السودان.. تركيب الحلول على رقعة "البازل"

تم نشره الخميس 20 كانون الثّاني / يناير 2022 10:10 مساءً
السودان.. تركيب الحلول على رقعة "البازل"
نضال منصور

لا تبدو تباشير الحل في السودان قريبة في الأفق رغم كل الضجيج الدبلوماسي الذي يُحدثه المجتمع الدولي، فانقلاب العسكر مُجددا، وإدارة الظهر لشركائه المدنيين أدخل البلاد في معركة كسر عظم ليس من السهل وقفها.

حتى الآن، قُتل في الاحتجاجات على يديّ الجيش والقوى الأمنية 71 سودانيا، والأمور تتجه نحو التصعيد بعد إعلان مجلس الأمن والدفاع في اجتماعه الأخير برئاسة عبد الفتاح البرهان، تأسيس قوة لمكافحة الإرهاب، و"الإرهاب" هنا صفة للمتظاهرين والمحتجين المتهمين بالخروج عن شرعية التظاهر السلميّ، ويتهمون باللجوء للعنف.

قبل نهاية العام الماضي، تناسلت المبادرات السياسية التي تسعى إلى تقديم خارطة طريق للحل، والخروج من المأزق، في مقابل طرح الشارع لثلاث لاءات حاسمة، لا مساومة، لا شراكة، لا تفاوض، وكلها تريد عزل العسكر وتقويض سلطتهم الانقلابية.

كارثة السودان لا تقترن بسلطة عسكرية قررت منفردة إنهاء التفاهمات السياسية لإدارة المرحلة الانتقالية، وتعليق الوثيقة الدستورية، وحل المجلس السياديّ الذي بُنيّ بشراكة بين الطرفين، وإنهاء الحكومة، وإنما في سودان يقترب من صراعات دموية، وهو ينهار تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية يمر بها.

دعوات العصيان المدني تتصاعد في كل أرجاء السودان لتُشكل أداة ضغط على سلطة العسكر، وهي تسبق، وتفرض ملامح المشهد والشروط قُبيل جهود أممية لبدء مشاورات بين الفرقاء في الخرطوم.

إلى أين يتجه السودان، هل تستطيع القوى الدولية أن تفرض سيناريو يقبله المتصارعون، وهل ستعود العملية السياسية الانتقالية إلى مسارها؟

الأمر ليس سهلا، فقوى الحرية والتغيير لا تُريد أن تشرب من كأس الخذلان مرة أخرى، والعسكر عبر تاريخهم وتجاربهم، وخاصة في السودان لا يُفكرون بترك السلطة طوعا، وهم يريدون إن خرجوا من الباب، أن يعودوا من الشباك.

السودان منذ سيطرة الجيش وانقلابه في أكتوبر الماضي، وهو يدخل في نفق مظلم من الأزمة الاقتصادية، تُضعف السلطة السياسية، وتدفعه لأن تُفكر ألف مرة قبل إعلان العصيان لميكنزمات المجتمع الدولي، وفي مقدمتها أميركا، التي جمّدت مساعدات كانت ستُقدم للسودان بقيمة 700 مليون دولار، والبنك الدوليّ علّق أموال كافة عملياته.

بعثة الأمم المتحدة في السودان "يونيتامس" أكدت أن الاقتصاد يتجه نحو الأسوأ، وشبه مُنهار ومشلول، ويواجه أكبر أزمة في تاريخه، فالسلع في ارتفاع مُطرد، ودعم الخبر توقف، ومُعدل التضخم بلغ 359 بالمئة في عام 2021، والانكماش الاقتصادي وصل إلى 72 بالمئة منذ عام 2015، والناتج المحليّ تراجع من 74.4 مليار دولار عام 2015 إلى 24.3 مليار دولار عام 2020، وتبدو الصورة في أكثر تجلياتها بشاعة أن 30 بالمئة من السودانيين سيحتاجون مساعدات إنسانية خلال عام 2022.

قبل استقالته، قال رئيس الوزراء، عبد الله حمودك، إنه يريد تجنب انزلاق السودان نحو الهاوية، ولكنه ظهر مشلولا عاجزا، لا يحظى بشرعية القوى المدنية التي أوصلته للسلطة، في حين حرص العسكر على عودته لتنفيس حالة الاحتقان والغضب الدولي.

خرج حمدوك من المشهد السياسي، ولو إلى حين، والبعثة الأممية تحث الخُطى لتذليل حالة انسداد الأفق السياسي، وتحاول أن تجمع المبادرات التي قدمتها القوى السياسية السودانية، وهي تُسابق الوقت وتجهد في تركيب رقعة "البازل".

موقف تحالف قوى الحرية والتغيير كان حاسما في التعامل مع مبادرة الأمم المتحدة التي تسعى لإيجاد تفاهمات بالتأكيد بضرورة إنهاء الوضع الانقلابيّ، وأعلنت موقفا مشروطا برفض المفاوضات مع العسكريين، ووضع سقف وإطار زمني للمشاورات.

وسبقها المؤتمر الشعبي بمطالبة المؤسسة العسكرية بالجلوس مع القوى الوطنية للوصول إلى الصيغة الأمثل لمنع انزلاق السودان نحو مصير لا يُمكن التنبؤ به، في حين كان حزب الأمة يدعو لخارطة طريق مُستندة إلى استعادة الشرعية، واستكمال المرحلة الانتقالية، وهذا بالعودة إلى الوثيقة الدستورية، واتفاق جوبا للسلام.

أكثر ما أثار انتباه الأمم المتحدة كان مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، ومُلخصها التوافق على مبدأ مشروع العدالة الانتقالية ليكون ميثاقا يُفضي إلى اتفاق تاريخي، ولهذا فإن كل الأنظار تذهب إلى أن تستضيف الجامعة المشاورات والحوارات باعتبارها وجهة محايدة ومستقلة.

أكثر معضلة ربما تواجه صياغة التوافق في السودان، أن المنظومة الدولية لا تُريد أن تضع كل بيضها في سلة أيّ من العسكر، أو القوى المدنية، فهي لا تُدير ظهرها للتيارات السياسية الأكثر ديمقراطية، وبنفس الوقت لا تُفرط بالشراكة مع المؤسسة العسكرية التي تحكم البلاد.

فالتوترات والأوضاع الملتهبة في القرن الأفريقي، والتداعيات والصراعات العسكرية والحروب الأهلية على مقربة من السودان تزيد من أهميته الجيوسياسية والاستراتيجية، ولهذا يظل الرهان على منع الانفجار، والضغط لتقديم تنازلات من الفريقين.

وهذا ما تبْرع به الولايات المتحدة التي تمتلك اليد الطولى الآن، والتي ستُحرك اللاعبين على المسرح، وهو ما يستعد للقيام به الوفد الأميركي الرفيع الذي تقوده مساعدة وزير الخارجية، مولي في، ومبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي، ديفيد ساترفيلد.

كلما زاد ضغط الشارع، واستطاعت التيارات المدنية في السودان أن تتوحد وتُقدم رؤيتها في خارطة طريق تُقدم حلولا للخروج من المأزق، كلما ضاقت مساحة المناورة أمام العسكر، وفقدوا الكثير من أوراق قوتهم، وضاقت الأنشوطة حول رقابهم.

لا تُرى الحلول في السودان وفقا لمنطق المعادلات الداخلية، ولعبة عض الأصابع المُحتدمة، بل يؤطرها السياق الإقليميّ الذي يتداعى، ويوجه بوصلتُها انتهازيةُ الدول القوية، ويقبض على أنفاسها عالم العرب الذي لم يعش حتى الآن حلما ديمقراطيا مكتملَ الأركان.

المصدر : الحرة 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات