بائع الشاي الثمانيني في وسط البلد يرصد عيدا لا بهجة له

المدينة نيوز - مثل أيقونة لذاكرة المكان العمّاني يبدو بائع الشاي المعروف في وسط البلد ابراهيم عطية (ابو بسام) وهو يطلق نداءه منذ عقود حاملا ابريقه النحاسي الاصفر و"ضمة" النعناع، علّ "غلة" آخر النهار تجلب الفرح للقلب المتعب بضنك الحياة عشية العيد الكبير.
ينادي بائع الشاي المسن بصوت متقطع هدّه التعب أن كاسة الشاي بالنعناع التي يبيعها منذ عقود ما تزال احدى مفردات وسط البلد مع شقشقة الصباح، في مسعى يقول ابو بسام انه يواجه فيه ضنك الحال مع هذا الغلاء الطاحن الذي يفقد العيد بهجته.
يستعيد ابو بسام اعياد وسط البلد منذ الخمسينات فيجدها اكثر بهجة من هذا الواقع، الذي يضطره الى مضاعفة ساعات عمله قبل حلول العيد "لاجمع النقود التي تساعدني في التحضير لهذه المناسبة من شراء الملابس الجديدة والحلوى".
ابو بسام الذي يضع في اذنه سماعة معدنية لا يرى ما ينبىء بحلول العيد، سوى اصوات باعة ينادون سيلا بشريا لا يكترث لشراء مستلزمات العيد.
يأخذ ابو بسام على الناس تغير عاداتهم في العيد مما افقده بهجته، مستذكرا صورا لفرح بعيد يبدأ التجهيز له مبكرا من اعداد الحلويات المنزلية وتجهيز الاضاحي وشراء الملابس للأطفال ومراجيح العيد التي تنصب في الاماكن العامة.
وجه ابو بسام الذي يروي عناء ما يزيد عن ثمانين عاما كان الأكثر فرحا في صباح وسط عمان من وجوه كثيرة غلبها العبوس لا يفرحها عبق الصباح الذي امتزجت فيه روائح مختلفة جمعت القهوة والنعناع المتربع على شاي الصباح وروائح الخبز الطازج والفلافل .
يكتظ وسط البلد عشية العيد بناس تبدو ملامحهم قاسية قسوة غلاء الاسعار وتائهة وسط زحام سيارات طغت أصوات زواميرها على اصوات اغاني فيروز التي تطلقها مسجلات تطلقها من المحلات المجاورة.
المحلات والبسطات المنتشرة بشوارع وسط عمان عرضت تجهيزات العيد من كميات كبيرة من الحلوى والشوكولاته والمكسرات والادوات المنزلية بالاضافة للملابس والاحذية الا ان متسوقيها يكتفي بعضهم بالمشاهدة والاخرين بشراء الارخص ثمنا.
وبينما اختلفت تجهيزات العيد وفقا للظروف المادية للافراد يزعج بائع الاحذية عوض سالم عندما يأتيه متسوقا يشتري حذاء له بقيمة تصل الى مئة دينار بينما هو لا يستطيع شراء حذاء جديد لابنه الوحيد ببضعة دنانير.
يقول سالم وقد تلون وجهه بالاحمر وارتجفت شفتاه حابسا دمعة : اتقاضى 10 دنانير اجرة يومية ادفع منها اجرة بيت ومصاريف طعام وشراب واجرة طريق بالاضافة الى المصاريف الاخرى فكيف لي ان ادخل فرحة العيد الى بيتي واشتري الجديد لابني الوحيد.
ام يوسف الحجاج الباحثة عن ملابس لابنائها في شارع الطلياني المعروف بالملابس المستعملة لم تجهز للعيد لغلاء الاسعار وعدم قدرتها على مجاراتها كما تقول.
تقول ام يوسف ان عاداتها في التجهيز للعيد قد تغيرت نتيجة غلاء المعيشة ففي الوقت الذي كانت فيه خلال سنوات ماضية تجهز لهذه المناسبة باعداد الكعك والمعمول وشراء الحلوى والملابس الجديدة واحيانا تجهيز الاضحية باتت اليوم تقتصر على شراء ملابس قد تكون من المستعملة لاطفالها وشراء الحلوى الاقل ثمنا.
الملابس والحذاء الجديد ولعبة العيد ضروريات التزمت شرائها الكثير من العوائل لاطفالها بهدف ادخال الفرحة والسرور اليهم وتمييز هذه المناسبة عن غيرها الا انها كما تقول حنان طاهات لم تعد ضروريات كالسابق وتكتفي بشراء ما ينقص اطفالها من ملابس.
امام محل متخصص للالعاب في سوق الندى تسير ام خالد مع اطفالها الثلاثة بخطى سريعة دون ان تكترث بصراخ ابنها الذي يريد شراء لعبة العيد كونها لا تسعفها ظروفها المادية على شراء ثلاثة العاب لابنائها كما تقول.
تقول ام خالد لم تعد لعبة العيد التي ارتبطت بذكريات الكثيرين باعياد الماضي ضرورية مشيرة ان الاولوية تضعها لشراء ملابس لابنائها للاستفادة منها لاحقا خلال فترة الشتاء.
تاجر الالعاب بالجملة ايمن عطية يقول ان الطلب على شراء الالعاب في العيد شهد تراجعا كبيرا بينما اقتصر التركيز على الالعاب الشعبية الاقل ثمنا وتتراوح اسعارها بين النصف دينار الى دينار واحد.
وكما هو الاقبال على الالعاب ضعيفا فمحلات الحلوى تشكو تراجعا عن السنوات السابقة يقول بائع الشوكولاته والحلوى في شارع السلط مصطفى سعد عادة ما يكون الاقبال على منتجاته قبل العيد بيوم واحد وحاليا يصف الاقبال ضعيفا.
تشير ام احمد انها تشتري الحلوى قبل العيد بيوم واحد حتى لا يأكلها اطفالها لتستطيع تقديمها لضيوفها.
في شارع بسمان لم يعد يستقطب المحمص الذي يؤرخ تاريخا طويلا امتد منذ العام 1952 زبائنه كاعياد الماضي كما يقول صاحبه محمد بلعاوي.
ووفقا للبلعاوي فقد كانت المكسرات والموالح التي تصاحب جلسات العيد ضروريات خلال مناسبات الاعياد وبات الطلب على المكسرات يقتصر على الطبقة "المخملية" بينما اكتفت الطبقة المتوسطة على شراء موالح بمبلغ لا يزيد عن الدينار.
اضاحي عيد الاضحى المظهر الرئيس فيه لم تعد منتشرة كالسابق كما يقول زكريا محمد الذي يستذكرها عندما كانت تشبع الجميع باللحوم خلال فترة العيد بينما حاليا اقتصرت على طبقة معينة لغلاء اسعارها.
ابو بسام بقي حتى ساعات المساء يجول بابريق الشاي الكبير فتسنت له غلة قدرها عشرة دنانير لشراء حلوى لعيد علّه ياتي أضحى وأجمل.(بترا)