ومع عودة الدراسة المباشرة، عادت معها إلى السطح أزمات مُزمنة عانى منها قطاع التعليم الأساسي في مصر لسنوات، وعكست عدّة صور ومقاطع فيديو بثّها مستخدمو مواقع التواصل في البلاد مدى تردّي الأوضاع في المؤسسات التعليمية المصرية، وسط تخوّف مراقبين من أنّ عدم مواجهة ذلك بحلول عملية سريعة لتدارك تلك الأزمات سيؤدّي إلى تفاقمها، والتسبّب في نتائج كارثية بعيدة المدى على الأجيال المصرية المتعاقبة.

وخرج العديد من المسؤولين المصريين مؤكّدين متابعتهم لتلك الأزمات وطرحهم لها في إطار السعي لحلها، مشدّدين على دور جموع الشعب المصري لا سيما أهالي وأولياء أمور الطلبة في التكاتف مع حكومة بلادهم لتخطّي الأزمة.

وقائع صادمة

تسبّبت واقعتان حدثتا في أولى أيام الدراسة بمصر في إلقاء الضوء مجدداً على الأزمات السابق ذكرها، حيث انتشرت صورة لطلاب أحد الفصول الدراسية في مدرسة "المثلّث الابتدائية" بالخانكة التابعة لمحافظة القليوبية، وهم يفترشون الأرض، مع غياب أي مقاعد أو مناضد في الفصل الذي تواجدوا به.

وتزامناً مع الصورة البائسة لطلاب المدرسة، انتشر مقطع فيديو لأهالي تلاميذ الصف الأوّل بالمرحلة الابتدائية في مدرسة "عمر مكرم" بالإسكندرية وهم في حالة انهيار تام نتيجة عدم عثورهم على أطفالهم في نهاية اليوم الدراسي، وذلك بعد أن اكتشفوا إخراج المسؤولين بالمدرسة لأطفالهم، وأغلبهم يدخل المدرسة لأول مرة، قبل ساعة كاملة من الموعد الرسمي من دون انتظار أو إعلام أسرهم، وذلك أثناء دخول تلاميذ الفترة المسائية للمدرسة ذاتها.

وتفاعل العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مع أوسمة حملت معها قصص ووقائع مشابهة، جسّدت حجم المعاناة التي يعاني منها طلاب المراحل التعليمية ما قبل الجامعية في البلاد التي تتميّز بمتوسّط أعمار شاب وهرم اجتماعي صحي للغاية.

وكأول رد فعل رسمي على الواقعتين، قرّرت مديرية التعليم بمحافظة القليوبية عزل مدير المدرسة من منصبه وإحالته إلى التحقيق، كما جلبت مقاعد جديدة إلى الفصل نفسه الذي خرجت منه صورة الطلاب مفترشين الأرض.

ونفت بدورها، مديرية التعليم في الإسكندرية ما ورد في مقطع الفيديو عن فقدان أي طلاب، مفيدةً أنّ ما حدث "كان مجرّد تدافع من بعض أولياء الأمور الذين أصرّوا على مصاحبة أطفالهم للتأكّد من جلوسهم في مقاعد الصفوف الأولى".

أزمات مزمنة

تفاقمت في مصر خلال السنوات الأخيرة أزمتان أساسيتان تؤثّران على العملية التعليمية في المراحل ما قبل الجامعية، أولهما تتعلّق بقلة عدد المعلّمين مقارنة بعدد الطلاب الآخذ في الازدياد، والذي بلغ نحو 22 مليون طالب في جميع المراحل وفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم المصرية للعام الدراسي الماضي.

ويأتي زيادة عدد الطلاب نتيجة الانفجار السكاني الذي تعاني منه مصر لعقود ولا يتناسب مع وضع الخدمات والبنى التحتية في البلاد.

وينعكس العامل الأخير على العملية التعليمية سلباً ويفجّر بدوره أزمة أخرى، إذ تفتقر الفصول الدراسية إلى عدد كافٍ من المرافق والمقاعد، ناهيك عن التكدّس الذي يحدث جرّاء عدم تناسب المباني والمؤسسات التعليمية مع عدد الطلاب في البلاد، وهو ما يلقي بظلاله على العملية التعليمية في مصر، لا سيّما مع تفشّي جائحة كورونا وازدياد المخاطر الصحيّة الناتجة عن التزاحم والتكدّس.

وفي هذا الصدّد، علّق الكاتب الصحفي محمد عبد الباسط عيد، قائلاً إنّ: "الازدحام في المدارس يستحيل أن يكون معه أي تعليم، حتى لو استبدلت المعلّمين بالسحرة".

واتفق عيد مع وزير التربية والتعليم المصري طارق شوقي، الذي أشار بدوره، في مداخلة تلفزيونية معلقاً على وضع التعليم في البلاد، إلى العدد الهائل من الطلاب في مختلف المراحل التعليمية، والذي يوشك أن يتجاوز 23 مليون طالب في العام الحالي، مشدّداً على أنّه رغم ذلك استطاعت الدولة المصرية "رفع كفاءة المدارس في مختلف الأنظمة التعليمية"، وأنّها تمكّنت من "قطع نصف مشوار التغيير في 3 أعوام فقط"، في حين أنّ دولاً أخرى تستغرق 30 عاماً لبلوغ ذلك، على حد قوله.

كما تطرّق شوقي إلى "الأزمات المزمنة" التي توارثتها الإدارة المصرية الحالية عن سابق الإدارات، مفيداً أنّ ذلك لن يتغيّر في ليلة وضحاها.

وناشد وزير التربية والتعليم الشعب المصري وأولياء أمور التلاميذ "عدم الانسياق وراء صور أو وقائع مجهولة المصدر"، محذراً بقوله "التعميم هو الذي يصدّر هذه الصورة"، وأنّ الوضع الحقيقي على الأرض في المدارس المصرية ينافي ما يُشاع على وسائل التواصل الاجتماعي التي "أصبحت مكاناً ملوثاً جداً جداً ومؤذياً جداً جداً ويستخدم بشكل خاطئ"، على حد تعبير الوزير المصري.

TRT عربي