سيدة الحبر والياسمين 1-2

تم نشره الأربعاء 26 كانون الثّاني / يناير 2022 12:48 صباحاً
سيدة الحبر والياسمين 1-2
عامر طهبوب

أغمضت عينيها، فتحت عينيها: كل شيء تغيّر، رحل الذين تحبّهم، ورغم ضجيج العالم وصخبه من حولها، إلا أنها شعرت بوحشة وخوف يشبه وحشة الإنسان الأول وهو يواجه الكون، أطلقت صوتها صارخة كما أطلق الإنسان الأول صرخته الأولى، ليبدد خوفه، ويستدعي صوتاً يؤنس وحشته، حتى لو كان المؤنسُ صوته. أخذت تبحث عن صوتها في وجدان من عاشوا قبلها في أزمنة ماضية، مزقت أجسادهم حروب وغيّبتهم، كما غيّبت الحرب شقيقتها، وكما غيب القهر والدها، ووالدتها، تبحث عن صوت يسمح للبشر بالتمتع بإنسانيتهم قليلا، وعن ضوء شمعة، أو سراجٍ، أو فتيلا.
ربما تكون واحدة من لواتي احترفن صناعة الحياة، ربما عاشت في أزمنة ماضية تجهلها، وفي حيوات أخرى لا تعرفها، الشيء الوحيد الذي تعرفه هو الإرادة، وما تألفه في حياتها الجمال، ومواصلة حرفة الصناعة، تزود من حولها بالبهاء ضد القبح، والتسامي ضد الوضاعة، والقوة ضد الضعف، والإنسانية ضد التوحش، والتسامح ضد الكراهية.
ربما تعلمت معاني الصمود من تلك الليمونة في بيت جدها لأمها في حماة، ظلت صامدة متحدية مستعمراً مر من هناك، لكنه لم يستطع أن يمسّ جذورها، وإنما مسّ فقط القشرة الأرضية في حاكورة قرب نافورة تكركر قرب الشجرة، وظلت الشجرة، ورحل المستعمر، هناك في الحاكورة، تختلط رائحة النارنج بالليمون، هل لكم أن تتخيلوا مزيج عطر النارنج بالليمون. تتدلى قطوف عنب أخضر وأحمر، وتظل عناقيد عالقة في الذاكرة، وعلى جدران الذاكرة، حلاوة مذاقات ماضٍ من وجد، ووجوه وهمهمات، وذكريات لا تخلو من عذابات، تلك هي الحياة، ملح وسكر، زقوم وعنبر، ليل ونهار، شتاء وصيف، وفي وخائن، إنها الحياة، لكن غمامة بيضاء عرّشت في السماء في يوم خريفي معتدل، رافقتها من بيت والدها في الشام، إلى أحضان عمان، قالت إن الغمامة أنعشت وجدانها، روت مساحات خصبة مزروعة بالأزهار في أعماقها، وأزهرت.
وربما يكون الشعور، جزءاً من حرب خاضت على مدى شهور وسنين، لنزع الخوف من المجهول، ومقاومة الإحساس القارس بشقاء تاريخي كُتِبَ على أمّةٍ سرق أعداء الحياة حياتها، ولذلك لا تنسى أبداً يوم وقف إسعاف النشاشيبي في فندق فيلادلفيا في وسط عمان، ليقول: «الدهر سخيف، وهذه أمة من أذلّها أُذِل»، ألَق التجربة لم يخفت بعد، بحلوها ومرها، لم يخبُ بعد صوت عمر أبو ريشة، وبدوي الجبل، يرددان الشعر في بيت أبيها في دمشق، ولم تخب لديها رغبة توريث المعاني، وقيم الأرض، والهوية، والاعتداد، وتبشير جيلٍ، أن ما هو قائم، لن يشبه ما هو قادم، وأن العمل ضرورة ملحة للوصول إلى الغايات، والحفاظ على الرايات.
كاتبة وقاصة وباحثة وأديبة، كتبت في الصفوف الإعدادية مجموعات قصصية، ضاعت كما يضيع كل شيء، لكن الذاكرة ولاّدة، هي أمّ وجدّة، تتصف بكثير من الحزم والجِدّة، ربما الحِدة أحياناً، فحياتها منذ الطفولة تسير على حد السكين، لكنها رقيقة وعطوفة، الأسرة أولويتها الأولى، شقيقتها الشهيدة، رفيقتها في الكتابة، معظم الحوارات التي تجريها، إما أن تكون مع ذاتها، أو أن تتشارك الفكرة «هدى»مع «ندى»، أو أن يكون السرد على لسان ندى.
ترى السيدة هدى أبو غنيمة أن الشعلة مشاعل، والدرب دروب، لكن الراية واحدة، قضت حياتها طفلة تركض لاهثة في شارع «أبي رمانة» في دمشق، كأنها هاربة من وحشٍ باحثة عن مخبئ آمن، لتجد بناء بواجهة زجاجية يطل على حديقة «السبكي»، وبركة البط، تتبع خطاها علّها تجد ما يهدئ روعها ولهاثها، لم تهدأ، أبداً لم تهدأ، إلا عندما صحت من نومها، ووجدت نفسها بين أزهار الياسمين، والورود الجورية في جبل اللويبدة. وغداً نواصل.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات