كوريا شمالية واحدة تكفي

تم نشره الإثنين 13 حزيران / يونيو 2022 12:44 صباحاً
كوريا شمالية واحدة تكفي
إبراهيم الزبيدي

في السنوات الخمس الماضية، أكثر من غيرها، تكثفت وتسارعت الهجمات الإسرائيلية الموجعة على مواقع الحرس الثوري الإيراني ومعسكرات ميليشياته في سوريا والعراق، وعلى أهم علمائه النوويين والصاروخيين الكبار، والضباط القياديين العسكريين. وإزاء كل هذه الهجمات ظل المسلمون في العالم يتفرجون، وكثيرون منهم يشمَتون، وكان المُنتظر منهم أن يغضبوا وينتفضوا ويهزوا الأرض انتصارا لشقيق مسلم يُعتدى عليه، ويُهان، كما كانوا قبل ذلك يفعلون.

والعتب ليس عليهم، بل على النظام الإيراني نفسه الذي لم يُبق في قلب المواطن العربي أو المسلم مكانا للرحمة به، بمظالمهِ التي لا تحتمل.

والغزو الجاري هذه الأيام ضد إيران هو غزو من نوع حديث مختلفٍ عن حروب أيام زمان. فلا مدافع وبوارج وطائرات ودبابات، كما كان يجري في العصور الغابرة، بل هي حرب إسرائيلية – أميركية – أوروبية – عربية حقيقية، ولكن على حلقات، وبالتقسيط.

وإزاء هذا كله لا تكف جمهوريةُ الولي الفقيه عن تجديد تهديداتها، كعادتها، بأنها سوف تنتقم.

وفي أعقاب كل غارة أو اغتيال أو حريق مفتعل يغضب الحرس الثوري، ويغضب معه مجاهدو محور المقاومة والممانعة اللبنانيون والعراقيون والسوريون، ويهددون بأن “هذا (العدوان الغاشم) لن يمر دون ثمن باهظ”.

وفي كل عام، خصوصا في ذكرى وفاة الخميني، يجدد المرشد علي خامنئي، قائدُ الثورة الإسلامية، للفلسطينيين والعرب والمسلمين عهد الإمام الراحل، ويعدنا بمحو إسرائيل من الوجود، وبالصلاة في القدس، وبتحرير فلسطين، كلها، من النهر إلى البحر، ولكن عندما تسمح الظروف. وها نحن من أربعين سنة نعيش في انتظار هذه الظروف.

نعم إن النظام منشغل، بكل قوته وقدراته، سراً وعلانية، بتجاربه التخصيبية الطامحة إلى صنع قنبلة نووية تردع الأميركيين والإسرائيليين، وتجعل أعداء الثورة الإسلامية وخصومها الأوروبيين والعرب والمسلمين يعدون إلى العشرة قبل أن يفكروا بعدوان.

وبالرغم من قسوة العقوبات الأميركية والدولية الخانقة كان ينفق على هذا الطموح بلا حساب، حتى وهو يعلم بأن هذا الإنفاق وفي هذه الظروف الاقتصادية الضيقة لا بد أن يصل بشعبه ذات يوم إلى حالة الفاقة والعجز وقلة الصبر وإلى الانفجار، وقد حدث. وانفجاراتُ الجموع الفقيرة في أغلب المدن الإيرانية، عاما بعد عام، واحتجاجاتها وهتافاتها بالموت للمرشد الأعلى تؤكد لنا ذلك.

وفي هذه الأيام، بشكل خاص، تبين أن النظام قد وصل فعلا إلى نهاية الطريق، واقترب من موسم حصاد ما كان يزرع في طول زمانه الطويل الذي مر. فقد وصلت علاقته مع الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى القطيعة، بعد أن اكتشفت ثلاثة مواقع سرية للتخصيب وفيها آثار يورانيوم لم يُعلم النظامُ بها الوكالة من قبل.

وحين لم يعط جوابا مقنعا بشأنها فقد أصدرت الوكالة توبيخا هو الأول من نوعه، ومنحته 4 أسابيع للعودة إلى التعاون الشفاف.

وطبعا لأنه كان قد استبق التوبيخ فرفع 27 كاميرا وأعلن عن تسريع عمليات التخصيب وهدد بإجراءات انتقامية أخرى، فقد أصبحت عودته التي تطالبه بها الوكالة أقرب إلى المستحيل. وهو ما سوف يدفع بالوكالة، بالمؤكد، إلى تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي. والمتوقع أن يعيد المجلس إيران إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهو ما كان قد وضع نظام صدام حسين في التسعينات على طريق النهاية.

تُضاف إلى كل هذه التطورات أحداثٌ أخرى على الأرض مقلقة وتوحي بأن هناك أمرا جللا يُجهَّز لإيران.

فالرئيس الأميركي العائد المضطر إلى التشدد مع نظام إيران سيصل إلى المنطقة لتنسيق الجهد العسكري الإقليمي لمواجهة اعتداءات إيرانية متوقعة على مصالح أميركية أو على بعض دول المنطقة. مع استمرار عمليات القتل البطيء المكلفة بها إسرائيل.

وفي الوقت نفسه أعد الكونغرس الأميركي قرارا، باتفاق الحزبين، يتيح لوزارة الدفاع العمل مع إسرائيل وعدد من الدول العربية لدمج الدفاعات الجوية للتصدي لمحاولات إيران الانتقامية المحتملة القادمة.

وهنا نسأل لماذا كل هذا الحماس الأميركي – الإسرائيلي – الأوروبي الكبير في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، مع أن دولا عديدة أخرى تمتلك هذا السلاح، منها الهند وباكستان؟

والجواب واحد ولا يتغير. فكل هذا الدول ملتزمة، قولا وعملا، وبشكل أو بآخر، بالعمل ضمن قواعد المجتمع الدولي، وبعدم تحديها أو الخروج عليها. أما النظام الإيراني فقد كان، على مدى أربعين عاما، يبرهن كل يوم على أنه لا يختلف في سلوكه العام عن كوريا الشمالية، خصوصا في عدم احترام القوانين الدولية، وتحدّيها والعبث بها، قولا وعملا، ولا حدود.

والعالم الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة لا يطيق كوريا شمالية أخرى تتخذ منها روسيا والصين قفازا لتهديد النظام العالمي والخروج عليه.

أما الدافع الذي يجعل إسرائيل أكثر المصرين على منع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية فهو أنها عند ذاك ستجد دولا عديدة مجاورة متخمة بالقنابل النووية فلا تعود لقنابلِها النووية قوة الردع الوحيدة في المنطقة.

إذن فإيران اليوم قد دخلت إلى عاصفة صحراء جديدة من نوع جديد مبتكر سلاحها المسيرات المنهكة المؤذية القاتلة. وتوحي الحوادث المتلاحقة بأن النظام الإيراني لا بد أن يجد نفسه، بالضرورة، مجبرا على عمل انتقامي استباقي، دفاعا عن وجوده. وقد يكون غزوا لكردستان، أو هجوما صاروخيا على مستودعات البترول في السعودية أو الإمارات، أو على إسرائيل ذاتها.

ولكن هذا العمل، صغيرا أو كبيرا، سيكون البداية. أما النهاية فمعروفة، ولن تكون مختلفة، كثيرا، عن نهاية نظام عدوها القوي الراحل صدام حسين.

العرب اللندنية 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات