كأس العرب.. هل يُصلح ما أفسدته السياسة؟

تم نشره الجمعة 24 كانون الأوّل / ديسمبر 2021 05:48 مساءً
كأس العرب.. هل يُصلح ما أفسدته السياسة؟
نضال منصور

هل تُصلِح كرة القدم أو الرياضة عموما ما أفسدته السياسة في العالم العربي؟ هذا السؤال الذي جال في خاطري وأنا أستمع، خلال افتتاح بطولة كأس العرب في الدوحة، إلى "النشيد الوطني" لكل دولة عربية في سياق مقطوعة غنائية موسيقية أطلق عليها البعض النشيد الوطني الموحَّد للأمة العربية.

كلما صنعت الملاعب وحدة عربية، خربت السياسة والسياسيون البناء، وعاثت خرابا، ورفعت أسوار الحدود التي تُقسم هذا الوطن من المحيط إلى الخليج، وصدقت مقدمة حفل افتتاح مونديال العرب حين قالت "يجمعهم كل شيء، ويُفرقهم كل شيء"، ومن حقها أن تُدندن وتتساءل بأغنية فيروز هل "سنرجع يوما إلى حينا"، ومتى؟

حفل الافتتاح في ملعب البيت كان يُجسد أشواق العرب، ولكنه أيضا يحكي عن خيباتهم، وفرقتهم، وصراعاتهم، وحروبهم، ولهذا تعمّد المنظمون استحضار شخصية "جحا" بحماره مقتحما الملعب، ليشرع في ذاكرتنا القصص الساخرة عن حال العرب.

وهو ما تكرر في عرض "الهولوغرام" لشخصيتين راحلتين عُرفا بالكوميديا الناقدة، وهما: عبد الحسين عبد الرضا، وسعيد صالح، وتوارد إلى ذهني "سكتشات" وحوار مسرحيتي "باي باي لندن"، و"سيف العرب" التي عُرضت بعد احتلال الرئيس الأسبق، صدام حسين للكويت عام 1990.

"إستاد" البيت الذي استضاف حفل الافتتاح، وصُمم على شكل "بيت الشعَر" الخيمة العربية، كان حميميا، فبطولة كأس العرب تُعقد بعد انقطاع دام 19 عاما، ولأول مرة يُشارك بها كل العرب.

والمُحزن المُفرح أنها لأول مرة تُقام بتنظيم الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، وهو يعكس حتما الاعتراف بفشل الاتحاد العربي على إدامة هذه التظاهرة الرياضية، فمنذ انطلاقها عام 1965، أي قبل ما يُقارب 60 عاما لم تُنظم، ولم يلتئم شملها سوى عشر مرات.

كانت قطر كريمة في استضافة مونديال العرب، فالجوائز المخصصة للمنتخبات الوطنية الفائزة والمشاركة وصلت إلى 25.5 مليون دولار، هذا عدا عن الاستضافات والأنشطة الموازية التي حفلت بها الدوحة لمدة 19 يوما عمر البطولة.

وكل المراقبين اعتبروا بطولة كأس العرب "بروفة" مُصغرة لكأس العالم الذي تستضيفه قطر العام القادم في شهر ديسمبر، وبالتالي مهما أنفقت فهو ضرورة لاستكشاف جاهزيتها، وفرصة لاستعراض قوتها على التنظيم لاستقطاب اهتمام العالم، وكان تصريح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، جياني إنفانتينو، أن "تنظيم مونديال العرب مذهل، وكأس العالم المُرتقب في قطر سيكون الأفضل على الإطلاق" في صميم ما تريده الدوحة.

مرت بطولة كأس العرب بسلام، هواجس السياسة ومُنغصاتها لم تعبث بها، وربما ساعد على مرورها بهدوء أن "الخلافات العربية" تراجعت، وحروب "داحس والغبراء" خفت طبولها، وتصوروا معي لو كانت هذه البطولة وتنظيمها حين سادت القطيعة في البيت الخليجي، أو لو كان من المفترض إقامتها بعد اندلاع شرارة ما سُميّ بـ "الربيع العربي"، واحتدام الصراعات والحروب الأهلية.

في بطولة كأس العرب لعبت الإمارات مع قطر، ورغم حالة "الهياج السياسي" فإن الأمور ظلت تحت السيطرة، وهزمت قطر مصر في التصفيات، وتصافح اللاعبون، ولم تشهد حروبا وردحا إعلاميا، وهو ما حدث أيضا حين لعبت الجزائر مع المغرب رغم القطيعة المستمرة بين البلدين.

مضت بطولة كأس العرب إلى نهايتها دون إشكالات واضطرابات، ولا أعرف السر وراء ذلك، هل لأنها أقيمت في الدوحة، حيث تنضبط الجاليات العربية في سلوكها؟ أم أن المشجعين العرب تواقون لأحلامهم العربية في الوحدة، والتكامل، وترفّعوا عن "الشجارات" التي تفتعلها أنظمتهم؟

تحتفظ الذاكرة بصور مؤذية عن أحداث رياضية عربية انتهت بمآسٍ، فما يزال شبح ما وقع في مباراة مصر والجزائر حاضرا، سواء في القاهرة، وحتى في أم درمان في السودان.

في الدوحة كان النموذج مُغايرا، وأجواء الوفاق طغت، فمدرب المنتخب الجزائري، عبد المجيد بوقرة، حين سئل عن هذه الواقعة، أجاب "اللي فات مات"، وفي مباراة الأردن وفلسطين تشارك جمهور الفريقين ذات المدرجات، وكلاهما شجع الفريقين، وهتفا لهما معا، في رمزية على وحدة الشعبين، ودلالاتها السياسية.

العلم الفلسطيني القاسم المشترك لكل المنتخبات العربية، والمنتخب والجمهور الجزائري أظهر عشقا لفلسطين، وحملوا يافطات كُتب عليها "الفوز نُهديه إلى فلسطين"، وكان واضحا أن الجماهير في الملاعب أرادت أن توجه رسائل لإسرائيل، ولأنظمتها العربية من قبل، أنها عصية على التدجين، ورافضة للتطبيع، وأن فلسطين قضيتها الأولى، وهو ما تكرَّس فعليا في مباراة أساطير الكرة العربية ضد العالمية حين انسحب لاعبون جزائريون احتجاجا على وجود مدرب إسرائيلي.

بالمحصلة، تصنع الرياضة ما تعجز عنه السياسة، وأتذكر نكتة كانت تُروى على لسان المسؤولين العراقيين، فهم كانوا خارج مظلة مجلس التعاون الخليجي، ولكنهم كانوا يشاركون ضمن بطولة "كأس الخليج"، ولهذا كانوا يقولون للخليجيين: "نحن معكم فقط بالطوبة" أي الكرة، و"افتح يا سمسم"، وهو المسلسل المشهور المخصص للأطفال، الذي كان إنتاجاً تشارك فيه العراق دول الخليج.

في بطولة كأس العرب أعادت قطر تكريس نفسها كقائد بلا منازع في الاستحواذ على المشهد الرياضي في العالم العربي، بما يُعطيها حضورا طاغيا عند الشباب، ويكفي للدلالة دخول شبكة "بي إن سبورت" كل بيت.

وما فعلته في الرياضة كانت قد فعلته بالسيطرة على الإعلام، فشبكة "الجزيرة" بعد مرور ربع قرن على تأسيسها لا تزال تفرض حضورها، وتحتل مكانة متقدمة عند الجمهور العربي، وتُنافس أكبر محطات العالم، وتحتفظ بمساحة واسعة للحريات، وكانت أفضل سلاح لقطر في أزماتها.

انتهت بطولة كأس العرب بانتصار الجماهير العربية على خيباتها، واستعادتها لأحلامها التي تراها تتجسد على أرض الملعب لوقت قصير، وترنو أن تراها حقيقة مُعاشة في حياتها، فلا يبقى نشيد "بلاد العرب أوطاني" شعارا، وأغنية تهزج بها، فتمتلئ النفس فخرا، وتغرورق العيون بالدموع حسرة، وألما.

الحرة 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات