يعملون لمستشفى خاص صاحبه شخصية مرموقة .. "سماسرة" يتاجرون ب"مرضى" البشير والمستشفيات الحكومية
المدينة نيوز ـ زينة حمدان - في ثقافة الاردنيين، انحصر مصطلح "السمسرة" في عمليات بيع وشراء الاراضي والعقارات، ولكن ان يتاجر هؤلاء بـ"صحة الانسان"، فهذا الجديد الذي توصلت اليه المدينة نيوز في قسم طواريء مستشفى البشير، واكده مديره العام الدكتور عبد الهادي بريزات.
وما يجري في قسم الطواريء، يؤكد المدى الذي خرج فيه احد المستشفيات الخاصة عن الهدف النبيل لمهنة الطب ولم يعد همه سوى الربح والخسارة من خلال الاتفاق مع "سماسرة" ينتشرون في قسم طواريء البشير وغيره من المستشفيات بحسب ما افاد به الدكتور بريزات، لاصطياد المرضى الذين يحتاجون الى عمليات جراحية وتحويلهم الى ذلك المستشفى مقابل عمولة تقتطع من اجرة العملية.
وبعد سؤال وتقصي توصلت مندوبتنا الى ان المرضى الذين لا يجدون اسرة في مستشفى البشير هم هدف لهؤلاء السماسرة.
والملفت للانتباه ان المعلومة التي حصلت عليها المدينة نيوز قبل اسبوعين من احد المرضى الذين استهدفه احد هؤلاء السماسرة، ليست بجديدة وفق ما اكده الدكتور بريزات. ولكنه في الوقت نفسه اكد انها تتنافى مع نبل مهنة الطب التي هدفها الاول رفع الالم عن الناس.
اما الغريب ان المستشفى الخاص الذي يقبع في شرق عمان، ينشر سماسرته في مستشفى البشير تملكه شخصية اردنية تحمل شهادة الطب وتتبوأ منصبا مرموقا في البلاد.
صباح يوم الخميس الماضي توجهت "المدينة نيوز" الى طوارئ مستشفى البشير للتحقق من دقة معلوماتها عن هؤلاء السماسرة. وحتى تتمكن من الوصول الى ذلك تنكرت مندوبتها بشخصية ابنة احدى المريضات التي تبحث عن سرير لاجراء عملية المرارة.
ومن هنا بدأت خيوط القضية تتكشف رويدا رويدا. فعندما يبدأ صوت المريض او مرافقه بالسؤال عن سرير فارغ يتكاثر حوله عددا من العمال الوافدين ويبدأون ببث "ابر" الاحباط والنكوص. وما ان يصل المحتاج للعلاج حالى اليأس يبدأ هؤلاء يبثون فيه روح الامل مجددا من خلال التاكيد له بان "الحل لديهم".
وما بين البحث والاحباط واليأس يكون المحيطين بالمريض او مرافقه قد تأكدوا من الشخص الذي سيهبون بعد قليل لمساعدته، فيصلونه باحد سماسرة ذلك المستشفى الذي يبدأ بشتم مستشفى البشير والاساءة الى كادره الطبي بهدف تخويف المريض او اهله من تلقي العلاج فيه. وبعد ان يشعر السمسار بان مقابله اقتنع بوجهة نظره، يبدا بتقديم النصيحة بالبحث عن مستشفى خاص وان يدفع المريض ويتلقى العلاج اللازم افضل ما من ان يخسر حياته في غرفة عمليات البشير، ثم يبدا برواية قصص من اختراعه تزيد من قناعة المريض بالتوجه الى مستشفى خاص. وفور اقتناع المريض بوجهة نظره يبدأ الحديث عن انجازات ذلك المستشفى الذي تربطه ببعض العاملين فيه علاقة صداقة ومعرفة وانه اذا اراد ان يذهب الى هناك ( اي المريض) فباستطاعته ان يساعده من حيث السعر والاقامة.
وهذا ما حدث مع مندوبتنا بعد ان بدات تسال في مستشفى البشير عن "واسطة" لايجاد سرير لوالدتها.
وتبعا للمعلومات التي حطت بين يديها، توجهت الى عدد من عمال النظافة الذين كانوا متواجدين هناك خلال زيارتها لقسم الطواريء، وطلبت منهم المساعدة، ولانها اتقنت الدور تماما، احضروا لها بعد شد وجذب شخص عرف على نفسه بـ "أبو محمد".
ولما شعرت الزميلة زينة حمدان انها اقتربت من هدفها، شغلت جهاز التسجيل الخاص بها قبل ان تلتقي " ابو محمد" الذي حضر اليها وعرض عليها خدماته بنقل والدتها الى ذلك المستشفى لاجراء عملية "ازالة المرارة" لها هناك .
وقال المدعو "أبو محمد" أن خدمة مستشفى البشير غير جيدة مستشهدا بقصص حصلت مع أقارب له دخلوا الى المستشفى يشكون من أمراض بسيطة خرجوا منها الى المقبرة.
وأضاف انه على علاقة مع ادارة المستشفى وسيعطي مندوبة " المدينة نيوز" خصما مقداره 30 % ، وبعد ان وافقت المندوبة على ذلك أجرى "أبو محمد" اتصالا هاتفيا مع المستشفى يبلغهم ان "زبونة" ستحضر والدتها المريضة وطلب منهم ان اعطاءها خصما.
وطلب من مندوبة "المدينة نيوز" ان تذهب الى ذلك المستشفى وتخبر موظف الاستقبال في الطوارئ هناك انها من طرف "أبو محمد" طبعا للحصول على الخصم المتفق عليه.
ولمزيد من التحري والتقاط الصور التي تدعم التحقيق زار فريق " المدينة نيوز" صباح اليوم الاحد طوارئ مستشفى البشير، الا أنه لم يعثر على "أبو محمد" مما دفعهم الى طلب المساعدة من عمال النظافة واخبارهم أنهم نظرا لعدم توفر الأسرة قرروا ادخال والدتهم الى احد المستشفيات الخاصة فقام العامل بتعريف مندوب "المدينة نيوز" على أحد الأطباء الذي قام بدوره بارشاد المندوب الى قسم طوارئ "الجراحة" حيث سوف يقومون بمساعدته .
وفي أثناء تجوال الفريق في أرجاء المستشفى جاء أحد افراد الأمن هناك وطلب من فريق "المدينة نيوز" شطب الصور التي قاموا بالتقاطها، فأنكروا انهم قاموا بالتصوير وخرجوا من قسم الطوارئ قبل ان تكتشف هويتهما.
من جهته لم ينف مدير مستشفى البشير الدكتور عبد الهادي بريزات هذه الظاهرة. وقال لــ"المدينة نيوز" أن ظاهرة "سماسرة" المستشفيات الخاصة زادت عن حدها في الاونة الاخيرة .
وبين الدكتور بريزات ان هناك "سماسرة" المستشفيات الخاصة يتواجدون ليس فقط في مستشفى البشير ولكن ايضا في المطارات والفنادق، وان هؤلاء "السماسرة" لا يتوانون عن اطلاق الشائعات على المستشفيات الحكومية لاستقطاب هؤلاء المرضى الى المستشفيات الخاصة.
وبين الدكتور بريزات ان طوارئ مستشفى البشير يستقبل نحو 1400 مراجع يوميا 10% منهم بحاجة الى دخول الى المستشفى وهو امر صعب تلبيته ضمن امكانيات المستشفى، لذا تقوم ادارة قسم الطوارئ بمخاطبة المستشفيات الحكومية الأخرى لمعرفة اذا ما توفر سرير لادخال المريض المؤمن وغير المؤمن لديهم.
وتابع الدكتور بريزات قوله "أنه في أغلب الحالات لا يتوفر سرير في المستشفيات الحكومية لذا يتم تحويل المريض المؤمن الى مستشفى خاص الأقرب الى منزله، ويتم الاعتذار للمريض غير المؤمن حيث تنتهي علاقة المستشفى بهذا المريض بمجرد ابلاغه أنه لا يوجد أسرة في المستشفيات الحكومية" .
وهنا، يقول الدكتور بريزات، يجد "السماسرة" لهم طريقا لعرض "بضاعتهم" كما يقولون في جذب هؤلاء المرضى الى المستشفيات الخاصة .
واشار بريزات الى حجم وضغط العمل الذي تعاني منه المستشفيات الحكومية عامة ومستشفى البشير خاصة بعد تحويل مستشفى الامير حمزة ليعمل ضمن الية القطاع الخاص، مما يجعل السيطرة على وجود هؤلاء "السماسرة" صعبا نوعا ما، مشيرا الى ان التواجد الامني في قسم الطوارئ خفف من تواجدهم .
