن جهة أخرى، فإنَّ المديونية العالمية، التي فاقت نسبة زياداتها وأرقامها المطلقة ما حدث في الأزمة المالية العالمية في العقد الثالث من القرن الماضي، والأزمة المالية الحديثة في العقد الأول من القرن الحالي، هذه المديونية هي مديونية نفقات جارية وليست مديونية استثمارية رأسمالية؛ لأنها جاءت لتغطية نفقات جارية في القطاع العام والخاص، ولم يذهب الاقتراض لغايات التوسُّع أو الاستثمار الجديد؛ أي إننا أمام مديونية

لن تؤدي إلى أي زيادة حقيقية في قطاعات الاقتصاد العالمي، ما يعني أننا أمام مديونية تزيد بنسب أكبر من نسب النمو الاقتصادي المتوقع. ومن جهة ثالثة، فإنَّ استشراف مستقبل سداد المديونية العالمية يشير إلى حقيقتين مفزعتين؛ الأولى أنَّ بعض الدول ستلجأ إلى طباعة النقود لتغطية المديونية الداخلية، وهذا يعني مزيداً من التضخُّم وتعثُّر في القوة الشرائية المحلية للعديد من دول العالم. والثانية أنَّ العديد من الشركات العالمية التي سيصعب عليها السداد ستغدو متعثرة، ما يعني المزيد من الإغلاقات القصرية، والمزيد من البطالة وعلى أوسع المستويات. المُلخص العام لما سبق هو أننا مقبلون في الأجل المتوسط على ظاهرة التضخم الركودي في الاقتصاد العالميStagflation. الصورة السابقة على الرغم من قتامتها فإنها صورة حقيقية،

سنواجهها قريباً أو بعد زمن. والمطلوب حتى نخفِّف، أو نتجاوز الأزمة القادمة، هو مؤتمر دولي بين كبار الدول في العالم للخروج بخطة إنقاذ عالمية، ليس كخطة مارشل فحسب، بل مؤتمر على غرار ما حدث عام 1946، حينما اجتمعت دول العالم، المُنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لتأسيس الصندوق والبنك الدوليين. العالم بحاجة إلى مؤسَّسة دولية عالمية جديدة، بهدف معالجة ما يُنبِّئ به المستقبل من خطر على العملات، والأفراد، والوظائف، والشركات. وقد يكون من الأجدى الخروج بمؤسَّسة عالمية جديدة، على أن يكون للولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وألمانيا، وبريطانيا القيادة الفعلية لتلك المؤسَّسة نظراً لما يشكلونه من وزنٍ نسبيٍ كبير في حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي. معالجة تبعات المديونية العالمية هي بمثابة عمود الرحى للاستقرار العالمي، وإلا فإنَّ النزاعات العالمية، وجوع الشعوب، وتعطُّلها، سيقود إلى معضلة تتمحور حول فوضى عالمية محلية وعالمية.

الرأي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات