يتغير العسكر.. ويبقى السودان

تم نشره الخميس 28 تشرين الأوّل / أكتوبر 2021 06:21 مساءً
يتغير العسكر.. ويبقى السودان
نضال منصور

الانقلاب العسكري في السودان لم يكن مفاجئا، ولم يكن استثناءً، فهذه البلاد ابتليت منذ استقلالها عام 1957 وحتى يومنا هذا بسلسلة من الانقلابات، وحركات التمرد، وفي مواجهتها كانت انتفاضات الشعب تعبيرا عن توقه للديمقراطية.

ما حدث منذ الانتفاضة الأخيرة ضد حكم عمر البشير، بعد ثلاثة عقود من الاستبداد، كان أشبه بمسرحية لعب دورها العسكر بإتقانٍ؛ فقد اتفق العسكر مع المدنيين (قوى الحرية والتغيير) في وثيقة دستورية على إدارة المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة في نهايتها، وكما كان مفترضا، 39 شهرا، إلى حكومة مُنتخبة بعد انتخابات عامة في البلاد.

وقبل انتهاء المرحلة الانتقالية، انقلب العسكر على شركائهم المدنيين، واستفردوا بالسلطة، وزجوا برئيس الوزراء بالسجن قبل إطلاقه.

لا يُعيد التاريخ نفسه، ولكن العسكر لا يقبلون بالشراكة، وهذا ما رسخته التجارب في السودان، وربما كان الاستثناء الوحيد تجربة الجنرال سوار الذهب، العسكري الذي تسلم دفة الحكم، وسلّمها بعد عام مُسجلا موقفا مُشرفا سيبقى خالدا في التاريخ.

استذكر أمين عام اتحاد الصحفيين العرب، الإعلامي الراحل صلاح الدين حافظ، حين قال لي "ما يحكم تغير وتبدل السلطة في العالم العربي قانون الموت والدم، فإما يرحل الزعيم حين يموت، وإما يُطاح به وتُراق الدماء".

الأحداث لا تزال متوالية في الخرطوم حتى الآن، ولا يمكن التنبؤ إن كان انقلاب رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان قد تكلل بالنجاح، أم أن هذا المسار طريق مغلق، والانقلاب ولد ميتا، حيث لا يحظى بشرعية وغطاء دولي؟

الإشارات الدولية تضع "فيتو" على ما حدث في السودان، فوزارة الخارجية الأميركية وصفت ما قام به البرهان بأنه انقلاب عسكري، وأعلنت أنها ستُعلق المساعدات التي تصل قيمتها إلى 700 مليون دولار، وجيفري فيلتمان مبعوث واشنطن للقرن الأفريقي لا يتردد في إعلان قلق واشنطن من سيطرة الجيش، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، فولكر بيرتس، يُندد بتقويض عملية الانتقال السلمي السياسي في السودان، ولم تُخالف مُعارضة الانقلاب بريطانيا وفرنسا.

يمضي جنرالات الجيش في الاستيلاء على السلطة، ويقمعون التظاهرات السلمية لقطع الطريق على العصيان المدني الذي دعت له القوى الديمقراطية لإسقاط الانقلاب، والمُحير: على ماذا يبني العسكر رهانهم للصمود والبقاء إذا كان المجتمع الدولي مُعارضا لما قاموا به؟

الانطباع السائد في الشارع العربي أن رئيس المجلس السيادي البرهان، ومن خلفه نائبه محمد حمدان دقلو المُلقب بـ "حميدتي" يعتقدان أن حماسهما للتطبيع مع إسرائيل بوابتهما لغض النظر عن استيلائهما على السلطة، وأن ما فعلاه -رغم رفض الجمهور السوداني- سيكون مُقدرا دوليا، خاصة في واشنطن، وربما تلوذ بالصمت مكافأة لهما.

واقع الحال أن الانقلاب لم يكن مفاجئا، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمّح إلى مؤامرة يتم تدبيرها، وتحدث عن تشظٍ عسكري يحدث في السودان، والصراع لم يكن خافيا على المراقبين بعد اتهامات مُتبادلة بالفساد، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت الشهر الماضي، ولم تكن سوى محاولة "جس نبض" من تدبير العسكر.

الوضع في السودان كان أشبه بالنار تحت الرماد، فالغليان الشعبي، وحالة الفقر كانت تتصاعد بعد تدهور الوضع المعيشي، وشُّح السيولة، والوقود، وحتى الخبز.

اتفاق السلطة كان هشا منذ لحظة ولادته، ولولا الضغوط الدولية، والتظاهرات الشعبية المليونية لما سلّم العسكر، وما قبلوا الشراكة في الحكم.

الجنرال البرهان حل مجلس السيادة، والحكومة، وأعلن حالة الطوارئ، وعلّق الوثيقة الدستورية، وانقض على خصومه بزجهم في السجن، مُعلنا أنه المُنقذ للبلاد من "انقسامات تُنذر بخطر وشيك يُهدد الأمن الوطني".

سيُراوغ البرهان لتخفيف الضغوط الدولية، وربما يقوم بخطوات استباقية بتشكيل حكومة انتقالية، مُراهنا على أن لعبة المصالح تتقدم في العلاقات الدولية على المبادئ، والنتيجة التي لا تتغير أن انتفاضة السودان قد سقطت، والمسار الديمقراطي قد أغلق رغم الدماء التي سالت في كل الشوارع والمدن السودانية.

السودان ينتظر مخاضا عسيرا، والمواجهة بين العسكر والقوى الشعبية مفتوحة، ولم تضع أوزارها، وإذا ما قُيّض لدعوات العصيان المدني النجاح، فإن كلفة إراقة الدماء والبطش بالمتظاهرين والمحتجين السلميين ستكون مُكلفة لجنرالات الانقلاب، ومثلما يُلاحق الرئيس عمر البشير الذي أسقطته انتفاضة الشعب السوداني، فإن مصير قادة الانقلاب قد يكون مثله.

تاريخ السودان تطبعه الانقلابات، فجنرال يُسقط جنرال، وما بينهما محاولات لصناعة تاريخ مختلف عناوينه "إرادة الناس الباحثة عن الحرية، والكرامة، والعدالة".

يتناوب العسكر على مر العقود على حكم السودان، تتغير أشكالهم، وأسماؤهم، ويحاولون تثبيت سرديتهم للتاريخ، لكنهم يرحلون عاجلا أم آجلا، ويبقى السودان فهو لا يموت.

المصدر : الحرة 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات