في حضرة "عذاب" محمود درويش!
المدينة نيوز - محمود الخطيب: لا ازعم اني كنت صديقا للراحل محمود درويش، او احد سٌماره في ايامه الطوال التي كان يقضيها بين ظهرانينا في عمان، بل اؤكد انني لم اره الا بضع مرات تنوعت بين حضور اماسيه الشعرية او حضور حفل توقيع لاحد دواوينه، او سلام عابر في احد المعارض التشكيلية التي كان درويش ينتقي ما يحضره منها، ووجودي في ذات المكان معه لا يتعدى التزامي المهني كصحافي اقوم بتغطية حدث ثقافي او ادبي. وعلاقتي الاخرى معه، كانت بين ما يكتبه هو وما اقرؤه انا، وما دفعني للاهتمام بما يكتب بشكل اوسع؛ الزميلة الكاتبة ذكريات حرب التي رافقتها إبان عملي في الزميلة «العرب اليوم» في بداياتي الصحافية.
أسوق ما سبق فقط.. لأقول ان اللقاءات القصيرة والقليلة مع درويش جعلتني طويلا اتأمل الشخص الذي ربطت به القضية الفلسطينية هو وقلة غيره، بحيث بات المتحدث الابرز باسمها في جولاته الشعرية، (ولا اصدق من نص «احن الى خبز امي» الذي حوله مارسيل خليفة لنشيد للمتعبين، من كلام درويش للتعبير عن الشوق للارض وللتراب وللام ولفلسطين)؛ بحيث انخرطت كغيري اراقب ما يحمله درويش اتجاه وطنه وقضيته وشعبه واتجاه نفسه، ولفضولي الصحافي ايضا، كنت اسأل باستمرار صديقه الصدوق الناقد فخري صالح عن اسلوب حياة صاحب «اثر الفراشة» بحكم ان الاول كان مديرا لتحرير الدائرة الثقافية في «الدستور» وكنت اعمل بالدائرة ذاتها، وكان يحدثنا عن تفاصيل جميله لا يراها الناس عن شاعرهم الاثير، وكنت ارصد ردات فعل العديد من جمهور درويش عندما يعلمون بأنه يقدم لضيوفه «قهوة» من صنع يديه، فجمهوره يتحسر ويترقب ليقتنص واحدة من الفرص النادرة لاحتساء «قهوة سادة» من يد صاحب «ورد أقل».
هذا القليل وبعض الشعر الذي يملأ دواوين درويش، لم اره ولم يره جمهور ومحبو واصدقاء محمود درويش في الحلقات الخمس الاولى من المسلسل الذي يحمل سيرته، والذي تصدت اكثر من عشر فضائيات لعرضه على شاشتها ضمن الموسم الدرامي الرمضاني؛ فمسلسل «في حضرة الغياب» بدا ركيكا في سياقه الدرامي معوزا للكثير من الاحداث الحياتية التي من الممكن ان تخلد سيرة رجل كدرويش، ولم يدر المشاهد لماذا اختار المخرج ان يبدأ مسلسله بالجزء الاخير من حياة الشاعر؛ أهو بسبب حاجة (المنتج/ بطل العمل) فراس ابراهيم التأكيد على انه تحدى كل الاصوات التي طالبت بتنحيه عن تجسيد شخصية درويش، ام لاسباب اخرى.
بعد اربع ايام.. لا زلنا نشاهد في المساء ممثلين بلا روح يقدمون سيرة درويش وسيرة شخصيات ما زالت على قيد الحياة، فلا المشاهد يشعر بأن فراس ابراهيم درويش، ولا يتيقن بأن محمد شيخ نجيب هو مارسيل خليفة وهكذا مع باقي «ابطال العمل». وباقي اليوم، نبقى نرصد ردود فعل محبي درويش الساخطة على المسلسل.
درويش في مسلسله مات مرة اخرى، فنحن لم نشعر بأن من على الشاشة يقدم لنا محمود بصدق وباحساس، ولم ندر لماذا كانت «رهف» (الفتاة المصرية التي تعشقه) تظهر بباروكة «غبية» وبقميص نوم عار، وللان لا نعرف لماذا سقطت «عين» نجدت انزور عن العمل، ولماذا خلا صاحب العمل من الحضور في الحلقة «الرابعة» لصالح رهف، بحيث احتلت الاخيرة ثلاثة ارباع الحلقة دون داع.
اننا نتابع يوميا.. ما يود صانعو المسلسل ان يقدموه بركاكة.. مستبدلين غياب درويش برؤيا «العذاب».. رحمك الله يا محمود.
